التعطش لدماء الأبرياء والتجرد من الانسانية وتكرار الجرائم في مشاهد مسيئة للبشرية جمعاء هذا ما بدا واضحًا للمجتمع الغربي، الذي طالما كان يرى الكيان الزائل بالصورة البهية واللطيفة الأنيسة، كم سعى هذا الكيان لحجب معاناة الفلسطينيين عن العالم في فرض عزلة على قطاع غزة المحاصر منذ عام 2007، ولكن لم يكن في حسابات الكيان إن حياة الغزيين لايمكن لجدار أن يحاصرها، ولا لتجويع يمكن ان يفقد عزيمتهم، ولا لقصف يمكن أن يثنيهم عن التنازل عن أرضهم، ولا لسلاسل الحديد والنفي وراء القضبان والتعذيب في الغرف السوداء أن ينسيهم حريتهم والحق في العيش الكريم.
لم يتوقف الكيان الإسرائيلي لحظة عن ارتكاب جرائم الحرب وإنتهاك حقوق الانسان ضارب عرض الحائط جميع القوانين الدولية، مع صمت مريب للعالم بأسره ماجعل الكيان الغاصب يرتكب إبادات لا يمكن للغرب والولايات المتحدة الأمريكية الاستمرار بتجاهل هذه الجرائم، التي تمثلت في قتل المدنيين من نساء وأطفال وكبار السن، وفي الحصار والعقاب الجماعي لسكان قطاع غزة وقطع المياه والدواء والكهرباء عنهم، ومنع دخول المساعدات الإنسانية لسكان القطاع وقصف وحشي لمراكز ومقرات المفوضية التي تحوي نازحين، وقتل طواقم الدفاع المدني والطواقم الطبية التي تعمل ليل نهار لإنقاذ الجرحى، وتعمد الإحتلال إستهداف وقتل الصحفيين لمنعهم من إيصال الحقيقة للعالم ونقل وتوثيق الجرائم التي يرتكبها.
لم يكن مستغربًا التآكل السريع والمتزايد لمواقف الدول الداعمة لإسرائيل على مستوى القبول والشرعية الذي بناه الكيان بشق الأنفس على مدى عقود، في خطوات حذرة للدول الداعمة لهذا الكيان المؤقت إذ أن مكانتهم العالمية ستنهار مع إنهيار إسرائيل إثر تصاعد الغضب في جميع أنحاء العالم ضد العدو الصهيوني، الذي غذّته وسائل التواصل الإجتماعي واللقطات التلفزيونية لمقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين وخاصة الأطفال، وذلك بأسلحة زودّت بها الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل في حربها على قطاع غزة الذي جعل التعاطف العالمي يتضاءل إتجاه حكومة نتنياهو، بينما يتلقى الفلسطينون الدعم من الغرب والاعتراف الرسمي بدولتهم من قلب أوربان حيث غزا قرار اعتراف كل من إسبانيا والنرويج وأيرلندا في الدولة الفلسطينية منصات التواصل الاجتماعي، بواقعة وصفت بالحدث التاريخي وأكدت الدول الثلاث أنها ابتداء من يوم /28/ من مايو ستعترف بدولة فلسطين، وقوبل هذا القرار بغضب الشارع الإسرائيلي وبترحيب من الجانب العربي بشكل عام والشارع الفلسطيني بشكل خاص معتبيره خطوة إيجابية بعد كل هذه التضحيات وأنهم لن يسمحو بطي قضيتهم الأساسية وبيعها بسوق النخاسة.
لم يأت تراجع العلاقات الغربية الإسرائيلة الإ ناتج استمرار الحرب الوحشية على غزة، وتعقّد المفاوضات الهادفة إلى وقف إطلاق النار وزيادة تدفق المساعدات إلى القطاع، كل ذلك أدى إلى إتساع فجوة التوترات بين إسرائيل وحلفائها من الدول الأوربية، وإسرائيل والحليف الأبرز الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة مع الرئيس الحالي جو بايدن التي طفت خلافتهم إلى السطح، بعد جهود خفية بذلتها واشنطن لكبح جماح العدوان الإسرائيلي على غزة، ومحاولات حثيثة للوصول إلى صيغة إتفاق تفضي لوقف الحرب، مستعملة أسلوب الضغط على نتنياهو وطريقة إدارته للحرب، حيث مارست الأخبرة مجموعة من التكتيكات الدبلوماسية للتأثير عليه وربط المساعدات العسكرية على قدر الإستجابة الإسرائيلية، وهذا ماكانت تفعله الأدارات الأمريكية السابقة التي جعلت من المساعدات العسكرية لإسرائيل مشروطة بالخلافات السياسية، وهذا إذ ما تحدثنا عن الضغوطات الداخلية الذي يواجهها بايدن قبل الانتخابات الرئاسية 2024، ويعد وقف القتال أمرًا حيويًا بالنسبة له حيث يتعامل مع رد فعل سياسي حاد من التقدميين الذين دعوا إلى وقف إطلاق النار وزيادة المساعدة للفلسطينيين في غزة.
بعد عقود من التنكر في صورة (واحة الديمقراطية) المحاطة بالوحوش وجدت إسرائيل نفسها في قفص الاتهام ككيان استعماري يرتكب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، بعد ان اغتصبت أرضهم وشردت وعاثت فسادًا في المنطقة لكنها ظلت طويلًا (واحة الديمقراطية) في الشرق الأوسط في نظر داعميها الغربيين، فعلى مدى 75 عامًا ظلت تحظى بالتعاطف من الغرب شعوبا وحكومات ولكن الآن باتت إسرائيل دولة متهمة رسميًا بإرتكاب مجازر حرب، ومن دولة كانت تحظى بدعم مطلق من الغرب والمؤسسات الأممية التي تسيطر عليها، إلى دولة مارقة في قفص الأتهام عالميًا.