الإثنين 06 كانون الثاني , 2025 03:28

الصراع التركي- الإسرائيلي في سوريا على النفوذ الإقليمي والاقتصادي

الصراع التركي الإسرائيلي

لا يعتبر وصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة في دمشق هو النموذج الأمثل الذي كانت تطمح إليه "إسرائيل" في سوريا من جهة توسّع النفوذ والتدخل التركي في الأراضي السورية، على اعتبار الدعم الواسع الذي تُحظى به هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني من الدولة التركية.

بعد رصد أكثر من 10 دراسات وتحليلات تركية وعبرية حول الصراع التركي – الإسرائيلي في سوريا، تبيّن أن المعضلة الأساسية في هذا الصراع يتجلّى كامتداد لصراع أوسع على النفوذ الإقليمي والاقتصادي، حيث تتداخل فيه الأبعاد السياسية، الاقتصادية، والأمنية. فبحسب الرأي التركي، فإن إسرائيل تسعى إلى تشكيل سوريا ضعيفة مفككة، تحكمها مناطق ذات حكم ذاتي يمكن التحكم بها بسهولة، وهو ما يتيح لها ضمان أمن حدودها في الجولان وتوسيع نفوذها العسكري والسياسي دون عوائق.

في المقابل، وبحسب الرأي العبري، تطمح تركيا إلى بناء نظام سوري قوي وديمقراطي يضمن تمثيلاً متوازناً لجميع المكونات العرقية، ولكن مع استبعاد أي دور للأكراد، خاصة حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، الذين تعتبرهم أنقرة تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

من الناحية الاقتصادية، يُعد الصراع على موارد الطاقة في شرق المتوسط أحد المحاور المركزية التي تؤجج التوتر بين الطرفين. وبالرغم من أن الرأي التركي يستبعد في تحليلاته وأبحاثه إظهار الأطماع التركية الاقتصادية في سوريا، إلّا أن الرأي العبري يسلّط الضوء عليها، كأحد المخاطر المباشرة، ويعتبر أن تركيا تسعى لفرض سيطرتها على مساحات بحرية غنية بالغاز والنفط من خلال اتفاقيات حدود بحرية مع سوريا، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديداً مباشراً لمصالحها الاقتصادية في المنطقة. كما برأيه، تعمل أنقرة على تعزيز نفوذها عبر مشاريع استراتيجية مثل خط سكة حديد الحجاز "الخط التركي القطري"، الذي يربط الخليج بأوروبا عبر الأراضي التركية، وهو ما يهدد فعالية الممر التجاري الإسرائيلي "الممر الهندي الأوروبي" الذي يربط أوروبا بميناء حيفا، وذلك بسبب أن الممر الأخير يعدّ مشروع بعيد الأمد ولا يزال يتخلله الكثير من العوائق والتحديات، أما الميناء التركي القطري فهو يمكن أن يتحقق بالمدى القريب. لذلك، يبدو أن الكيان سيلجأ في المرحلة المقبلة إلى اتباع الخطط التي من شأنها أن تعرقل تنفيذ المشروع الاقتصادي، من خلال دعم الكرد ضد الأتراك، وتهديد المنطقة الاقتصادية في سوريا، لجعلها مكان غير آمن للاستثمار بعدة طرق.

وفي سياق إعادة الإعمار، يرى الرأي العبري أن تركيا لن تتمكن وحدها من تحمّل تكاليف إعادة بناء سوريا، ما يفتح المجال أمام قطر كشريك اقتصادي رئيسي. هذا التعاون المحتمل بين تركيا وقطر، إلى جانب تأثيره الاقتصادي، يثير مخاوف إسرائيلية من تشكّل محور سني إسلامي يمتد من أنقرة إلى الدوحة، مما قد يعزز نفوذ الإخوان المسلمين في المنطقة ويهدد الاستقرار الإقليمي، خاصة في الأردن. في المقابل، تُظهر التحليلات الإسرائيلية رغبة تل أبيب في استقطاب قوى إقليمية أخرى، مثل السعودية والإمارات، لموازنة النفوذ التركي المتزايد. هذا التوجه ليس فقط بهدف تعزيز المصالح الاقتصادية، ولكن أيضاً لضمان عدم تحول سوريا إلى ساحة نفوذ تركية - قطرية خالصة. وعلى ما يبدو فإن الإمارات ستشارك الكيان في هذا التوجه نظراً لعدم استفادتها من الممر التركي القطري بالقدر الذي تستفيد منه السعودية والدول الأخرى، ناهيك عن الخلافات الجوهرية بين الإمارات والمحور التركي القطري.

