وُلد الشيخ قيس بن هادي بن سَيّد بن حَسَن آل عَبد العال الحريشاوي الخزعلي بتأريخ الخميس 30/ج1/1394 هجـ الموافق 20/حزيران/1974م في مدينة الصدر ببغداد مَعقل المجاهدين والثوار ، ونشأ سَماحَتَهُ وَتَرَعرَع فيها وأكمَل دِراسَتَهُ الإبتدائية والثانوية في بغداد ، ثُم دَرَسَ في قِسم الجيولوجيا بكُلية العلوم بجامعة بغداد.
إنتقالة وتحوّل :
في العام 1414 هجـ/1994م كان الشيخ قيس الخزعلي يَتباحَث ويُناقش زميل لهُ في الدراسة الجامعية حول تَفسير وعِلّة إلتزام الشيعة الإمامية بتأخير إقامة صلاة المغرب لمدة تصل إلى (12) دقيقة بعد أذان المغرب ، وقادتهُ النقاشات والبحوث إلى كتابة بحث علمي أكاديمي توصّل من خلاله إلى تفسير وبيان سبب هذا التأخير خلال هذه المدة ، فقرر حينها السفر إلى النجف الأشرف حيث الحوزة العلمية الشريفة للقاء عُلماءها ومراجعها وإطلاعهم على نتائج بحثه .
وهُناك إلتقى الشيخ الخزعلي بمُعظم مراجع وعُلماء الحوزة العلمية في النجف الأشرف وأطلعهُم على بحثه وما توصّل إليه من نتائج ، حتى كانت محطته الأخيرة في مكتب شهيد الجمعة آية الله العظمى السيد مُحمد الصدر “رض” فإلتقى هناك بالمرجع الصدر الذي أبدى إهتماماً كبيراً بموضوع البحث رغم إنشغاله بزحام المراجعين وطلبة الحوزة العلمية والزوار .. إلا أنهُ “رض” أبدى إهتماماً كبيراً ببحث الشيخ الخزعلي وتفاعل معهُ إلى درجة أنه تفرغ لهُ لمُدة طويلة لمُناقشته معه ، وقال له “رض” : ( هذا البحث مُتمّم لِكتابي “ما وَراء الفِقه” .. إطبعوه وتكلُفَتهُ عَلَيّ ) .
ولم يَنتهي الأمر عند هذا الحد ، فَقَد أعطى الشهيد الصدر موعداً خاصاً للشيخ الخزعلي في منزله بحي الحنانة في نفس اليوم ، وعندما زاره الشيخ في بيته خَرَج إليه الشهيد الصدر بنفسه الشريفة مُرحباً وقدم لَهُ قدحاً من اللّبن كما هي عادته “رض” مع ضيوفه وأهداه نُسخة من كتاب ( ضياء الصالحين ) تَعبيراً عن تقديره وإعجابه بالهمّة العلمية العالية لهذا الشاب الجامعي المؤمن المثابر وعَلّق على بحثه هذا بعد أن إطلّع على النقاشات الفقهية للشيخ الخزعلي الذي لم يكُن حينها قَد دَرَسَ في الحوزة بَعد قائلاً : ( ما شاء الله .. بَحثُكُم هذا يَصلُح مَشروع إجتهاد ، وَهو مُتَمّم لكتابي “ما وراء الفقه” ) .
وخُلاصَة مَضمون بحث الشيخ الخزعلي الذي نال إعجاب الشهيد الصدر “رض” هو أنهُ فَسّر سَبَب تأخير إقامة صلاة المغرب بعد الأذان عند المسلمين الشيعة الإمامية بعلاقة الأمر بسقوط قُرص الشمس وهو ما لا يتحقق لجميع سُكان البقعة الواحدة لإختلاف إرتفاعات الأرض عن سَطح البحر من مَكان لآخر كأن يَكون الإنسان يَسكن أعلى بناية ناطحة سَحاب أو جَبَل شاهق أو حتى مُنخَفَض .. كُل ذلك يؤدي إلى تَبايُن في مُدة سقوط قرص الشمس من مكان إلى آخر ، ولأن الإسلام دينٌ لكُل زمان ومكان فإن الباحث إحتمل أن النبي “ص” وأهل البيت “ع” أخذوا بنظر الإعتبار الفارق الزمني الذي يَتَسَبب به إنخفاض وإرتفاع الأرض عن سَطح البحر بما يؤدي إلى إختلاف وَقت غروب الشمس ( سقوط القُرص ) ، وبعد حسابات رياضية دقيقة ودراسات جيولوجية مُستفيضة توصّل الشيخ الخزعلي في بحثه إلى أن أعلى إرتفاع يُمكن أن يسكُنهُ الإنسان هو ( 7625 ) متر فوق سَطح البحر وهو إرتفاع لا يحتاج إلى أكثر من ( 12 ) دقيقة ليشمله سقوط قرص الشمس ، أي أن المشرع الإسلامي بحسب نتيجة بحث الشيخ الخزعلي كان قد إحتاط لجميع المصلين في المنطقة التي يحين فيها موعد الصلاة سواء الساكنين في المرتفعات أو المنخفضات بحيث يَتَساوون في حدوث الغروب الفعلي وإقامة الصلاة خلال هذه الدقائق .
