تعرفنا في الجزء الأول عن ماهية الشائعة، لكن الشائعة أيضاً هي ظاهرة سيكولوجية لها دلالة ولها معنى، أولها دوافع خاصة دفعت إلى ظهورها وسبب شرعة انتشارها بين الناس، ويمكن تقسيم الشائعات إلى ثلاثة أنواع:
أولاً: شائعات الأحلام أو الأماني:
وهي تنتشر بين الناس لأن لهم حاجات ورغبات وآمال فيها وهي عبارة عن تنفيس لهذه الحاجات والآمال والرغبات.
ثانياً: شائعات الخوف:
وهي تنتشر في وقت خوف الناس. فالإنسان في حالة الخوف والقلق مستعد لأن يتوهم أموراً كثيرة لا أساس لها من الصحة، وهو مستعد لأن يفسر الحوادث العادية تفسيرات خاطئة يمليها عليه الخوف والوهم. كذلك فهو مستعد لأن يصدق كل ما يقال وله مساس بموضوع خوفه وقلقه. وتنتشر هذه الشائعات في وقت الأزمات والحروب.
ثالثاً: شائعات الكراهية:
وهي تصدر لتعبّر عن شعور الكراهية والبغض ودوافع العدوان التي تجيش بها نفوس بعض الناس. وينتشر هذا النوع بين الأحزاب المتصارعة دائماً.
وظائف الشائعة
تتنوع وظائف الشائعات، سواء على المستوى الدولي أو المحلي، فأحيانا، تبث الدولة شائعة لقياس نبض مجتمع دولة بعينها، أو تبث شائعة لتحقق أفكاراً بعينها داخل نسيج مجتمعي معين. كما تقوم الحكومات ببث الشائعات في سبيل تمرير سياسة أو قرارات جديدة. فالشائعة تجتاح عواطف الجمهور حيث يبدؤون في التفاعل معها، سواء بالرفض أو القبول، فتصبح الشائعة وقياس رد الفعل عليها مادة فعالة لصناع القرار لتحليل رد الفعل الشعبي وتحديد كيفية التعامل مع الجماهير الرافضة، أو المؤيدة.
كما تستطيع الحكومات التحكم في الحالة النفسية للمجتمع من خلال بث شائعات علاجية تسهم في رفع الحالة المعنوية للجماهير أو العكس.
وهناك وظيفة أخرى للشائعة، حيث تعمد بعض الدول إلى إطلاق شائعات مروعة هدفها إثارة البلبلة والقلق، وعدم الاستقرار والغوص في مجتمع معين لزعزعة نظامه بهدف إضعافه من أهداف سياسية أو عسكرية.
وذكر كتاب “Psychology of Rumer” إن الشائعة تجد بيئة مواتية للانتشار بشكل كبير وقت الأزمات، وفترات الاضطراب السياسي، ووسط جهل وسائل الإعلام واعتمادها على مصادر إعلامية أخرى.
أشكال الشائعة
الشائعة لها عدة صور تنتقل بها بحسب كل مجتمع، وبحسب الهدف منها. فلكل شكل منها دور يقوم به في المجتمع المستهدف. فتتأرجح أشكال الشائعة بين الرواية الكلامية، المثل، النكتة، الرسم الكاريكاتيري، والأخبار الصحفية، وتنتقل جميعاُ في وسائط إعلامية متشابهة، مثل القنوات الفضائية، الصحف الورقية، المواقع الإخبارية، ووسائل التواصل الاجتماعي. ولعل أشهرها حالياً، وأسرعها انتشاراً، وسائل التواصل الاجتماعي بكل مسمياتها، فضلاً عن المواقع البحثية.
الرواية الكلامية: تكون مصممة على شكل قصة درامية قصيرة بها القليل من الكلمات التي تسعى إلى مخاطبة العاطفة الإنسانية بأقل عدد ممكن من الكلمات، مثل التي تنتشر على مجموعات الواتس آب، وتشمل موضوعات تخاطب العقائد الدينية، أو أموراً اقتصادية، أو سياسية، أو روايات تبعث على القلق والخوف، مثل روايات عن خطف الأطفال، أو تجارة الأعضاء البشرية، أو اعتداء وهمي على مقدسات دينية، أو تفسير سلبي لحدث ما.
النكتة أو المثل: وهي الأكثر شيوعاً خصوصاً في المجتمع العربي، حيث أننا نميل دائماً للضحك والاستشهاد بالأمثال، لكن دون التفكر في مضمون الرسائل. فالنكتة السياسية، كما أشار إليها هانز يوخيم كام في كتابه "نكات الهمس في المملكة (الرايخ) الثالثة" هي عملية مقاومة بكل معناها، وأسلوب لنقل التقولات والشائعة، وجعل المسؤول أضحوكة، وبواسطتها، تتم عملية تعرية جزئية لقوة الشخص، وتنتقص من هيبته، وللنكات ثلاث وظائف أساسية:
الرسم الكاريكاتيري: يشبه ويتطابق مع شكل النكتة، لكنها مرسومة، وكلاهما يحمل في النهاية راياً شخصياً لصاحب الرسمة ومطلق النكتة. لكن من كثرة تداولها، تأخذ حجتها، وترسخ في أذهان الناس.
كما تتخذ الشائعة أشكالاً متعددة أخرى، كأحاديث أو تصريحات محرفة، وأخبار مجهولة المصدر، وتقارير كاذبة، وأخبار مبالغ فيها، ومنشورات مختلفة على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، تلعب على الجانب العاطفي والإنساني لدى الجمهور لخلق أثر نفسي معين، وبالتالي الاتجاهات الفكرية المنشودة. فالشائعات الأشد فتكاً في مجال الحرب النفسية في أساليب الحرب، لأنها تخترق وتندس بسهولة بالغة وسط الجماهير، ومن الصعب معرفة مصدرها، كما أن ضحاياها يعتمدون على معرفتها من مصدر معين، فيصبح ضحايا الشائعة هم مروجيها بعد فترة معينة، مما يضفي عليها لوناً كاذباً من ألوان الصدق.
الجزء الثالث والأخير: آليات مكافحة الشائعات في الفضاء السيبراني.
الكاتب: غرفة التحرير