لعقود مضت، كانت السعودية والامارات لصيقتين كوجهين لعملة واحدة: دولتان حليفتان للولايات المتحدة ومستهلكان لأسلحتها، غنيتان بالنفط ومشتركان بعدد من الحروب آخرها اليمن، ومعارضان لاتفاق نووي مع ايران. إلا ان الانسجام الذي يروّج له اعلامياً وسياسياً، لم يدم طويلاً، وباتت الخلافات أكبر من يتم اخفاؤها، خاصة في عدد من الملفات، كصراع النفوذ في الجنوب اليمني واتفاق التطبيع مع كيان الاحتلال...
يخوض البلدان الآن صراعاً هادئاً على بضع جبهات ومشتعلاً على أخرى، لتحديد من سيبرز كقوة بارزة في الخليج ليس فقط لممارسة النفوذ داخل مجلس التعاون الخليجي ولكن لإبرازه على المسرح العالمي.
ويقول تشارلز دبليو دن، الزميل في معهد واشنطن دي سي، ان أصول هذا التنافس يعود إلى النزاعات الإقليمية وسياسات الأسر الحاكمة التي سبقت استقلال الامارات في عام 1971 بوقت طويل. لكن في السنوات الأخيرة، أدت الضغوط في سوق النفط العالمية، والمشهد الجيوسياسي المتغير إلى زيادة التوترات. موضحاً انه يمكن أن يكون للخلاف بين البلدين آثار عميقة على سياسة الخليج وعلى الاستراتيجية الأمنية الأمريكية في المنطقة.
بؤر التوتر الاقتصادية: أوبك والنفط والتنويع
ساعدت الاعتراضات الإماراتية في عام 2009 على تحديد مقر البنك المركزي الخليجي المقترح في الرياض على قتل خطط البنك نفسه. وفي الآونة الأخيرة، دقت سياسات النفط إسفينا بين البلدين.
في تموز/ يوليو 2021، قادت السعودية خطة داخل أوبك + لتمديد تخفيضات الإنتاج، والتي كان من المقرر أن تنتهي في نيسان/ أبريل 2022، حتى نهاية ذلك العام من أجل التعويض عن الانهيار الوشيك لأسعار النفط خلال أزمة COVID. واعترضت الإمارات ووصفت الاقتراح بأنه "غير عادل" لأنه كان سيتطلب منها استيعاب خفض غير متناسب في الإنتاج، وهو خسارة محتملة في الدخل بعشرات المليارات من الدولارات. تم حل النزاع المباشر في وقت لاحق من ذلك الشهر عندما وافق الكارتل على رفع حدود الإنتاج لخمسة من أعضائه، بما في ذلك الامارات. لكن التوترات استمرت لدرجة أن مصادر إماراتية اضطرت إلى نفي تقارير في آذار/مارس، بأن البلاد تفكر في مغادرة أوبك.
ويضيف تشارلز دن في تقريره، ان الرياض شرعت في تحدي أبو ظبي كمركز رائد للأعمال والنقل في الشرق الأوسط. وبحسب الباحث في مركز ويلسون ديفيد أوتاوي فإن محمد بن سلمان يخطط لإنفاق 147 مليار دولار لجعل السعودية المركز اللوجستي الجوي والبحري الرئيسي للمنطقة، منافسا الامارات كمركز رئيسي في الخليج.
قبل عامين، خلال النزاع حول إنتاج النفط، فرضت الرياض قيوداً جديدة على الاستيراد للقضاء على الوصول إلى الأسواق المعفاة من الرسوم الجمركية للسلع المصنوعة في المناطق الاقتصادية الحرة، والتي تعد العمود الفقري للاقتصاد الإماراتي. بالإضافة إلى ذلك، شملت القواعد على وجه التحديد السلع المصنعة بمدخلات إسرائيلية، وهو توبيخ للعلاقات التجارية المتنامية بين الإمارات وإسرائيل.
