منتصف شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، استضافت الامارات قمة "تشاورية مصغرة"، ضمت كل من البحرين وقطر وسلطنة عمان، إلى مصر والأردن، بينما اعتذرت الكويت عن عدم الحضور، وتغيّب ولي العهد السعودي، عن سابق إصرار و تصميم، وفقاً لمبدأ المعاملة بالمثل الذي بدأه محمد بن زايد بتغيّبه عن القمة الصينية العربية التي عقدت في الرياض، قبل هذا الموعد بشهر واحد. وعلى ما يبدو ان الخلافات المتزايدة بين الصديقين اللدودين باتت أكبر من أن يتم اخفاؤها في جلسات السَمر التي كان يقضيها الرجلان في رحلات التخييم الليلية في الصحراء السعودية الشاسعة، برفقة صقور مدربة وحاشية صغيرة، بل بدأت الهوّة تتسع لتشمل منظمة أوبك التي تلوح أبو ظبي، مجدداً، بالخروج منها.
خلال السنوات الماضية، برز التباين بين مشروع بن زايد وبن سلمان على أكثر من صعيد، في الوقت الذي يطمح كلاهما بحجز مقعد متقدم له على الساحة الإقليمية والدولية. فقد كشفت الانتقادات اللاذعة عن خلاف متزايد بين الشركاء الأمنيين المتجاورين للولايات المتحدة الذين ساروا على مدى سنوات بخطى متقاربة بشأن السياسة الخارجية للشرق الأوسط.
الواقع ان الرياض وأبو ظبي حليفان رسمياً، أو "مجبران على التحالف الأبدي"، كتوأم ولدته الجغرافيا ويرعاه التاريخ والواقعية السياسية في أروقة البيت الأبيض. في حين يحتدم التنافس غير البريء بينهما، خاصة بما يتعلق بالاستثمار الأجنبي والتأثير في الأسواق النفطية العالمية ومقاربة العلاقات الخارجية مع الدول. بينما تعود المصائب لتجمعهما مرة أخرى: حرب اليمن.
وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها، إن مستشار الأمن القومي طحنون بن زايد آل نهيان، سافر مراراً وتكراراً إلى المملكة للقاء محمد بن سلمان، لكن ذلك فشل في تخفيف التوترات... مؤكدة على انه "في مناسبة واحدة على الأقل بعد قمة تشرين الثاني/ يناير في أبو ظبي، لم يتمكن طحنون من تأمين لقاء مع بن سلمان".
يعتبر أكبر خلاف شائك بين الجانبين، هو الحرب على اليمن. حيث تعتبر الرياض ان انسحاب القوات البرية الإماراتية من البلاد عام 2019، هو ضرب من الغدر. في حين تخشى أبو ظبي ان يتم تهميشها من المناقشات الجارية، مخافة ان تخسر موطئ قدم استراتيجي على البحر الأحمر وباب المندب، الذي تثبته برعاية أميركية-إسرائيلية، كما يجري في جزيرة سقطرى وعبد الكوري. وما عمّق الفجوة أكثر، كانت الاتفاقية الأمنية التي وقعتها أبو ظبي مع حكومة معين عبد الملك في عدن، والتي تقضي بتدخل الأولى في حالة وجود تهديد وشيك. وهو الأمر الذي اعتبرته الرياض متعارضاً مع أهدافها المستعجلة وأولوياتها، بتأمين حدودها لوقف الهجمات الصاروخية ضدها.
أوبك مضمار آخر للنزال
مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي أنتجت أزمة طاقة عالمية، كان قرار المملكة بخفض انتاج النفط أمراً يحفظ مصالحها بالدرجة الأولى. وهذا ما لم يكن مشتركاً مع الامارات، التي كانت مصلحتها تصب في مكان آخر.
داخل منظمة أوبك، كانت الامارات مضطرة لضخ أقل بكثير مما تستطيع، نزولاً عند رغبة الرياض، وهو ما يضر بعائداتها النفطية. وقال مندوبو أوبك، إن أبو ظبي تدفع منذ فترة طويلة لضخ المزيد من النفط، لكن المملكة لم توافق على ذلك.
رسمياً، تدعم الإمارات خفض الإنتاج. لكن مسؤولين أميركيين قالوا -بحسب موقع ميدل ايست آي- إن الإماراتيين أخبروهم سراً أنهم يريدون ضخ المزيد تماشياً مع رغبات واشنطن لكنهم واجهوا مقاومة من المملكة. فبموجب اتفاق أوبك بلس، يسمح لأبو ظبي بضخ 3 ملايين برميل، بينما تبلغ قدرتها انتاج 4 ملايين برميل وتتطلع مستقبلاً لإنتاج 5 ملايين برميل بحلول عام 2027.
طيلة السنوات الماضية، جرت مناقشات داخلية حول مغادرة الامارات للمنظمة، وهو القرار الذي من شأنه ان يهز كارتل النفط ويقوض قوته في الأسواق الدولية دون شك. لكن القرار الذي لم يتخذ إلى حد اليوم، أعادت الخلافاتُ المتزايدة إحياءه.
مخطئ من يظن ان قرار خروج الامارات من منظمة أوبك هو قرار اماراتي داخلي، تستطيع ان تقدم عليه متى تشاء. اذ ان تعقيدات المشهد الدولي بشكله الحالي، مع هواجس كل من الولايات المتحدة والسعودية، إضافة لحلفاء التموضعات الجديدة، يفرض نفسه مجدداً. فلا المملكة تود أن تهدي انتصاراً لبايدن في الوقت الحالي، ولا روسيا تريد ان تخسر ورقة الضغط من يدها.
الكاتب: مريم السبلاني