ولم يطل الأمر أكثر من أيام حتى قرر الشيخ قيس الخزعلي التوكّل على الله تعالى والدراسة في الحوزة العلمية الشريفة بعدما شهده من تشجيع وإهتمام من الشهيد الصدر “رض” فطَلَب من الشهيد الصدر “رض” الدخول في حوزته الشريفة فقال له “رض” : ( أهلاً وسَهلاً بك .. ) وهكذا دَخَل الشيخ قيس الخزعلي في العام 1414 هجـ/1994م الحوزة العلمية الشريفة فأخلَصَ لِعلومها وأخلاقها وتُراثها المقدّس .
تحصيله العلمي الحوزوي :
مُنذُ أن شَرَع الشيخ الخزعلي بالدراسة الحوزوية في النجف الأشرف وإستقر للدراسة في مدرسة (الإمام المهدي “عج”) حتى أخذ يَنهل من علوم أهل البيت “ع” ويَرشف من مَعين حكمتها ومَعارفها العلوية حيث كان جواره لمرقد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب “ع”.
ولم يَتَوقّف الطموح العلمي للشيخ الخزعلي حَتى بعد إعتقاله على يد الإحتلال الأمريكي في 20/آذار/2007م فبعد إطلاق سَراحه من أسر الإحتلال بفضل ضربات المقاومين الشُجعان إستمر الشيخ الخزعلي بالدراسة الحوزوية لاحقاً لدى كبار عُلماء ومراجع الحوزة العلمية الشريفة في قُم المقدسة ، فدَرَس فقه البحث الخارج لدى آية الله العُظمى السيّد كاظِم الحسيني الحائري ، ودرس الفقه والأصول لدى آية الله العُظمى السيّد كمال الحيدري .
ولكفاءته العلمية والأخلاقية مَنَحَهُ المراجع والعُلَماء وَكالات شَرعيّة منها وكالة من شهيد الجمعة آية الله العُظمى السيد مُحمّد الصدر “رض” ووكالة من آيةِ الله العُظمى السيّد كاظِم الحسيني الحائري “دام ظله الشريف” (عن طريق مُمثله السيّد نور الدين الأشكوري قدس سره) ، وأُخرى من آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي الشاهرودي “قدس سره الشريف” .
أدوار ومَحَطات في عَهد الشّهيد الصّدر “رض” :
لم يَكُن الشيخ قَيس الخزعلي بالشَخصيّة الإعتيادية خلال نَهضَة وَثَورَة الشهيد السيّد مُحمّد الصّدر “رض” ، فَقَد كان مِمّن يُعتَمَد عَلَيه في الكثير من المهام والمواقف ، وِلِذا أوكَل لَهُ بعض المهام الإدارية والحوزوية المُهمّة ، مثل تَعيينه نائباً للمُشرف العام على مَدارس الحوزة العلمية في النجف الأشرف ، وعُضواً في قِسم الحقوق الشرعية في مَكتَب الشهيد الصدر مع كُل من السيّد سُلطان كلانتر والسيّد مُقتَدى الصّدر والسيّد مُصطَفى اليعقوبي .
والشيخ الخزعلي كان يُعد من أشجع وأجرأ طَلَبَة الشّهيد الصّدر “رض” ، وفي ذلك عِدّة حوادث وقُصَص يَذكُرها الكثير من طَلَبة الشهيد الصدر وإلى يومنا هذا ومِنها أنهُ كانت هُناك قناعة عند الشهيد الصدر “رض” أن وجود العدد الكبير والمتزايد من طلبة الحوزة في مُقابل قلة فُرص الحصول على سكن لائق لهُم لعدم سماح الطاغية صدام ببناء مدارس جديدة لطلبة الحوزة يستلزم تَخصيص سُكنى المدارس الحوزوية في النجف الأشرف بالطلبة القادمين من خارج النجف الأشرف ، ولكن بعض المدارس كانت وَكراً يُعَشعِش فيه بَعض وُكلاء الأمن والمخابرات وَخُصوصاً في مَدرَسَة (القوّام) وغيرها وأي تَحَرّش بِهِم يَعني مُجازَفَة كبيرة ومواجَهَة عَلنية غير مَعلومَة العواقب مع أزلام صدام . وهو ما جَعَل الجميع آنذاك يُحجِم عَن الإقدام على الطَلَب من هؤلاء الخروج من هذه المدارس .
إلاّ أن الشيخ قَيس الخزعلي لم يَتَرَدّد بالذّهاب بنَفسِهِ ليَطرُد هؤلاء المشبوهين المُعشعشين في هذه المدارس وليُحقّق أمنية الشهيد الصدر بتَطهير هذه المدارس من أمثال هؤلاء ، حتى أن الشهيد الصّدر أبدى إرتياحاً كبيراً لهذه الخطوة فَعَلّق عليها وأمام جَمعٌ من طَلَبَتِه قائلاً : (حَقيقة إن الشيخ قَيس قَويّ القلب ، إن الرُعب يَسير أمامَكُم مَسيرَة شَهر) .