في العنوانين التاليين، ملخص لأهم التحليلات التركية حول الدور الإسرائيلي في سوريا، وكذلك التحليلات العبرية حول الدور التركي في سوريا.

الموقف التركي من الدور الإسرائيلي في سوريا

تصريح الرئيس رجب طيب أردوغان حول الدور الإسرائيلي في سوريا:

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في بيان مساء الاثنين 24-12-2024، إنه سيتعين على إسرائيل الانسحاب من الأراضي المحتلة في سوريا. وأضاف: عاجلاً أم آجلاً، ستستغل إسرائيل الظروف في سوريا وتنسحب من الأراضي المحتلة. وقال في تصريحات عقب اجتماع مجلس الوزراء في المجمع الرئاسي، إن "الهدف من العدوان الإسرائيلي المتزايد على سوريا هو التعتيم على الثورة في سوريا وخنق آمال شعبها".

أبرز النقاط من مقال "تركيا وإسرائيل وجهاً لوجه في سوريا"، للكاتب أسد الله أوغوز، indyturk. 24-12-2024:

- إن خسارة إيران وروسيا في سوريا تعود بالنفع على كل من تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل. لكن المشكلة هي أن إسرائيل وتركيا، اللتين تنتميان إلى نفس الكتلة، تواجهان وجهاً لوجه في سوريا. لدى البلدين مصالح وأهداف مختلفة في سوريا، ولن يكون من السهل التوفيق بينهما.

- ما تريده إسرائيل في سوريا هو حكومة مركزية ضعيفة مقسمة إلى حكومات محلية مختلفة ومناطق تتمتع بالحكم الذاتي. مثل هذه الحكومة لن تشكل أي تهديد لإسرائيل، ويمكن للدولة اليهودية أن تعطل سوريا في أي وقت من خلال هذه المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي.

- فضلاً عن ذلك فإن الإدارة الضعيفة والهشة في دمشق لن تتمكن أبداً من معارضة الاحتلال الإسرائيلي وتوسعها الإقليمي في مرتفعات الجولان.

- في هذه المرحلة، تتباين أهداف ومصالح الثنائي الأمريكي/الإسرائيلي وتركيا في سوريا. تريد الولايات المتحدة أن يكون لها قوة مسلحة في سوريا يمكنها استخدامها في جميع الأوقات. ويجب أن يكون هذا هو السبب وراء قيامه بتسليم ثلاثة آلاف شاحنة من الأسلحة إلى وحدات حماية الشعب تحت ذريعة داعش، ولماذا كان يحظى باحترام كبير لتلميذ أوجلان، قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني. ومن ناحية أخرى، تريد إسرائيل أن تذهب خطوة أخرى إلى الأمام وتشل هذه البلدان الثلاثة عند الضرورة من خلال زرع لغم في مثلث تركيا وإيران والعراق، إذا جاز التعبير، مع إنشاء دولة كردية من خلال حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب

الموقف الإسرائيلي من الدور التركي في سوريا

أبرز النقاط من مقال بعنوان "تركيا وقطر تحركان المرجل السوري: هذا هو مصدر القلق الرئيسي لإسرائيل"، معاريف، 30-12-2024:

- تواجه سوريا أزمة طاقة حادة تجلب معها الفرص والتحديات للمنطقة بأكملها. بالنسبة لإسرائيل، قد تؤثر التطورات في سوريا على الاستقرار الإقليمي وتوفر فرصاً لتعزيز المصالح الأمنية والسياسية.

