منذ تنفيذ كيان الاحتلال لعمليتي الاغتيال في بيروت وطهران قادت الولايات المتحدة جهوداً لإقناع إيران وحزب الله بعدم الرد وحماية إسرائيل من دفع الثمن. في حين أن التأكيد المستمر على التزامهم بضرورة توجيه ضربة عقابية لتل أبيب، دفع واشنطن لحشد مزيد من الجهود. ولأجل ذلك، يصل وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة، بعد أن أصدرت الترويكا الأوروبية بياناً طالبت فيه "إيران وحلفاءها الامتناع عن أي هجمات انتقامية". وهذا ما استوجب تعليقاً ايرانياً على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية: "إيران جدية وحازمة في استخدام حقها في الدفاع عن أمنها القومي وسيادة أراضيها...ولا تنتظر الإذن من أحد".
أصدرت الترويكا الأوروبية بياناً مشتركاً أيّد فيه المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ما أسموه "الجهود المبذولة لإنهاء الحرب"، معتبرين أن "الهجمات الإيرانية ستؤدي إلى تصاعد التوترات، وتوسّع رقعة الحرب في المنطقة، وستعرّض فرص التوصل إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن المحتجزين للخطر".
يأتي هذا البيان ضمن الحملة الإعلامية والسياسية التي رعتها الولايات المتحدة طيلة الفترة الماضية والتي تهدف إلى تحميل قوى المقاومة مسؤولية التصعيد. على الرغم من أن الاحتلال كان يرتكب المجازر توازياً مع أي جولة من المفاوضات في محاولة للضغط على المقاومة، كما أن الاصطفاف الأميركي الغربي إلى جانب إسرائيل عبر منحها الحق في تجاوز الخطوط الحمراء ودعمها عسكرياً ودبلوماسياً رغم ارتكابها الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني عن سابق إصرار، هو ما يعطيها دفعاً للتصعيد ولا يكبح جماح الغطرسة لديها. وهذا ما أكد عليه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي قال أن "الصمت الدولي إزاء جرائم الكيان الصهيوني بغزة وممارساته الإرهابية يتعارض مع المعايير الدولية"، وأن "الدعم الغربي للكيان الصهيوني والصمت الدولي إزاء جرائمه يشجعه على مواصلة جرائمه". مشدداً على أن "إيران تعتبر الرد لمعاقبة المعتدي حقاً شرعياً لكل الدول وحلاً لوقف الجرائم والاعتداءات".
هذا الإصرار الإيراني منذ يوم اغتيال رئيس المجلس السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على أراضيها، فكك الضغوط التي مورست على طهران طيلة الفترة الماضية. وتشير المصادر إلى أن "الضغوط التي كانت تمارس من أجل ثني طهران عن الرد، تحولت إلى اقناعها بالحد من نطاقه وشدته، وأن يكون مجرد رد رمزي -لحفظ ماء الوجه-". وهذا ما رفضته ايران جملة وتفصيلاً.
كما تشير المصادر إلى أن "طهران أبلغت الأطراف أن مفاوضات وقف إطلاق النار بحاجة إلى ضغوط عملية على الاحتلال لوقف الحرب، وليس شراء المزيد من الوقت لمواصلتها". مؤكدة على أن طهران تلقت عروضاً واغراءات سياسية عدة من بينها استئناف المفاوضات النووية، لكنها رفضت، لأن الرد مرتبط بشكل أساسي بسيادتها وأمنا القومي.
وكان المسؤولون الإيرانيون قد أكدوا على أن أي "رد إسرائيلي على الهجوم سيجلب رداً إيرانياً أقوى وأن أي تدخل أميركي أو غربي في أي هجوم إسرائيلي سيؤدي إلى إشعال حرب شاملة في المنطقة".
من جهته، وصف ناصر كنعاني مطالبة الترويكا الاوروبية لإيران بعدم الرد، بأنها "مطالبة فظة تفتقد لأي منطق سياسي، وتتعارض مع القوانين والمقررات الدولية".
وشدّد على أنّ "بيان الترويكا الأوروبي هو دعم علني لجرائم الكيان الصهيوني والإرهاب في المنطقة"، مشيراً إلى أنّه "إذا أرادت الترويكا الأوروبية تعزيز السلام في المنطقة، فعليها ولو لمرة واحدة إدانة جرائم الكيان الصهيوني وإبادته الجماعية في غزة".
وأوضح أنّ "ألمانيا وفرنسا وبريطانيا لم تقم بأي إجراء يمنع الكيان الصهيوني من مواصلة جرائمه الوحشية، فيما فشلت المنظمات الدولية من ردع الكيان"، مؤكّداً أنّ "على الغرب ومجلس الأمن تحمل مسؤولياتهم تجاه وقف الجرائم الإسرائيلية الوحشية في غزة".
وكانت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة قد أكّدت، في وقت سابق، أنّها "تسعى لتحقيق أولويتين في وقت واحد"، الأولى هو "التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة وانسحاب المحتلين من هذه الأراضي"، فضلاً عن "معاقبة الاحتلال الذي اغتال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في عدوان على طهران".
وشدّدت البعثة على أنّ لبلادها الحق في الدفاع المشروع، حيث "جرى انتهاك أمن وسيادة طهران في العمل الإرهابي الأخير الذي قام به الكيان الإسرائيلي"، مشدّدةً على أنّ ذلك لا علاقة له بوقف إطلاق النار في غزة.
الكاتب: غرفة التحرير