الأربعاء 05 آذار , 2025 11:55

القمة العربية الطارئة: قرارات بلا أنياب؟

انعقدت القمة العربية الطارئة في العاصمة المصرية القاهرة وسط مشهد فلسطيني دام، حيث لا يزال قطاع غزة تحت نيران العدوان الإسرائيلي، بينما يراقب الشارع العربي بقلق ما ستؤول إليه المواقف الرسمية. البيان الختامي جاء بلغة صارمة حول رفض التهجير القسري، والدعوة إلى دعم إعادة الإعمار، وإدانة الحرب الإسرائيلية، لكنه في جوهره لم يحمل تغييراً جذرياً في قواعد الاشتباك السياسية أو العسكرية.

التأكيد على عدم السماح بترحيل الفلسطينيين من أرضهم بدا كتحصيل حاصل، لا كإجراء استباقي يردع إسرائيل عن تنفيذ مخططاتها. أما إعادة الإعمار، فقد أصبحت بندا ثابتا في كل قمة عربية تعقب عدوانا إسرائيليا، دون آلية تنفيذية واضحة تضمن عدم تكرار سيناريوهات سابقة حيث تُهدم غزة ثم يُعاد إعمارها، قبل أن تُقصف مجدداً.

الأزمة الحقيقية ليست في صياغة البيانات، بل في القدرة على ترجمتها إلى خطوات عملية. لا تهديد بقطع العلاقات مع إسرائيل، ولا ضغط اقتصادي يمكن أن يردعها، ولا حتى خطوات تصعيد دبلوماسي حقيقية. والاكتفاء بالمطالبة بتحرك دولي في ظل معادلات القوة الحالية يعني تعليق الآمال على وهم الوساطات والضغوط الغربية، التي لم تقدم للفلسطينيين شيئاً سوى بيانات القلق المعتادة.

كما كان متوقعاً، جاء الرد الإسرائيلي سريعاً وحاسماً: رفض مطلق لمخرجات القمة، وتصعيد في العمليات العسكرية على غزة، واستمرار في نهجها العدواني. تل أبيب لم تتوقف عند حدود الرفض، بل سخرت من البيان الختامي عبر وسائل إعلامها، واعتبرته "إعادة إنتاج لمواقف عربية عاجزة".

التحدي الأكبر يكمن في أن إسرائيل تقرأ هذه البيانات العربية جيداً، وتدرك حدود تأثيرها. رفضها للمقررات لم يكن بدافع الخوف من أي رد فعل عربي، بل لقطع الطريق أمام أي محاولات دبلوماسية لإعادة فتح ملف القضية الفلسطينية دولياً بجدية أكبر. حكومة الاحتلال تدرك أن الموقف الأميركي لا يزال داعماً لها، وأن أي تحرك عربي لن يتجاوز الدوائر التقليدية التي أثبتت في السابق عدم قدرتها على فرض وقائع جديدة.

الرهان العربي على القرارات السياسية يصطدم بواقع أن إسرائيل تتحرك وفق منطق القوة. كل المؤشرات تؤكد أن الاحتلال لا ينوي وقف عدوانه، بل يواصل تحصين مواقعه بدعم أميركي غير مشروط. الميدان في غزة لن ينتظر مبادرات دبلوماسية غير ملزمة، بل سيفرض معادلاته بنفسه.

في هذا السياق، يبدو أن المقاومة الفلسطينية تدرك هذه الحقائق، وهي ماضية في استراتيجيتها رغم الثمن الباهظ. المعركة لم تعد مجرد حرب على غزة، بل اختبار للقدرة على فرض معادلة ردع جديدة، يكون فيها ثمن العدوان الإسرائيلي أعلى من قدرة الاحتلال على تحمله.

الحديث عن موقف عربي موحد يواجه إسرائيل يتطلب تجاوز حسابات المصالح الضيقة. هناك دول تدرك خطورة ما يحدث لكنها مكبلة بحسابات سياسية داخلية أو ارتباطات دولية تمنعها من الذهاب بعيداً في مواجهة الاحتلال. وهناك أخرى ترى في التصعيد الحالي فرصة لإعادة ترتيب الأوراق بما يخدم مصالحها الإقليمية، حتى لو كان الثمن هو استمرار العدوان على غزة.

في ظل هذه المعادلة، يصبح السؤال عن قدرة القمة على إحداث تغيير فعلي غير مطروح، لأن التجربة تثبت أن التحركات العربية تبقى أسيرة السقف المرسوم لها مسبقاً. ما يجري ليس مجرد حرب إسرائيلية جديدة على غزة، بل إعادة تشكيل لواقع المنطقة، حيث تختبر إسرائيل قدرتها على فرض معادلات جديدة، فيما العرب يكتفون بالتحرك ضمن الهامش المتاح لهم دولياً.

القمة العربية قدمت موقفاً سياسياً داعماً للفلسطينيين، لكنها لم تقدم أدوات فعلية لوقف العدوان. إسرائيل تدرك أن البيانات وحدها لا تغير الواقع، ولهذا تواصل عملياتها دون اكتراث، بينما يبقى الفلسطينيون وحدهم في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.

المعركة في غزة لن تُحسم في المؤتمرات، بل على الأرض. المقاومة تثبت مرة أخرى أنها الرقم الصعب في أي معادلة، فيما يبقى الرهان على تحرك عربي حقيقي غير مرتبط بالإملاءات الخارجية، لكنه رهان مؤجل إلى إشعار آخر.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور