في ظلّ تطورات إقليمية متسارعة، تتنامى مؤشرات التوتر بين الإدارة الأميركية التي يقودها دونالد ترامب، وحكومة بنيامين نتنياهو. خلافات لم تعد خفية، بل باتت علنية وموضع نقاش في الإعلامين العبري والدولي، خاصة على ضوء جملة من الخطوات الأميركية الأخيرة التي أثارت قلقًا إسرائيليًا متزايدًا. من بينها قطع التواصل بين الطرفين بحسب ما ذكرته اذاعة الجيش الاسرائيلي، إضافة الى الاتفاق المفاجئ مع حركة "أنصار الله" اليمنية لإيقاف العمليات العسكرية، واستئناف المحادثات مع طهران بشأن برنامجها النووي، فضلاً عن قرار ترامب زيارة السعودية دون المرور بتل أبيب، في تجاهل غير مسبوق لحليفة واشنطن الأوثق في المنطقة.
هذا التحول في المقاربة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، دفع بصحف ومحللين إسرائيليين، وعلى رأسهم ديڤيد هوروڤيتس، رئيس تحرير موقع "تايمز أوف إسرائيل"، إلى طرح تساؤلات جدية حول مستقبل العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، وموقع إسرائيل في سلم أولويات الإدارة الأميركية الجديدة، خاصة بعد سنوات من الدعم اللامحدود في الولاية الأولى لترامب.
في مقاله التحليلي، يستعرض هوروڤيتس التحوّل الكبير في نهج ترامب تجاه إسرائيل، حيث كان في ولايته الأولى من أبرز الداعمين: زار إسرائيل مبكرًا، اعترف بالقدس عاصمة لها، نقل السفارة الأميركية، اعترف بسيادة إسرائيل على الجولان، انسحب من الاتفاق النووي مع إيران، ورعى "اتفاقات أبراهام" التي عززت مكانة إسرائيل الإقليمية.
أما في ولايته الثانية، فالمشهد بدا مختلفًا بحسب ديفيد ومثيرًا للقلق من وجهة النظر الإسرائيلية:
لم يزر إسرائيل في أولى رحلاته الخارجية، واختار السعودية فقط.
عقد اتفاقًا مع الحوثيين دون إبلاغ تل أبيب، رغم استهدافهم لمطار بن غوريون.
بدأ محادثات سرّية مع حماس عبر وسطاء لا يرونها عدواً أيديولوجيًا.
انخرط في مفاوضات متخبطة مع إيران دون تنسيق مع إسرائيل.
طرح خطة غامضة لتحويل غزة إلى مشروع عقاري قد يشمل تهجير السكان، دون آلية واضحة لتمييز المدنيين عن عناصر حماس.
وفي هذا السياق، صرّح السفير الأميركي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، في مقابلة على القناة 12 العبرية، بأن رد واشنطن على هجمات الحوثيين ضد إسرائيل "يعتمد على ما إذا كانت تُلحق ضررًا بمواطنين أمريكيين"، مؤكدًا أن "الولايات المتحدة ليست مطالبة بالحصول على إذن من إسرائيل لعقد تفاهمات توقف إطلاق النار على سفننا". وهو موقف أضاف طبقة أخرى من الغموض إلى علاقات الحليفين.
وفي مقال للكاتب الإسرائيلي رونين بن يشاي في صحيفة يديعوت أحرنوت، يعتبر رونين أن ترامب يسعى إلى التغطية على فشله الداخلي الاقتصادي من خلال الترويج لإنجازات خارجية، ومنها زيارته المنتظرة إلى الخليج، حيث يسعى لجلب استثمارات ضخمة وصفقات سلاح، لكنه في المقابل قد يقدم تنازلات كبيرة في ملفات استراتيجية بما في ذلك في قطاع غزة.وبحسب بن يشاي، فإن إسرائيل قلقة من "الهدايا" التي قد يقدمها ترامب لدول الخليج، وأبرزها احتمال السماح للسعودية بتطوير برنامج نووي مدني يشمل تخصيب اليورانيوم، وصفقة محتملة تبقي حماس في غزة مقابل وقف إطلاق نار واستثمارات. وهذا ما دفع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر إلى الاجتماع مع ترامب مساء الخميس لمحاولة تقليل المفاجآت، دون نتائج واضحة حتى الآن.
ويحذر بن يشاي من تغوّل الجناح "الانعزالي" داخل البيت الأبيض، بقيادة شخصيات مثل ستيف ويتكوف وسوزي ويلز، الذين يدفعون نحو قرارات أحادية لا تأخذ الحليف الإسرائيلي بعين الاعتبار، كما حدث في قرار وقف الهجمات على الحوثيين دون تنسيق مسبق.
ثمة تباين في قراءة هذه الأزمة بين الخبراء والمحللين. فريق يرى أن الخلاف يعكس انقساماً استراتيجياً حقيقياً بين الطرفين، حيث يسعى ترامب إلى التهدئة في المنطقة استعدادًا للانتخابات، بينما يصرّ نتنياهو على سياسة المواجهة التي تعزز موقفه الداخلي. في المقابل، يرى فريق آخر أن ما يحدث قد يكون جزءاً من استراتيجية متفق عليها ضمنيًا لخلق ذريعة لضربات عسكرية ضد إيران أو حلفائها، وصولا الى دفع طهران نحو قبول شروط أميركية أكثر قسوة في مفاوضات لاحقة.
في المحصلة، تتزايد الهواجس في إسرائيل من أن تكون تحركات ترامب مدفوعة باعتبارات انتخابية وشخصية أكثر من كونها تحالفية أو استراتيجية. ومع استمرار الحرب في غزة، والضغوط الدولية على تل أبيب، يبدو الموقف الإسرائيلي متأرجحاً بين انتظار المفاجآت ومحاولة احتوائها بوسائل مختلفة.
الكاتب: غرفة التحرير