ارتكب الكيان الإسرائيلي جريمة دولية واضحة في انتهاك واسع لكل القوانين والمواثيق الدولية، حيث تعمّد القيام باختراق أمني خطير تمّ من خلاله تفجير أجهزة "البيجر" التي اصابت بشكل مباشر العديد من عناصر المقاومة والمدنيين الأبرياء. يعتبر جهاز البيجر من التقنيات القديمة نسبياً، والتي لا يمكنها الاتصال بالإنترنت، ولذلك يعتبر آمنا نوعاً ما من الاختراقات السيبرانية ومحاولات التجسس والتتبع الشائعة عند استخدام الهواتف المحمولة أو الذكية، ولهذا فهو لا يزال يستخدم في المجالات العسكرية والأمنية، وهذا على الأرجح السبب الذي يدفع عناصر حزب الله إلى امتلاك هذه الأجهزة. وبالرغم من الجدل القائم حول الأسباب التي أدت إلى انفجار هذه الأجهزة، إلا أنّ التفسيرات حول أسباب هذا الأمر لا تزال تتوالى وتتأكد من خلال المتابعات والتحليلات والبصمات والتي تشير كلها إلى أسلوب جديد اعتمده الإسرائيلي في هذه العملية العدوانية.
لاشكّ أن البحث عن مصدر هذه الأجهزة يتطلب بعض الوقت للتدقيق في تراخيص التوريد والوسطاء التجاريين، وهذا أمر معقد بعض الشيء خاصة وأننا نواجه مسألة حساسة تتعلق بحالة اختراق أمني حصلت في ظل حرب دائرة (نزاع مسلح دولي وفقاً للقانون الدولي) مفتوحة بين المقاومة اللبنانية والكيان الإسرائيلي المحتل، على الأقل منذ 8 تشرين الأول أكتوبر 2023.
في الواقع، إنّ هذه الجريمة المرتكبة على الشعب اللبناني تنطبق عليها أوصاف قانونية عدّة وفقًا لقواعد القانون الجنائيّ الدوليّ. ولكنّ الأهمّ يكمن بدايةً في وصفها النوعيّ بحسب ركن السياق المفروض تحديده قانونًا. فالنزاع الدائر بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة اللبنانية، هو نزاع مسلّح دوليّ. وقد نظّمت اتفاقيات جنيف الأربعة 1949والبروتوكولات الإضافية اللاحقة لها لعام 1977 أسس وقواعد السلوك في زمن الحرب، وحدّدت الأفعال المشروعة والمحظورة. وبالمقابل، طوّر القانون الجنائي الدولي من هذه المبادئ في اتفاقيّات دوليّة، وفي نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 2002، والمحاكم الجنائية الدوليّة الخاصّة.
لذلك يتطلب منا الامر النظر في هذه المسألة بشكل شامل يثبت وقوع الفعل المجرّم دولياً وهو فعل العدوان، ويثبت أيضاً مدى خطورته وتأثيراته وتداعياته ليس فقط على البيئة المستهدفة ولكن أيضاً، وبكل تأكيد على مجريات الحرب الدائرة، حيث أننا اليوم نقف أمام متغيرات جديدة في أسلوب الحرب وأدواتها تجاوز كل الخطوط الحمر وقواعد الاشتباك، وأمام أهداف جديدة للعدو يجب متابعتها وكشفها، ليتحمل بذلك تبعات انتهاكاته الجسيمة في حق المدنيين الأبرياء. تتطلب المعلومات الواردة فيما يخص هذا العدوان الامني الدقيق النظر في أصل القضية أي في الأدوات والأساليب المعتمدة في هذا الاختراق الأمني والعدواني. كما الجهات المتورطة مع الكيان إن كان بشكل مباشر أو غير مباشر في العدوان. وفي حجم الجرائم المرتكبة ومدى خطورتها، من أجل تأكيد مسؤولية الكيان الإسرائيلي كفاعل أصلي وشركائه (شركات وجهات اجنبية) المتورطين في هذه الجرائم. فيتحمل الكيان الإسرائيلي المسؤولية الجنائية الدولية على ارتكابه لهذا الفعل الاجرامي والعدواني الموصوف، الذي تخطى كل الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية والالتزامات الدولية، نظراً لأنه أصبح يشكّل تهديداً ليس فقط على أمن وسلامة دول المنطقة وشعوبها، بل أنه أصبح يشكّل تهديداً حقيقياً للأمن التكنولوجي والاقتصادي العالمي بتوريطه لشركات عبر وطنية (معروفة وذات سجل تجاري معروف في عالم الاقتصاد والاعمال) بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه الانتهاكات والجرائم الموصوفة ضد دول وشعوب المنطقة.
وعملاً بهذا المسار نتوجه الى تبيين النقاط التالية في الدراسة المرفقة أدناه:
- تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي(بيجر) اعلان حرب إسرائيلية على لبنان.
- حجم الجرائم المرتكبة في هذا العدوان الإسرائيلي المباشر.
- تحمّل شركات تصنيع وتوريد أجهزة الاتصالات اللاسلكية المسؤولية الدولية ومطالبتها.