في الأوّل من آب / أغسطس من العام 2022، اعتقلت قوات الاحتلال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي بسّام السعدي من جنين في الضفة الغربية المحتلّة، ليضاف عام آخر الى سنواته الطويلة التي قضاها متنقلًا في سجون الاحتلال. لم يكن الاستهداف المتكرّر للسعدي الا نتيجة نضاله وفكره وتمسّكه بخيار المقاومة الذي يجمعه كتاب صدر عن الكاتب عصري فيّاض تحت عنوان "قبس من نور المسيرة: الشيخ المجاهد بسّام السعدي يتذكّر". وقد ذكر الكتاب رؤية الشيخ السعدي للثورة الإسلامية في إيران، وعلاقته مع قائدها الامام روح الله الخميني.
الثورة الإسلامية: نموذج حلم به السعدي
روى الكتاب أنه "ما بين عام 1977م وعام 1979م خفت المواجهات والصدامات بين الجماهير الفلسطينية وقوات الاحتلال في معظم مدن الضفة والقطاع والقرى والمخيمات"، فبدأت مرحلة بحث الأسير السعدي عن "نموذج ثوري إسلامي على خطا المجاهدين الأوائل من الشيخ فرحان السعدي وعز الدين القسام".
"ولما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران في الحادي عشر من فبراير / شباط من العام 1979م؛ زاد هذا التمسك بعملية البحث لما رآه هو والكثيرون من الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية من أمل في عودة الإسلام كمنهج حياة في مقاومة الظلم والاستعمار والصهيونية، وقد أضاف انتصار الثورة الإسلامية في إيران أملا ويقينا في بلوغ الهدف الذي طالما سعى إليه بسام، وهو وجود تنظيم إسلامي مقاوم".
مقابل كان سائدًا في تلك الحقبة الزمنية: "فصائل وطنية ذات توجه وطني كحركة فتح، أو فضائل ذات فكر ماركسي كالجبهات، وهم يقاومون المحتل، ويُستشهدون ويعتقلون ويصابون"، الى جانب الفكر الإسلامي الدعوي الذي كان " يرى في الصدام مع المحتل في تلك الفترة مرحلة لم يحن أوانها".
وتابع الكتاب "كان هذا التفاوت بين الاتجاهين يقلقه (السعدي)، ويتمنى ظهور اتجاه ثالث يجمع بين الإسلامية والثورة، فكانت الثورة الإسلامية في إيران نموذجا فيه بعض ضالته".
العلاقة مع الإمام الخميني
ذات مرّة حاصرت قوات الاحتلال الشيخ السعدي بعد عودته من رمي الحجارة على الجيش خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) التي اندلعت في العام 1987. بعد الضرب والتنكيل أمر ضابط الاحتلال السعدي على شتم الامام الخميني، فرفض ليتحمّل مزيدًا من التنكيل، "كان الرهان بين مجموعات الجنود والضباط فيمن يستطيع إجباره على شتم عرفات والخميني، لكنّهم فشلوا". وفق ما نقل الكتاب.
كذلك ظهر الاطلاع الواسع على الثورة الإسلامية وعن حياة قائدها الامام الخميني في النقاشات التي كانت تدور خلال فترة وجود الأسير السعدي في مرج الزهور، فقد كان الجواب عن تفاصيل زواج الامام الخميني في جعبة السعدي وحده من بين الكثيرين خلال نقاش دار بين المبعدين ومجموعة من الإيرانيين.
ذكر دور حرس الثورة الإسلامية في دعم مبعدي "مرج الزهور"
خلال تلك الفترة أيضًا لم ينسَ السعدي دور إيران وحرس الثورة، فعندما تولى الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي والذي كان في تلك الفترة مسؤولًا عسكريًا وهو زياد النخالة، تأمين حاجات المبعدين، فكان يقطع مسافة 6 كيلو مترات ذهابًا ثمّ إيابًا ليصل الى "مخيم العودة". "وفّر الحرس الثوري الإيراني سيارة من نوع (تندر نيسان) لنقل الاحتياجات الأساسية للمبعدين يوميًا"، وذلك بالإضافة الى سيارات أمنتها حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
سرد أيضًا أن "الحرس الثوري الإيراني مدّ خطيّ مياه عبر خراطيم بلاستيكية لأكثر من عدّة كيلو مترات لتوفير مياه دائمة في مخيم العودة، وكذلك أحضر مولدًا كهربائيًا كبيرًا... وقام المهندس المبعد عدلي يعيش بإيصال أسلاك الكهرباء من المولد الى السبعين خيمة، وزوّدت بالكهرباء، إضافة الى جهاز تلفاز لكل خيمة". كذلك عمل حرس الثورة الإسلامية على مدّ خطوط الاتصال وربطها عبر الخارج، اذ كان يمنع الاتصال من لبنان مباشرة الى فلسطين المحتلّة.
سيرة السعدي
ولد بسام راغب السعدي بتاريخ 23/12/1960، من أبناء مخيم جنين. وأحد أبرز قادة حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية المحتلة. اعتقل مرات عديدة في سجون الاحتلال على خلفية عضويته ونشاطاته في صفوف الحركة، وأمضى ما يزيد على 15 عاماً في سجون الاحتلال.
استشهد اثنان من أبنائه مع المقاومة، واعتقلت زوجته وأولاده مرات عديدة، كما استشهدت والدته بين يدي جنود الاحتلال عندما أخبروها كذبًا أن ابنها قد استشهد. تعرض منزل السعدي للقصف في معركة مخيم جنين في نيسان / أبريل 2002.
في الفترة الأخيرة قبل اعتقاله عام 2022، ادعى "شاباك" الاحتلال، أن السعدي "عمل بجهد أكبر في الأشهر الأخيرة لإحياء أنشطة الجهاد الإسلامي، إذ كان وراء إنشاء قوة عسكرية كبيرة للتنظيم في الضفة بشكل عام، وفي جنين بشكل خاص".
وللأسير السعدي مواقف عدّة تؤكد على رؤيته لمشروع المقاومة في الضفة الغربية، اذ قال إنّ "إنّ عوامل اندلاع شرارة الانتفاضة باتت متوفرة، لكنها بحاجةٍ للدعم اللوجستي وتشكيل قيادة موحدة من جميع أطياف الشعب الفلسطيني لترتيبها وإدارتها".
وأضاف "في حال اندلعت الانتفاضة، فإن السلطة لن تستطيع الوقوف في وجه الشعب أو منع اندلاعها، وستقف بعيدة عن نقاط التماس والمواجهة، وهذا ما تؤكده التجارب السابقة للشعب الفلسطيني في الثورة على الاحتلال خلال الانتفاضتين السابقتين".
مرفق كتاب (قبس من نور المسيرة: الشيخ المجاهد بسام السعدي يتذكّر) الذي يلخّص سيرة هذا القائد وأهم المحطات المؤثرّة لا سيما الاعتقالات والتضحيات، ويعرّف به، ليكون فك أسره مدرجًا على شروط حركة الجهاد الإسلامي في المفاوضات بالوساطة – التي نكثها الاحتلال – بعد معركة "وحدة الساحات" في 5/8/2022.