الخميس 17 نيسان , 2025 03:52

الرئيس عون والحشد الشعبي: خرقُ لخطاب القسم

الرئيس محمد شياع السوداني والرئيس جوزاف عون

كثيرةٌ هي النقاط الإشكالية التي يُمكن تسجيلها على مقابلة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون مع مؤسسة العربي الجديد. إلّا أن النقطة الأبرز فيها، هي التي أدّت الى حصول إشكال مع الدولة العراقية، من خلال تطرّق الرئيس جوزاف عون الى ذكر مؤسسة الحشد الشعبي، عند الحديث عن "مشكلة سلاح حزب الله" كما وصفها.

فهذه النقطة تعدّ – بعيداً عن كونها ضربة معنوية للمقاومة وجمهورها -  تدخلاً في الشؤون الداخلية لدولة العراق الشقيقة، ونقضاً لما أقسم عليه رئيس الجمهورية في خطاب القسم أمام مجلس النواب بعد انتخابه في 09/01/2025، والذي جاء فيه: "عهدي أن أقيم أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة انطلاقاً من أن لبنان عربي الانتماء والهوية، وأن نبني الشراكات الاستراتيجية مع دول المشرق والخليج العربي وشمال إفريقيا وان نمنع أي تآمر على أنظمتها وسيادتها وأن نمارس سياسة الحياد الإيجابي".

ولو افترضنا بأن الصحافيين الذين أجريا المقابلة مع الرئيس عون، قد كان لهما دور في تصريح الرئيس غير المقصود منه الإساءة الى العراق، وأحد قواها الأمنية والعسكرية، فإن إحدى فقرات خطابه خلال القمة العربية الاستثنائية من أجل فلسطين، التي عُقدت في القاهرة في 04/03/2025، تتعارض مع الحياد الإيجابي أيضاً، حيث قال: " وبالمقابلِ، كلّما حَجَّمْناها وقَزَّمْناها، إلى حدودِ قضيّةِ فئةٍ أو جهةٍ أو جماعةٍ أو محورٍ... كلّما خسرناها وخسرنا معها"، و"حينَ تُحتلُّ بيروتُ، أو تُدمَّرُ دمشقُ، أو تُهدَّدُ عمّانُ، أو تَئِنُّ بغدادُ، أو تَسقُطُ صنعاءُ... يستحيلُ لأيٍّ كانَ أن يَدَّعيَ، أنّ هذا لِنُصرةِ فلسطينَ".

وعليه فإن ما يصرّح به رئيس الجمهورية اللبنانية، لا يتوافق مع الحياد الإيجابي العربي إطلاقاً، بل ينطبق عليه مصطلح الانحياز، وهذا ما لا يضرّ بعلاقات لبنان مع بعض الدول العربية الشقيقة ودول المنطقة الصديقة فقط، بل ربما يشكّل إحدى قضايا خلاف داخلي لبناني، ليس من مصلحة أي أحد حصوله سوى الكيان المؤقت، ومن خلفه الولايات المتحدة الامريكية.

حق العراق بتصحيح الرئيس عون لموقفه

لذلك كان من حق الدولة العراقية، التعبير عن عدم ارتياحها من تصريحات الرئيس عون حول الحشد الشعبي، ودعوته له إلى "تصحيح الموقف بما يعزز العلاقات الأخوية بين البلدين".

وكان لافتاً حرص الحكومة العراقية بالتعبير عن موقفها هذا، من خلال الطريقة الدبلوماسية، حيث استدعت وزارة الخارجية العراقية السفير اللبناني في بغداد علي الحبحاب، للتعبير عن "عدم ارتياحها" إزاء تصريحات أدلى بها الرئيس جوزف عون حول الحشد الشعبي.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية "واع" عن وكيل وزارة الخارجية العراقية، محمد بحر العلوم، قوله بأن "الحشد الشعبي هو جزء مهم من المنظومة الأمنية العسكرية العراقية"، وأنه "مؤسسة حكومية وقانونية وجزء من منظومة الدولة العراقية"، مشيرا إلى أن ما صدر عن الرئيس عون "من ربط في هذا السياق لم يكن موفقًا، وكان الأجدر عدم إقحام العراق في الأزمة الداخلية اللبنانية أو استخدام مؤسسة عراقية رسمية كمثال في هذا السياق"، وأن هذا الأمر تسبّب بـ "حالة من عدم الارتياح سادت العراقيين، لا سيما وأن العراق لم يتوانَ عن الوقوف إلى جانب لبنان في مختلف الظروف"، مؤمّلاً بأن "يُصحح الرئيس اللبناني هذا التصريح، بما يعزز العلاقات الأخوية بين البلدين، ويؤكد احترام خصوصية كل دولة".

من جانبه، أكد السفير علي حبحاب على "عمق العلاقات الأخوية التي تجمع بين لبنان والعراق"، ووعد بنقل "موقف وزارة الخارجية العراقية إلى الرئيس اللبناني، والعمل على تصويب ما حصل، بما يسهم في الحفاظ على العلاقات الثنائية وتطويرها"، مشيرا إلى أن "لبنان يعوّل على دور العراق في المساهمة بإعادة إعمار لبنان، إلى جانب أشقائه العرب".

المساعدات العراقية للبنان ما قبل وما بعد العدوان الإسرائيلي

وفي هذا السياق، من الواجب التذكير ببعض ما قدّمه العراق بكامل مكوناته من شعب ومرجعية ودولة الى لبنان، منذ ما قبل العدوان الأمريكي الإسرائيلي الأخير بسنوات. هذا الدعم الذي يأخذ أشكالاً مختلفة وذات أهمية حيوية، وهذا بعضها:

_ تقديم هبات مجانية وشبه مجانية منذ حصول الأزمة الاقتصادية في لبنان عام 2019، عبر قوافل من الشاحنات المحمّلة بالقمح والمساعدات الغذائية والنفط (الذي لا تزال مؤسسة كهرباء لبنان تعتمد عليه بشكل أساسي لتأمين الطاقة الكهربائية).

_ المسارعة الى فتح أبواب البلاد والمستشفيات (خاصة التابعة للمرجعية الدينية والعتبات المقدّسة)، للمساعدة في رعاية وطبابة ضحايا مجزرة البايجر، الذين شكّلوا تحدياً طبياً كبيراً للمؤسسات الصحية في لبنان.

_ تسهيل لجوء اللبنانيين النازحين خلال الحرب الأخيرة، واعتبارهم "ضيوفاً"، وتوفير كل ما يحتاجون إليه من مسكن وغذاء وحاجات ضرورية، بل تعدّى الأمر إلى توفير برامج دعم معنوي لهم (زيارات الى العتبات المقدسة وغيره)، والأهم ضمان عدم تحوّل نزوحهم الى تهجير قسري، وهو ما حاول أمريكا وإسرائيل تحقيقه أو محاولة الضغط على المقاومة من خلاله.

_إعلان الحكومة العراقية والمرجعية الدينية في العراق استعدادهم لمساعدة لبنان مادياً، في إعادة إعمار ما هدّمه العدوان الأمريكي الإسرائيلي الأخير.

_ تأييد الدولة والشعب العراقيين لحق المقاومة بالدفاع عن لبنان، وإداناتهم لجرائم كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومشاركتهم في تشييع سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله.


الكاتب:

علي نور الدين

-كاتب في موقع الخنادق.

- بكالوريوس علوم سياسية.

 




روزنامة المحور