إلى جانب التحركات العسكرية الإسرائيلية في الداخل السوري منذ سقوط النظام، ظهرت سياسة إسرائيلية موازية لاستمالة أبناء الطائفة الدرزية هناك، معتمدةً على مزيج من الأدوات الاقتصادية، الدينية والاجتماعية. بذلك يسعى كيان الاحتلال لبلورة علاقة مع سورية الجديدة عبر بناء حليف من الطائفة الدرزية السورية، يؤدي دور خط الدفاع الأمامي في مواجهة التحديات الأمنية على حدودها الشمالية، لا سيّما في ظل حالة الفوضى التي تعم سوريا بعد انهيار نظام الأسد.
يتوزع الدروز بشكل أساسي في كل من سوريا ولبنان و"إسرائيل"، مع وجود ضئيل في بعض الدول مثل الأردن. وتشير معطيات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي للعام 2024 إلى أن عدد السكان الدروز في الكيان يبلغ قرابة 152 ألف نسمة، ويعكس هذا الرقم نمواً ديمغرافياً ملحوظاً خلال العقود الماضية.
أما في هضبة الجولان فيوجد ما يقارب 23 ألف درزي، ويرفض معظمهم الجنسية الإسرائيلية متمسكين بهويتهم الوطنية السورية. وتُقدَّر أعداد الطائفة الدرزية في سورية بحوالي 700 ألف نسمة، موزعين بشكل رئيس في محافظة السويداء وبعض القرى والمناطق المحيطة بدمشق، وفي أجزاء من محافظة إدلب شمال سورية، وتجمعات صغيرة في الجزء السوري من الجولان غير المحتل في العام 1967.
البعد الاقتصادي
تحت عنوان مشروع "حسن الجوار" تعتمد إسرائيل سياسة تقديم المساعدات الإنسانية للطائفة الدرزية في سوريا، وفي بداية شهر آذار/مارس العام 2025 قامت وزارة الخارجية الإسرائيلية وبإشراف مباشر من الجيش الإسرائيلي وبالتنسيق مع قيادة الطائفة الدرزية داخل إسرائيل، بإرسال عشرة آلاف حزمة مساعدات غذائية لدروز سوريا، بكلفة بلغت ثلاثة ملايين شيكل.
ووفق صحيفة يديعوت أحرونوت، 70% من هذه الحزم وُجهت إلى محافظة السويداء، بينما خُصصت النسبة المتبقية للقرى الدرزية الواقعة ضمن المنطقة العازلة المحاذية لهضبة الجولان.
في الآونة الأخيرة باشرت الحكومة الإسرائيلية في جملة من الخطوات العملية لإقامة قنوات ومسارات اقتصادية جديدة مع الدروز السوريين. وفي البعد الاستراتيجي، إدماج الطائفة الدرزية السورية في الاقتصاد الإسرائيلي يخدم هدفين أساسيين: أولاً، تعزيز ارتباط هذه الفئة بإسرائيل على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وثانياً، خلق بدائل لخفض الاعتماد على العمالة الفلسطينية.
البعد الديني
أما في البعد الديني فقد شهدت الحدود الإسرائيلية - السورية، في 13 آذار 2025، حدثاً تمثل بعبور وفد يضم مئة شيخ درزي من سورية إلى الأراضي الإسرائيلية، لأداء زيارة دينية إلى مقام النبي شعيب قرب طبريا. وقد جرى استقبال الوفد رسمياً من قبل الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل.
اكتسبت هذه الزيارة مع أنها ليست الأولى من نوعها خصوصية لافتة، نظراً لتوقيتها الذي تزامن مع صعود نظام جديد إلى الحكم في سورية، في ظل واقع إقليمي سائل وغير مستقر، تسعى إسرائيل فيه إلى إعادة صياغة المشهد الجيوسياسي في المنطقة.
البعد العسكري
لم تقتصر التحركات الإسرائيلية على الأبعاد الدينية والاقتصادية فقط، بل امتدت لتشمل البعد العسكري أيضاً. فقد أعلن بنيامين نتنياهو في وقت سابق أن إسرائيل مستعدة لتأمين الحماية لبلدة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية، الواقعة على مشارف العاصمة دمشق. وتناغم ذلك مع تصريحات واضحة من وزير الحرب الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، أكّد فيها أن أي استهداف للطائفة الدرزية السورية "سيُواجَه برد عسكري فوري وحاسم".
ما هي الأبعاد الاستراتيجية لتعزيز إسرائيل علاقتها مع دروز سورية؟
كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير نُشر بتاريخ 4 آذار 2025، أن إسرائيل كثّفت تحركاتها الدبلوماسية، لدفع الدول الكبرى إلى تبني رؤية تستند على إعادة هيكلة النظام السياسي السوري الناشئ ضمن إطار فيدرالي، يتم بموجبه تقسيم الدولة السورية إلى كيانات إثنية تتمتع بالحكم الذاتي، مع ضمان إعلان المناطق الجنوبية المحاذية لإسرائيل مناطق منزوعة السلاح.
وفي موقف رسمي يعكس هذا التوجه، شدد نتنياهو على ضرورة جعل الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح، مشيراً بشكل واضح: "لن نسمح للنظام الإسلامي المتطرف الجديد في سورية بإيذاء الدروز". يعكس هذا التصريح، أولاً، إلى مساعي إسرائيل لحماية حدودها وخلق منطقة عازلة، وثانياً إلى دعم إقامة منطقة حكم ذاتي درزية موالية لها على امتداد حدودها الشمالية.
وأضاف تقرير الصحيفة سابقة الذكر، بأن إسرائيل تعمل بالتوازي مع هذا المسار السياسي على تعزيز علاقاتها مع الطائفة الدرزية، سواء داخل حدودها أو في سورية، وذلك انطلاقاً من إدراكها العميق للأهمية الاستراتيجية التي تمثلها هذه الأقلية، وكذلك بالنظر إلى الروابط العائلية العابرة للحدود، وإلى المصالح الأمنية المشتركة.
في هذا السياق، يرى العميد السابق في الجيش الإسرائيلي، أمير أفيفي، ورئيس حركة "أمنيّون"، أنه إذا كانت إسرائيل تسعى إلى خلق "عمق استراتيجي" مستقر في سورية، فيجب عليها أن تبني تحالفاً راسخاً مع الطائفة الدرزية.
قضية العمق الاستراتيجي التي طرحها العميد، معضلة أرّقت القيادات الأمنية والعسكرية والسياسية السابقة للكيان، منذ الإعلان عن قيام الدولة العام 1948، نتيجة قرب خط الدفاع مع دول التوق أو "دول المواجهة" مع المستوطنات الإسرائيلية، وبذلك يمكننا أن نفهم سعي إسرائيل إلى التحالف مع الأقليات وحمايتها، وإمدادها بالمساعدات الاقتصادية، وخرقها بنسج علاقات دينية، فضلاً عن التوسع العسكري، بهدف توسيع العمق الاستراتيجي للدولة، وبذلك تضمن إسرائيل حدوداً أمنية أوسع من جهة الشرق مستغلةً ضعف النظام السياسي الجديد، وبشكل يتوافق مع الأهداف التوسعية الإسرائيلية في المنطقة.
الكاتب: حسين شكرون