- إن إسرائيل مطالبة بمواجهة التحديات الناجمة عن مشاركة دول مثل تركيا وقطر في إعادة إعمار سوريا. صحيح أن تركيا، اعتباراً من اليوم، هي الدولة صاحبة التأثير الأكبر على ما يحدث في سوريا، لكن يبدو أنها ستجد صعوبة في تغطية تكاليف ونطاق إعادة الإعمار وحدها. دولة أخرى من المتوقع أن تفعل ذلك. وتنضم إلى جهود إعادة الإعمار قطر، التي أشارت بالفعل إلى أنها تعتزم ضخ الكثير من الأموال إلى سوريا.

- ومع هذه المساعدة يأتي التأثير السياسي. أحد الاهتمامات الرئيسية في هذا السياق هو إنشاء محور سني قطري تركي، مما قد يزيد من تأثير أيديولوجية الإخوان المسلمين في المنطقة: "وهذا يمكن أن يسبب التطرف، ويهدد حدود إسرائيل في الجولان وربما وحتى زعزعة استقرار الأردن في المستقبل. وفي ضوء تصريحات أردوغان الأخيرة تجاه إسرائيل وفيما يتعلق بأطماع تركيا، وفي ضوء نشاط قطر المعروف في دعم المنظمات الإرهابية، فإن هذا يشكل تهديدا كبيراً قد يتحقق في المستقبل غير البعيد"، بحسب الباحث بوعز شابيرا من معهد ألما للأبحاث.

- مع ذلك، فإن مشاركة دول الخليج، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تمثل فرصة كبيرة لإسرائيل. ويقول شابيرا: "إن المساعدات الاقتصادية واسعة النطاق من هذه الدول يمكن أن توازن النفوذ التركي في المنطقة وتمنع التطرف الإسلامي للنظام الجديد في سوريا"، ويخلص إلى أن "إسرائيل يمكن أن تعمل على الساحة الدبلوماسية لتشجيع مشاركة الدول المعتدلة في عملية إعادة الإعمار".

ثلاث نقاط من مقال بعنوان "السيطرة على حقول النفط ومد خط أنابيب للغاز: الاهتمام التركي بسوريا يهدد بتسخين الحدود مع -إسرائيل"، دين شموئيل إلمز، غلوبز، 17-12-2024:

- يكشف الواقع الجديد في سوريا عن خريطة مصالح معقدة بشكل خاص. الرئيس التركي يروج بالفعل لمشروع قديم جديد لخط أنابيب الغاز الذي سيمر عبر البلاد، وخلف الكواليس هناك صراع من أجل السيطرة على حقول النفط حيث أن 90% من النشاط هو لقوات كردية بدعم أميركي. وأيضاً: المصلحة الإسرائيلية في قطع شحنات الأسلحة من إيران.

- تستعد تركيا ومنظمات المتمردين السوريين تحت رعايتها في المنطقة الحدودية بين البلدين لغزو المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة. هذا ما ورد في صحيفة وول ستريت جورنال. ومن المتوقع أن يهز هذا التطور الجديد المنطقة برمتها، بل وربما يتحول إلى صراع تركي إسرائيلي مباشر.

ويختم المقال بالقول: بحلول الوقت الذي يبدأ فيه ترامب العمل من المكتب البيضاوي، قد تغزو تركيا سوريا بقوات كبيرة - وتدمر القدرات العسكرية الكردية. ومثل هذا الإجراء سيحول سوريا بشكل رسمي ونهائي إلى محمية تركية، ويزعزع كافة أنظمة التوازن. لكن في هذه الأثناء، من الواضح أنه سيتعين على إسرائيل أن تجد طريقة لإعادة تدفئة علاقاتها مع أنقرة - في محاولة لتأمين مصالحها في السنوات المقبلة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور