بالنظر إلى الجهود الهائلة التي بذلها الغرب وحلفاؤه للتدخل الاستخباري ودعم وتسليح مثيري الشغب في إيران، بالإضافة إلى الأسطول الإعلامي المؤلف من أكثر من 2600 وسيلة إعلامية ومنصة موجهة نحو الداخل الإيراني ومن خلفها المنصات الإعلامية العالمية، يبدو أن حركة الاحتجاجات قد وصلت إلى نهايتها خاصة بعد فشل الإضراب الأخير الذي دعا إليه معارضون إيرانيون يحاولون إدارة الاحتجاجات من خارج الجمهورية الإسلامية.
أصدرت أميريكان إنتربرايزر بدعم من معهد دراسات الحرب الأمريكية مجموعة من البيانات تمّ جمعها خلال فترة الاحتجاجات في الثلاثة أشهر الأخيرة، بهدف دراسة حركة هذه الاحتجاجات وتطورها، وإن كان بالإمكان التعويل عليها في هذه الفرصة المهمة لما يمكن أن يحصل في إيران. وبما أن الأرقام لا تكذب، يظهر أن الاحتجاجات المتبقية ليست سوى وميض نيران خامدة بعدما تمكّن الأمن الإيراني من إخماد الحريق المفتعل. إلا أنّ هؤلاء يصرّون على الاستثمار ولو في آخر محتجّ متبقٍّ في الساحة.
انخفاض في عدد المحتجين
تركّز المادة المنشورة على بيانات عدد المتظاهرين لتحديث التقييمات والتصورات حول حركة الاحتجاجات المتبقية في إيران. ثمة انخفاض واضح بين بداية فترة الاحتجاجات وحتى 16 كانون الأول/ ديسمبر الجاري. تستند البيانات الواردة إلى عدد المدن المتميزة التي حدثت فيها احتجاجات بحسب الأيام، وقد بلغت ذروتها في 16 سبتمبر/ أيلول، ومن ثمّ بأعداد أقل في 28 أكتوبر / تشرين الأول و18 نوفمبر/ تشرين الثاني وهي الأيام التي كان يحشد فيها لتظاهرات مخططة مسبقًا. إلى ذلك ثمة انخفاض ملحوظ بين 18 نوفمبر و16 ديسمبر حيث وصلت أعداد المحتجين إلى مستويات متدنية لامست الصفر بحسب الرسم البياني. والجدير ذكره، أن هذه المستويات تدنّت بعدما سحب نظام الجمهورية الإسلامية الذريعة بتجميد شرطة الأخلاق، فانتهى زخم الاحتجاج. أما ما تبقى من محتجين، فهم ليسوا ضمن حالة احتجاج اجتماعي إنما تحركات فردية يتم تشغيلها من الخارج.
نسب المتظاهرين بحسب الكثافة السكانية
بحسب البيانات التي ذكرت في التقرير، تركزت الاحتجاجات في الأشهر الثلاثة السابقة في مدن في أربع محافظات: طهران وأصفهان وكردستان وأذربيجان الغربية، تمثّل ما يقرب 40% من العدد الإجمالي للمدن التي حصل فيها الاحتجاج. تصدرت كردستان النسبة الأكبر من المحتجين وصلت إلى 13%، تلتها طهران بنسبة 10%، ومن ثم أصفهان بنسبة 8%، ومثلها غربي أذربيجان، وجبال الباز، وخراسان وكرمنشاه وسيستان وبلوشستان وخوزستان ومازندران وغيلان وشرق أذربيجان إلى أن تصل النسب إلى أدنى مستوياتها في مناطق أخرى.
يتضح من خلال هذه البيانات أن الجهود الغربية انصبت على المناطق الرئيسية، والمناطق الانفصالية، نتيجة عدم قدرتها على التحكم بكافة الشعب الإيراني، تعدّ طهران وأصفهان من بين المحافظات الإيرانية الأكثر كثافة بالسكان. وبالتالي، من الطبيعي أن تسجّل هذه المناطق العدد الأكبر. وهي عادة ما تضمّ الاختلافات الاجتماعية والثقافية بفعل التأثر بالعلاقات الخارجية وكثرة المغتربين. أما المستوى المتدني في باقي المناطق فإنه يؤشر إلى فشل الماكينة الغربية في تعميم الحالة ونشرها على التراب الإيراني لأنها مصطنعة.
الاحتجاجات بحسب أيام الأسبوع
اختلف عدد المدن المحتجة بحسب أيام الأسبوع وبحسب المنطقة. وبحسب البيانات المستطلعة في التقرير المذكور، يتصدر الأربعاء، وهو آخر أيام الأسبوع في إيران، والسبت أول أيام الأسبوع النسبة الأكبر من التجمعات الاحتجاجية، أما أيام الاثنين والجمعة فهي الأقل بشكل عام. يشير هذا التفاوت إلى أن الاحتجاجات ليست منطلقة باندفاعة عفوية شعبية، بل هي منظمة ولها ترتيبات خاصة. إلى ذلك ثمة استثناءات ليوم الجمعة بحسب المناطق، حيث تتركز التحركات في سيستان وبلوشستان أكثر من أي يوم آخر وذلك بعد صلاة وخطبة الجمعة في زاهدان.
حشد افتراضي للاحتجاجات وليس حشدًا واقعيًا
يرى التقرير الذي أعده معهد الحرب الأمريكي والذي تمّت قراءته بتحليل لا يقارب واقع البيانات التي أصدرها بنفسه، بأن "النشاط الاحتجاجي المنخفض لا يشير إلى نهاية الحركة المناهضة للنظام، بل يستكشف منسقو ومنظمات الاحتجاج طرقًا للحفاظ على أعمال التحدي السياسي المنتظمة، ويقومون بتشكيل الشبكات والبنية التحتية المطلوبة لعدة أشهر، وبالتالي قد تصبح الاحتجاجات المرصودة مؤشرًا أقل فائدة لفهم الحركة المناهضة للنظام في الأسابيع والأشهر المقبلة". يستبطن هذا التحليل اعترافًا بأن هناك ثمة خلايا نائمة الآن بعدما فشلت في تحريك الجمهور ويتمّ العمل على تطويرها بعدما أخفقت في التحشيد. ويستبطن أيضًا اعترافًا بأن نظام الجمهورية الإسلامية قد نجح في إعادة الاستقرار إلى البلاد. الواقع أن هذه الأرقام أعلاه أثبتت فشل خطط تحريك الجمهور عبر الأكاذيب ولذلك أخفق المشروع، وأنّ الحشد الافتراضي الهائل على مواقع التواصل وآلاف الهشتاغات، ليست إلا سرابًا يحسبه العدوّ خرقًا، حتى إذا أحصوه لم يجدوه شيئًا.
الكاتب: زينب عقيل