كما قررت السعودية تحدي الامارات كموقع المقر المفضل لمعظم الشركات الأجنبية التي تمارس أعمالها في الخليج. في عام 2021، بدأت الحكومة السعودية تطلب من الشركات الأجنبية العاملة في المملكة إنشاء مقر لها هناك بحلول عام 2024، بهدف جعل حوالي 480 شركة تفعل ذلك بحلول عام 2030.
تصدعات جيوسياسية: اليمن وإسرائيل يبرزان
ونظرت الإمارات إلى مشاركتها في الحرب على اليمن كوسيلة لإظهار الدعم للمملكة، ولحماية مصالحها الاقتصادية الخاصة من خلال تأمين طرق التجارة البحرية الحيوية القريبة من اليمن، بما في ذلك مدخل باب المندب إلى جنوب البحر الأحمر. وبالإضافة إلى تحمل الكثير من القتال العنيف، دربت الإمارات حوالي 90 ألف جندي في الجنوب، وتحتفظ الآن بالسيطرة العملياتية على عدد من الجماعات المسلحة. أصبحت هذه القوات العمود الفقري العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي. ومما أثار ذعر الحكومة اليمنية وداعميها السعوديين، أن أبو ظبي واصلت بناء منشأة عسكرية في سقطرى.
بعد أن حققت الإمارات هدفها المتمثل في حماية مصالحها الأمنية وتحقيق دور مهم في المستقبل السياسي لليمن - وقلقة من أن الانتقادات الدولية المتزايدة للحرب وتأثيرها الإنساني جعلت مشاركتها غير مقبولة بشكل متزايد - سحبت الإمارات معظم قواتها في الأجزاء الجنوبية والغربية من البلاد في عام 2018، مما يمثل تحولا كبيرا في ديناميكيات الصراع. أصبحت السعودية وحليفتها السابقة الآن على طرفي نقيض من الحرب، وهي حقيقة اعترفت بها المملكة عندما اعترفت الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية بالمجلس الانتقالي الجنوبي في عام 2020، مما أدى إلى ضمه إلى الحكومة. كان هذا التحول في الأحداث مثالا صارخا، ليس فقط على الوضع المتغير في اليمن، ولكن على العلاقات المتغيرة بين القوتين الخليجيتين. ولكي لا يتفوق عليهم أحد، عقد السعوديون في حزيران/ يونيو تجمعاً سياسياً جديداً، هو المجلس الوطني لحضرموت، ليكون بمثابة ثقل موازن للمجلس الانتقالي الجنوبي.
ويضيف تشارلز، ان المقاربات المختلفة بين البلدين تجاه إسرائيل لعبت دورا في التنافس المتزايد. منذ أن أضفت الإمارات الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل بموجب اتفاقيات إبراهيم، نمت العلاقات بين البلدين بسرعة فائقة. وقد انطلق التعاون الاقتصادي، حيث بلغت التجارة الثنائية 2.5 مليار دولار في عام 2022 من قاعدة قريبة من الصفر قبل توقيع الاتفاقيات. وتعمل الآن حوالي 1 شركة إسرائيلية في الامارات، ومن المتوقع أن تنمو العلاقات الاقتصادية أكثر مع توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات وإسرائيل في أبريل، وهي أول اتفاقية تجارة حرة بين إسرائيل ودولة عربية.
وفي الوقت نفسه، لم تقدم السعودية حتى الآن على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، على الرغم من الجهود الدبلوماسية الأمريكية واستمرار الاتصالات الأمنية. وقد أضر هذا الوضع بالرياض سياسيا واقتصاديا مقابل أبو ظبي، خاصة بالنظر إلى الأهمية التي توليها إدارة بايدن لتوسيع دائرة السلام بين إسرائيل والدول العربية، وهي استراتيجية برزت كحجر الزاوية في سياسة واشنطن في الشرق الأوسط.
الكاتب: غرفة التحرير