مَرحَلَة المقاوَمَة الإسلاميّة .. تَجسيد حي لمدرَسَة شَهيد الجُمعَة :
بعد إنتهاء مَعارك إنتفاضة النجف الأشرف ضد الإحتلال الأمريكي في أيلول 2004م بدأ الشيخ الخزعلي مع أخوان لَهُ مُجاهدين من طَلَبَة الشّهيد الصّدر بالتأسيس لنَواة حَرَكَة المقاومة الإسلامية (عَصائِب أهلِ الحقّ) تَصَدّت لمُقاومة الإحتلال الأجنبي في العراق وإيقاع أقسى الضربات النوعية بالعدو المحتل والتي إستنزفت قوّة الإحتلال وإضطَرّتهُ للإسراع في الخروج من العراق لاحقاً ذليلاً حَسيراً .
وبَعدَ العَمَليّة النّوعيّة في كربلاء المقدسة عام 2007م التي قام بها أبطال “عصائب أهل الحق من العراق” كَثّف الإحتلال الأمريكي من جهوده الإستخبارية بعد أن دَخَلَهُ الرُعب من مِثل هذِه العَمَليات النوعية الشُجاعة والجريئة للمُقاومة الإسلامية .
ولم تَستَطع أجهزة إستخبارات الإحتلال الأمريكي والبريطاني بجميع إمكاناتها أن تَعتَقل الأمين العام لولا ترّصدها ومُراقبتها لأحد أقرباءه من خلال مُكالمات الهاتف الجوال ، حيث علمت بأن الشيخ الخزعلي موجود في البصرة لمدة يومين ، وكانوا يُتابعونه وحينها عرفوا بوجوده في البصرة .
لقد كان قرار قيادات قوات الإحتلال مُتردداً بعد أن حدد مَكان إجتماع الشيخ الخزعلي مع مجموعته بين أن يعتقله مَعَهُم أو أن يُلقي عليهم صاروخاً مُدمراً من الجو يَقضي عَلَيهم ، فكان القرار في اللّحظات الأخيرة أن يتم إعتقالهم .
فأسَرَت قوات الإحتلال الشيخ الخزعلي مع مجموعة من المجاهدين أثناء تَواجدهُم في مُحافظة البصرة بتأريخ 20/آذار/ 2007م ومن ثُم نُقل بواسِطة طائرة عَسكرية خاصة إلى بَغداد ليقضي أوّل (124) يوماً مِنها في السّجن الإنفرادي ثُم ليمكُث بعدها في مَحاجِر سِجن (كروبر) شَديد الخطورة (Compound 5) مُدة مِن الزّمَن سَمَحَت لَهُ بأن يُجَسّد مَدرَسَة السيّد الشهيد مُحمد الصدر “رض” داخل السجن ليعكس فيها فِكر مَرجعيّته العظيمة وأخلاقه ، فتأثر أغلَب المُحيطين به ، بَل بَلغَ التأثر حتى بسَجانيه الذين كانوا يُشرفون على السّجن ، فتَحوّل المُعتقل إلى مَدرَسَة للأدب والفقه والأخلاق ، وخصوصاً في دَرس التدبّر القُرآني الذي كان للشيخ الخزعلي باعٌ طَويل في تَدريسهِ هُناك .
كما مارَسَ الشيخ في المُعتقل دوراً بارزاً في إقامة صلاة الجمعة المقدسة من داخل سجن (كروبر) مؤجّجاً روح الجهاد والمقاومة في نفوس المعتقلين من خلال خُطبه الشجاعة التي كانت إمتداداً طبيعياً لخطَب شهيد الجمعة السيّد مُحمد الصدر “رض” .
وفي صباح يوم الأربعاء 30/كانون الأول/2009م أفرج عن الشيخ الخزعلي بعد أن أقدم أبطال المقاومة الإسلامية “عصائب أهل الحق” على أسر الجواسيس البريطانيين في مَبنى وزارة المالية في بغداد وعلى رأسهم خبير الحاسوب الجاسوس البريطاني (بيتر مور) والمطالبة بإطلاق أكبر عدد من أبطال المقاومة الأسرى وفي مُقدمهم الشيخ الخزعلي .
وها هو الشيخ الخزعلي اليوم يَعكف مع أخوانه المجاهدين والمقاومين ومن خلال كتلة “صادقون” التي فازت بـ(15) مقعد برلمني من أجل السعي للتصدي إلى إصلاح الواقع العراقي والعمل على النهوض به خصوصاً بعد النصر التأريخي العظيم الذي تحقق على التكفيريين الدواعش ومن وَراءهم .
المصدر: موقع حركة عصائب أهل الحق
الكاتب: غرفة التحرير