على منصات مواقع التواصل العربية، يمكن ملاحظة أن اليوتيوبرز هم أكثر الأشخاص المؤثرين على المستوى السياسي في الدول العربية. السعودية التي لا توفّر أي أداة قوة ناعمة بالطبع تستغلّ هذه المنصات باعتبارها غير رسمية، خاصة أنّ هؤلاء الأشخاص هم المؤثرون الجدد في العصر الرقمي. حيث يتم الاستفادة منهم لعدد متابعيهم الكبير ويتحولون إلى أداة لتشتيت انتباه الجماهير وتهدئتها، وكلما كان اليوتيوبر يتمتّع بكاريزما أكبر، كلما لفت أكثر انتباه أجهزة المخابرات المختلفة.
يطلّ هؤلاء على متابعيهم بشكل يومي لتزويدهم بأخبار جديدة بطريقة مشوقة. وكلما ارتبط هؤلاء أكثر بأجهزة المخابرات، أو بالأجندات المختلفة، كلما كان لديهم رسائل أكثر تشويقًا وعملًا إضافيًا في "التطبيل" والتسويق. لذا فإن اندماجهم في القوة السياسية الناعمة يزرع مشهدًا يخفي حقيقة الأنظمة الوحشية، في محاولة للتركيز على "الأشياء الإيجابية" التي "تشتت انتباه الجماهير وتهدئها". ولتصدير الأزمة إلى الخارج، وهو الأمر الذي تمارسه السعودية في الدعاية ضد إيران.
الربط بين الترفيه والأخبار والسياسة
الواقع أن استخدام المؤثرين في التسويق والترويج السياسي لتعزيز القوة الناعمة السعودية، هو دليل على الخطوط غير المرئية للمشهد، التي تربط بين الترفيه والأخبار والسياسة. لا يمثّل هؤلاء جهة سياسية وهم بأغلبهم ليسوا سعوديين. وهم لا يمثلون الموقف الرسمي لسياسات آل سعود، وليسوا مقيدين بقواعد مهنية راسخة، بل كل واحد منهم لديه طريقة خاصة في جذب الجماهير وتحقيق الدخل منها، بالإضافة إلى الدخل والدعم الذي تحققه من الجهاز الممول للدعاية. مما يجعلهم ليس فقطبديلًا منافسًا وجادًا للصحافة المهنية التقليدية، بل إنهم أداة جديدة للتنظيم السياسي، خاصة لدى اليوتيوبرز الذين يناقشون المواقف السياسية ويثقفون المتابعين حول أشكال المشاركة السياسية بشكل مثير.
لعبة "التضليل الاستراتيجي"
على الرغم من أن التقارب أو التنافر بين طرفين سياسيين، لابدّ أنه منعكسٌ في المحتوى الإعلامي، وأنّه بحسب التقاليد في إدارة الصراعات، تُستخدم وسائل الإعلام لبث رسائل التصعيد أو التهدئة في الحركة الدبلوماسية، إلا أنّ السعودية تلعب لعبة "التضليل الاستراتيجي"، وهو جهد منظم وشامل يهدف للتأثير على الرأي العام وتوجيهه من خلال بثّ رسائل مختلفة من شأنها زعزعة الثقة، ومن شأنها أيضًا تحقيق أهداف الجهة المضلِّلة. وهو يأتي في إطار الحرب الهجينة التي ترتكز على اعتماد أنشطة غير تقليدية. مثلًا، على الرغم من وضوح المشهد السياسي لسبب دخول السعودية في المصالحة وهو أنّ "السعوديون قد خسروا، وتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إيران هو مجرد غطاء لتلك النكسة" كما عبر الكاتب السياسي ستيفن كوك، إلا أنهم يسوقون بأن إيران هي التي استماتت من أجل التطبيع، وأن السعودية هي العنصر الذي استجاب للطلب بناءً على الوساطة الصينية، وأنها تستوعب الانتهاكات الإيرانية للاتفاق.
إعطاء النظام شرعية مستمدة من شهرة المؤثر
من المعروف أن الشخصيات المؤثرة، هي بمثابة قدوة عامة للمتابعين، وعندما توافق أو تبارك هذه الشخصية منتجًا ما أو فكرة معينة، يتبناها الجمهور البسيط بكل سذاجة. عام 2019، تعرضت مجموعة من المؤثرين الأمريكيين لانتقادات شديدة بعد الترويج للسياحة في الرياض، وقد شملت المجموعة أسماء مألوفة مثل العارضة فيكتوريا سيكريت، أليساندرا أمبروسيو، والممثل ويلمر فالديراما. ينطوي الانتقاد على أنّ هذا الترويج يتجاهل انتهاكات الحكومة السعودية لحقوق الإنسان، بما في ذلك مقتل الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018، والسجن المستمر لناشطات حقوق المرأة، بمن فيهن لجين الهذلول، التي أطلق سراحها بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من السجن.