في صيف العام 2006، كان ظهوره الأول وبداية مسيرته كناطق رسمي باسم كتائب عز الدين القسام، لا يشاركه في هذه الصفة ربما، إلّا قائدها العام محمد الضيف. ومنذ ذلك الحين، بات "أيقونة" المقاومة الفلسطينية، و"المُلثّم" كما يُحبّ أن يلقبه البعض، وقائد المعركة النفسية ضد الكيان المؤقت كما يصفه بذلك الكثيرون، وبشارة المعطيات الميدانية الحقيقية والصادقة، كما يعتقد بذلك الآلاف المتواجدون ما بين أندونيسيا والأمريكيتين.
إنّه "أبو عبيدة" الناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام، الذي لا اسم ولا صورة له لدى أجهزة استخبارات الاحتلال، بل شخصيته مجرد تخمينات. وهو الذي قاد منذ سنوات وما يزال يقود، الجبهة الإعلامية لمعارك المقاومة في غزة مع كيان الاحتلال، حتى نهايتين لا ثالث لهما: "نصرٌ أو استشهاد".
فما هي أبرز وأهم المحطّات في مسيرة "جهاد" أبو عبيدة"؟ وكيف مثلت خطاباته نقلة نوعية في أداء المقاومة الفلسطينية الإعلامي؟
_كُني بأبي عبيدة تيمُّنًا بأحد أصحاب رسول الله محمد (ص) أبو عبيدة بن الجراح، الذي قاد جيش المسلمين خلال معركة فتح الشام.
_ كان أول ظهور إعلامي له عام 2006، عندما أعلن عن اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
منذ ذلك الحين، لا يظهر إلّا في مناسبات محدّدة لتظهير موقف ورسالة ما للمقاومة وقائدها العام، سواءً عبر المؤتمرات الصحفية داخل قطاع غزّة على قلّتها، أو في رسائل مرئية وصوتية تُنشر على الحسابات الرسمية للكتائب على وسائل التواصل الاجتماعي، أو تُبثَّ على قناة الأقصى الفضائية التابعة لحركة حماس وعبرها باقي القنوات الفضائية الأخرى.
وهو في جميع إطلالاته الإعلاميّة والعلنية، يظهر بوجه ورأس مغطَّيينِ بالكامل بالكوفيّة الحمراء باستثناء عينيه.
كما يختتم جميع خطاباته بالعبارة المأخوذة عن الشهيد الشيخ عز الدين القسام قبيل استشهاده في معركة أحراش يعبد عام 1935: "وإنه لجهاد نصر أو استشهاد".
_ أبرز الإطلالات:
1) في حزيران / يونيو عام 2020، ردًا على خطط الكيان لضم أجزاء من الضفة الغربية رسمياً، صرّح بأن قوى المقاومة ستدافع بأمانة عن الشعب الفلسطيني، متعهداً "بجعل العدو يعضّ أصابعه حزنًا على مثل هذا القرار الخاطئ"، واصفاً الخطط الإسرائيلية بأنها "إعلان حرب".
2) خلال معركة "سيف القدس" في أيّار / مايو من العام 2021، كان مجرّد الإعلان عن كلمة مرتقبة لأبي عبيدة في وسائل الإعلام هو إيذان بوقوع حدث ما كبير، لا سيما على صعيد تحقيق إنجاز عسكري للمقاومة، وهو ما يلاقيه أنصار المقاومة بالانتظار والتفرّغ لسماع الكلمة (العديد من الشوارع في مدن ومناطق عربية تفرغ من المتنقلين فيها بسبب الكلمة).
وقد وصف أبو عبيدة خلال المعركة ذات مرة الضربات الصاروخية للمقاومة على تل أبيب والقدس وديمونة وأشدود وعسقلان وبئر السبع بأنها "أهون علينا من مياه الشرب"، وهو ما لاقى رواجاً كبيراً لدى أنصار المقاومة في كل مكان. وبعد انتهاء المعركة كانت رسالته مؤثرة جداً في جماهير المقاومة عندما قال: "تمكنا بعون الله من إذلال العدو وكيانه الهش وجيشه الغاشم".
3) في أيلول / سبتمبر 2021، بعد أن أعاد كيان الاحتلال اعتقال الأسرى الذين استطاعوا الهروب من سجن جلبوع، صرح أبو عبيدة بأنه لن يكون هناك تبادل للأسرى في المستقبل مع سلطات الاحتلال ما لم يتم إطلاق سراح هؤلاء الأسرى.
4) في أيار / مايو من العام 2022، رداً على الدعوات الإسرائيلية لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس في غزة يحيى السنوار، صرح أبو عبيدة بأنه إذا اغتال "العدو وقيادته الفاشلة" السنوار، فإن هذا الأمر سيطلق العنان لهجوم "زلزال إقليمي واستجابة غير مسبوقة".
_ يرى الكثير من المحللين والمهتمّين بالقضية الفلسطينية وحتى المحللين الإسرائيليين أنفسهم، بأن خطاباته وبياناته ذات مصداقيّة وموثوقية عالية. حتى أن المراسلة العسكرية الإسرائيلية غيلي كوهين كشفت ذات مرّة، بأن الجمهور الإسرائيلي المستوطنين يثقُون بتصريحات الناطق باسمِ القسام أكثر من الناطقين الرسميين الإسرائيليين.
_ زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال معركة طوفان الأقصى، عبر المتحدث باسمه باللغة العربية أفيخاي أدرعي، بأن اسم أبو عبيدة الحقيقي هو حذيفة سمير عبد الله الكحلوت، كما نشر صورةً لشخصٍ ما على أنها تعود له (وهو ما اعتبرته الصحافة الإسرائيلية تهديداً مبطناً بأن أبو عبيدة سيكون على رأس قائمة الأولوية بالاغتيال خلال الحرب). مع العلم بأنه خلال العام 2014، كان قد سبق لوسائل إعلام إسرائيلية أن ادّعت ذلك أيضاً – بإيعاز من جهاز الشاباك - لكّن تم تفنيد هذه المزاعم من قبل مصادر فلسطينية عديدة مقربة من كتائب القسام التي أكّدت حينها بأن من في الصورة ليس أبو عبيدة، وبأن الصورة ليست صورته، وبأنه لن يُكشف أبداُ عن هويته الحقيقية لوسائل الإعلام، مضيفين بأن عدداً قليلاً فقط من الناس يعرفون من هو حقًا.
بعض التخمينات الإسرائيلية حول أبو عبيدة
_ بدأ أبو عبيدة الظهور في وسائل الإعلام منذ العام 2002 كأحد كبار النشطاء الميدانيين لكتائب القسام، وأنه كان حاضرا جميع المؤتمرات الصحفية، إلى أن أصبح الناطق الرسمي باسم الكتائب عام 2006.
_ ينحدر أبو عبيدة وفق الإسرائيليين من قرية "نعليا" في غزة، التي احتلتها إسرائيل عام 1948، وظلّ يعيش في جباليا شمال شرقي غزة، وتعرض منزله للقصف أكثر من مرة خلال معارك الأعوام 2008 و2012 و2014، ومرة أخرى خلال معركة "طوفان الأقصى".
_حاز عام 2013 على درجة الماجستير من كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية بغزة حول موضوع "الأرض المقدسة بين اليهودية والمسيحية والإسلام"، وفق تقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت العبريةفي 25 يوليو / تموز 2014.
الكاتب: غرفة التحرير