تطورات دراماتيكية شهدتها منطقة الشمال السوري الإثنين (2/7/2024)، عندما شهدت مناطق ريف حلب الشمالي، بما في ذلك مدن الباب وإعزاز وعفرين، التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة الإرهابية (المدعومة من المعسكر الغربي المعادي لسوريا)، أحداث ومظاهرات غاضبة، تحت ذريعة الاعتداءات التي تعرض لها سوريون في مدينة قيصري التركية.
لكن من المحتمل جداّ أن يكون لهذه التطورات سبب آخر، قد حرضّت عليه "جهات متضرّرة" محلّية وإقليمية ودولية، من تقدّم فرص تحسين العلاقات ما بين الدولتين السورية والتركية. ففي هذا الإطار، صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نهار الجمعة الماضي، إنه لا يوجد أي سبب لعدم إقامة علاقات بين تركيا وسوريا كما كانت سابقاً (العلاقات التي قطعتها أنقرة ما بعد آذار / مارس 2011 مراهنةّ على ما يُمكنها تحصيله من مكاسب خلال الحرب الكونية التي شنت ضد الدولة السورية). مشيرا بأنه لا يستبعد احتمال عقد اجتماع مع نظيره السوري "السيد بشار الأسد"، للمساعدة في استعادة العلاقات الثنائية بين البلدين. ومؤكداً على أنهم (أي المسؤولون الأتراك) "مستعدون للعمل معا على تطوير هذه العلاقات مع سوريا بالطريقة نفسها التي عملنا بها في الماضي"، وأنه "لا يمكن أن يكون لدينا أبدا أي نية أو هدف مثل التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا"، وهذا ما يعدّ أمراً لافتاً، خاصةً بعد أن كان أردوغان في مقدمة الشخصيات التي حرّضت وساعدت طوال السنوات الماضية، الجماعات الإرهابية في سوريا من أجل إسقاط الدولة بقيادة الرئيس بشار الأسد.
ويشار إلى أن الحكومة السورية دأبت خلال كل المبادرات التي عُرضت عليها من أجل تطبيع العلاقات التركية السورية على قول بأنها لا يمكن أن تحدث إلا بعد موافقة تركيا وأردوغان، على سحب الآلاف من القوات التركية التي نُشرت في منطقة شمالي غرب سوريا الذي تسيطر عليه المجموعات الإرهابية وفي مقدمتهم هيئة تحرير الشام (أي جبهة النصرة).
التطورات الدراماتيكية
وبالعودة الى التطورات الدراماتيكية التي حصلت بالأمس وما سبقها من الأيام القليلة الماضية، فقد قام متظاهرون في منطقة الشمال السوري، بالاحتجاج على أحداث حصلت في مدينة قيصري التركية، فقاموا بإنزال العلم التركي عن المباني الحكومية التي يديرها موظفون أتراك، مما أدى إلى إصابة بعض الموظفين. كما عمد هؤلاء الأشخاص الى تدمير ممتلكات ومبانٍ حكومية وخدمية.
وفي معبر باب السلامة، الذي يربط ما بين مدينة إعزاز بتركيا، تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف، حيث هاجم المحتجون سيارات الشحن التركية وقاموا بتكسير وتحطيم بعضها، ومنعوا دخولها إلى الأراضي السورية. وهذا ما أدى إلى اشتباكات بين الجانبين، أسفرت عن مقتل طفل وإصابة آخرين من الأتراك والسوريين، واعتقال الأتراك لشابين سوريين بعد إصابتهما.
وامتدت الاحتجاجات شرقا إلى مدينة جرابلس، حيث شهد المعبر فيها توترا تحول إلى اشتباكات، مما دفع الموظفين والعاملين الأتراك في المعبر والمشفى إلى المغادرة باتجاه الأراضي التركية.
وفي الغرب من إعزاز، شهدت مدينة عفرين أيضا مظاهرات عنيفة وهجوما على المباني الحكومية واعتداءات على الموظفين الأتراك. وتطورت المظاهرات إلى اشتباكات مسلحة ضد مقر " الوالي التركي"، أسفرت عن مقتل شاب سوري وإصابة آخرين برصاص القوات التركية.
أما في إدلب، فقد هاجم شبان نقاط الجيش التركي في قرى الأتارب والأبزمو وتقاد، وأنزلوا الأعلام التركية وخربوا السواتر المحيطة بالنقاط، واعتدوا على المصفحات العسكرية.
حسابات إلكترونية وهمية تحرض
وفي سياق متصل بأحداث "قيصري"، التي تعدّ فتيل التطورات التي حصلت، أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا في منشور له على منصة إكس، بأنه تم إحصاء نحو 343 ألف منشور حول حادثة تحرش لاجئ سوري في تركيا بطفلة قريبة له (التي تسببت بإشعال التوترات في قيصري ومن ثم انتقلت الى شمالي سوريا)، تم تداولها على المنصة من حوالي 79 ألف حساب. وكشف يرلي كايا بأن التحقيقات أظهرت أن 37% من الحسابات التي نشرت تلك المنشورات هي آلية (روبوتات). وهذا ما يؤكّد وجود أطراف استغلت حادثة التحرش لإشعال توتر كبير بين تركيا وسوريا.
لذلك على الأرجح بأن الإدارة الأمريكية، الخاسر الأكبر من أي تطبيع للعلاقات بين أنقرة ودمشق، هي التي الراعية لهذه التطورات وغيرها، لأن التطبيع - وأي أمر يساعد في استقرار سوريا واستعادتها لعافيتها - سيشكل خطراً كبيراً على مصالحها ونفوذها في سوريا. وهذا ما يُمكن تلمّسه أيضاً في مواقف الرفض الشديد، الصادرة من ميليشيا "قسد" والجماعات الإرهابية التي تصف نفسها بأنها قوى "الثورة السورية".
الكاتب: غرفة التحرير