تتجدد السردية المعادية تجاه الجمهورية الإسلامية الايرانية عند كل حدث مفصلي يطال قوى محور المقاومة، في إطار الضغط على الحاضنة الشعبية، وفي محاولة لإظهار ايران كدولة ذات مصالح، تتعامل مع قوى المقاومة كأدوات لتنفيذ مشروعها الخاص. وخلال الأيام القليلة الماضية، عادت هذه السردية، التي قادها المستوى السياسي الاسرائيلي، ورافقه الاعلام العبري، وتبنتها وسائل اعلام عربية ولبنانية، لتخرج الى العلن، مع اغتيال الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله، حيث تركزت السرديات الإعلامية على عدة ادعاءات، الأول، ان إيران جزء من عملية الاغتيال، وتسعى للتضحية بنصر الله، بهدف تعزيز مصالحها خاصة على المستوى النووي. أما الادعاء الثاني، فهو ان إيران تستغني عن حلفائها عند اشتداد وتيرة المعارك خوفا من تورطها في صراع اقليمي. وغذّت وسائل الاعلام، هذه السردية، بتحريف واجتزاء الخطابات الرسمية الإيرانية، خاصة خطاب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بما يخدم مصلحتها.
ليست المرة الأولى التي يعتمد العدو هذا النوع من الحروب الإعلامية والنفسية، فقبل حوالي عام، ومع انطلاق معركة طوفان الأقصى، وبدء المعارك في قطاع غزة، ضجت وسائل الاعلام المعادية، بالسرديات التي تحرض فيها أهالي قطاع غزة خصوصا، والشعب الفلسطيني عموما، ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في محاولة لإثارة الفتن، وللأهداف نفسها التي تسعى الى تحقيقها اليوم. لكن نجح الوعي الغزاوي، مدعوما بالجهود القيادية لحركات المقاومة الفلسطينية في لجم هذه السرديات، مؤكدة ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هي جزء من هذه المعركة. وحاول الأعداء احياء هذه الفتن مع اغتيال رئيس مكتب حركة حماس إسماعيل هنية في طهران، الا ان قيادة الحركة نجحت في دحض هذه الافتراءات.
وفي ابريل الماضي، مع اغتيال المستشارين الإيرانيين في السفارة الإيرانية في سوريا، جاء الرد الإيراني ليزيل هذه السرديات، خاصة وان وسائل الإعلان العربية، خاصة السعودية والاماراتية منها، ادعت ان إيران لن تجرؤ على استهداف الأراضي المحتلة، وكان الرد الإيراني، بعيدا عن الشق العسكري، قد نجح في استهداف الأهداف التي يحاول العدو ليل نهار تحقيقها في بيئات المقاومة.
ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هي قلب المحور النابض، ورئته التي يتنفس فيها، فهي حاضرة في كل الميادين، في قطاع غزة، والضفة الغربية، وفي جنوب لبنان وصولا الى العراق واليمن. فإيران لا يقتصر دورها على المستوى المعنوي او السياسي فقط، بل هي حاضرة عسكريا كمستشارين يضعون الخطط ويشرفون على العمليات العسكرية إضافة الى تزويد السلاح وتطويره ونقل الخبرات... فضلا عن ذلك، لم يعد يخفى على أحد ان إيران هي الداعم الأول لهذه الحركات ماديا، فهي توفر لهذه لجبهات المقاومة كافة الخدمات، بل انها تعززت أكثر في خضام هذه الحرب، في ظل حالات النزوح الذي شهدها لبنان، لذلك عززت الجمهورية الإسلامية الإيرانية دعمها في إطار تأمين ودعم بيئة المقاومة.
لقد أكد دائما سيد المقاومة الشهيد السيد حسن نصر الله مرارا وتكرار على دور إيران المحوري، وضرورة تجنيبها الحروب والمواجهة في سياق الحفاظ على هذا الشريان الأساسي الذي يغذي جبهات المقاومة، لذلك يسعى أعداء إيران الى استغلال كل حدث لتحريض البيئة الشعبية، الإيرانية منها او العربية، في إطار توريطها في الحرب الواسعة، وبالتالي إيقاف هذا الدعم ومحاصرة قوى المقاومة. واخر هذه المحاولات، دعوة رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو الشعب الإيراني بأنه "متضامن معهم، وسيخلصهم من هذا النظام وسيحررهم من خلال استهدافه والقضاء عليه". إن هذه المحاولات تنبع من مدى معرفة الأعداء بما قدمته ولا تزال إيران لحلفائها، وفشلهم الحقيقي في التأثير على العلاقة القوية التي نسجتها إيران مع حلفائها في المنطقة.
لا شك ان أعداء محور المقاومة، يسعون دائما لاستغلال اللحظات العاطفية، في سياق تحريف الحقائق، والتصويب "الاعمى"، خاصة عندما يتعلق الامر بإيران، لكن في ظل وجود قيادة حكيمة، وبيئة شعبية متماسكة تملك ما يكفي من الوعي والمعرفة، فإن كل هذه الأهداف يستحيل تحقيقها. ومن هنا يجب على مجتمعات المقاومة، التماسك والتلاحم، والالتزام بوصايا الشهيد السيد نصر الله، أبرزها الحفاظ على سلامة وقوة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.