في حزيران 2023، وقبل مغادرته لحضور قمة الناتو، كان أردوغان صريحًا عندما قدّم شرطا جديدًا للموافقة على عضوية السويد – والتي يعطلها منذ حوالي العام- في حلف شمال الأطلسي، والشرط كان "فتح الطريق" أمام تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يربط فيها أردوغان طموح بلاده للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بجهود السويد لتصبح عضوًا في حلف شمال الأطلسي.
حينها قال أردوغان للصحفيين في اسطنبول "تركيا تنتظر على باب الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من 50 عامًا، وجميع الدول الأعضاء في الناتو تقريبًا أعضاء في الاتحاد الأوروبي". وكرّر: "أوجه هذه الدعوة إلى هذه الدول التي أبقت تركيا تنتظر على أبواب الاتحاد الأوروبي لأكثر من 50 عاما". وأضاف "تعالوا وافتحوا الطريق لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. عندما تمهد الطريق لتركيا، سنمهد الطريق للسويد كما فعلنا لفنلندا".
ليس هناك شك في أن أردوغان قد جعل نفسه مصدر إزعاج في الناتو. وقد أغضب أعضاء التحالف بمنع السويد من الانضمام إلى التحالف بسبب دعم ستوكهولم المفترض للأكراد المنشقين. لكن ما لا يعترف به الأوروبيون أنّ أوروبا تنفست الصعداء مع بقاء أردوغان في السلطة، فالرجل الذي رفض فرض عقوبات على روسيا هو نفسه الذي كان وسيطًا لاتفاقية شحن الحبوب في البحر الأسود، وهو أيضًا الرجل الوسيط بين هذه الدول وبين الرئيس بوتين في اجتماعات القمم لقادة الدول. لقد نجح أردوغان في أن يكون وسيطًا قيمًا خاصة عندما يحين الوقت للتحدث عن السلام.
تاريخ العلاقة المتصدعة
تعود قصة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى أكثر من 60 عامًا. في عام 1959، تقدمت تركيا بطلب للانضمام إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية، التي سبقت الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى توقيع اتفاقية أنقرة في عام 1963. في حين أن سلسلة من الانقلابات وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي وضعت قضية التكامل بين تركيا والاتحاد الأوروبي على الموقد الخلفي، بحلول ثمانينيات القرن العشرين كانت عملية الانضمام قد عادت إلى المسار الصحيح. في عام 1980، تقدمت تركيا بطلب للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية. بعد عقد من الزمان، تم منحها وضع المرشح، وبدأت البلاد في اتخاذ خطوات مهمة لتلبية معايير الانضمام التي حددها الاتحاد الأوروبي. في هذا الوقت تقريبًا وصل أردوغان إلى السلطة. ثم، كزعيم لحزب العدالة والتنمية الجديد، تحدث عن التعددية والديمقراطية والوئام، حتى أنه فتح محادثات سلام مع جماعة حزب العمال الكردستاني.
وشرع في العمل، وأدخل إصلاحات قربت تركيا من تلبية معايير الاتحاد الأوروبي، مثل تغيير القوانين المتعلقة بجيش البلاد، لإخضاعه للسيطرة المدنية. وعلى الرغم من إشادة المفوضية الأوروبية في ذلك الوقت، إلا أن الاتحاد الأوروبي يعتبر أنّ هذه التغييرات، مهّدت في الواقع الطريق لأردوغان لتولي المزيد من السيطرة على الجيش في وقت لاحق. وبدأت الدول الأوروبية تتحدث عن سلوك أردوغان "الاستبدادي" وقمعه للاحتجاجات وسجنه لعشرات الآلاف وغيرها من الممارسات التي تتناقض مع "معايير كوبنهاغن"، وهي الشروط التي يجب على أي دولة ترغب في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الوفاء بها، والتي تشمل ضمانات حول سيادة القانون وحقوق الإنسان وحماية الأقليات. وبحلول عام 2018، كان قادة الاتحاد الأوروبي قد عبّروا بصراحة عبر بيان صادر عن المجلس الأوروبي: إن مفاوضات انضمام تركيا "وصلت إلى طريق مسدود". وقال تقرير البرلمان الأوروبي لعام 2022، إن "عملية الانضمام لا يمكن أن تستأنف في ظل الظروف الحالية". ومؤخرًا قبل أسبوع تم تبني التقرير نفسه، الذي يُعرب عن مخاوف الاتحاد الأوروبي بشأن انتهاكات حقوق الإنسان وسيادة القانون. وبدلا من ذلك، دعا المشرعون الأوروبيون إلى إيجاد "إطار مواز وواقعي" للعلاقات بين بروكسل وأنقرة.
تركيا تتخلى عن الانضمام
مباشرة في أعقاب نشر التقرير الأخير قال أردوغان إن تركيا قد "تنفصل" عن الاتحاد الأوروبي بشأن محاولتها الانضمام إلى الاتحاد. وقال للصحفيين في اسطنبول قبل السفر إلى نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة "خلال هذه الفترة التي يتخذ فيها الاتحاد الأوروبي خطوات للانفصال عن تركيا، سنقوم بتقييمنا مقابل هذه التطورات وبعد هذه التقييمات، قد ننفصل عن الاتحاد الأوروبي إذا لزم الأمر". وقالت وزارة الخارجية التركية في وقت سابق من هذا الأسبوع إن تقرير البرلمان الأوروبي تضمن مزاعم وتحيزات لا أساس لها من الصحة واتخذ نهجا "سطحيًا وغير رؤيوي" لعلاقات البلاد مع الاتحاد الأوروبي.
لا يمكن الجزم بأنّ أردوغان سينهي طموحه بعد طول انتظار. خاصة أن لديه أوراق قوة من شأنها أن تؤرق الإتحاد الأوروبي خاصة فيما يتعلق بملف اللاجئين، ولديه البحر الأسود الذي ينقل الغاز الروسي، كل هذا يجعل الاتحاد الأوروبي (الذي يحبّ زعماؤه شدّ العصب الشعبي من خلال الإسلاموفوبيا وهذا هو العائق الحقيقي)، يجعله يفكّر مرّتين قبل قطع الأمل لأردوغان.
الكاتب: زينب عقيل