شهدت منطقة غرب آسيا تصعيدًا حادًا في التوترات بين الكيان الصهيوني وإيران خلال يونيو/ حزيران 2025، ما أثار قلقًا دوليًا واسعًا. في مقدمة المواقف، دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إلى خفض التصعيد، مشددًا على ضرورة "الانخراط العاجل في مفاوضات دبلوماسية تحقن الدماء وتفتح طريقًا للحل"، وحثّ الأطراف على احترام القانون الدولي وحماية المدنيين، هذا الموقف تلاقى مع الاتحاد الأوروبي، حيث أكدت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين أن "الحل التفاوضي هو الأفضل على المدى البعيد"، مع التأكيد على رفض إيران امتلاك السلاح النووي.
في المقابل، اتخذت الإدارة الأمريكية تحت قيادة دونالد ترامب لهجة أكثر تشددًا، حيث هدد بأن "إيران تلقت ضربة قاسية وقد تواجه مزيدًا إذا لم تبرم اتفاقًا نوويًا"، فيما دعم مستشار الأمن القومي ماركو روبيو استخدام العمل العسكري كوسيلة لدفع طهران نحو التفاوض، من جهة أخرى، عبرت الصين وروسيا عن رفضهما للتصعيد العسكري، حيث أدانت بكين "انتهاك إسرائيل لسيادة إيران"، وشددت على الحلول السلمية عبر الوسائل الدبلوماسية، وأكد الممثّل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، فو كونغ، معارضة الصين اللجوء إلى القوة والعقوبات الأحادية غير القانونية، مضيفاً بأن بكين ستحافظ على اتصالات وثيقة مع جميع الأطراف، وستتعامل بشكل مشترك مع المسألة الملحّة الحالية.
بينما عرضت موسكو وساطتها لتسوية الأزمة النووية، مشددة على خطورة توسع الصراع، حيث أفاد الكرملين، بأنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أبلغ نظيره دونالد ترامب، خلال مكالمة هاتفية، بأنّ روسيا "مستعدّة للعمل كوسيط بين إسرائيل وإيران" في المستقبل، نظراً إلى "أهمية منع الصراع من التصاعد".
أما على الصعيد الإقليمي، تباينت المواقف بين الداعي إلى التهدئة والمناصر لإيران. باكستان أعلنت تضامنها الكامل مع إيران، حيث أكد وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف "أن بلاده لا تقيم أي علاقات مع إسرائيل"، داعيًا العالم الإسلامي إلى إعادة النظر في علاقاته مع هذه الدولة التي وصفها بأنها تشكل تهديدًا للمنطقة. وأعرب آصف عن تضامن بلاده الكامل مع إيران، مؤكدا أن باكستان جاهزة للدفاع عنها في المحافل الدولية، مشددًا على أن العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني قد توسع ليشمل اليمن، والآن إيران. وأوضح أن من حق إيران امتلاك برنامج نووي يخضع للرقابة الدولية، مضيفاً أن استهداف مواقعها النووية من قبل إسرائيل غير مشروع.
في حين دعت قطر وفرنسا إلى حل دبلوماسي يعالج المخاوف النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات فيما حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من "تداعيات كارثية" للتصعيد، وطالبا بوقف فوري للهجمات وإحياء المفاوضات بوساطة عُمانية من جهتها، شددت الإمارات على ضرورة "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس" وحل الخلافات عبر الحوار.
وجاء موقف الاتحاد الإفريقي معبّراً بوضوح عن نموّ توجّه عدد كبير من دوله نحو تبنّي "عدم الانحياز" وراء المواقف الأميركية - الغربية. وبادر رئيس مفوضية "الاتحاد الأفريقي"، محمود علي يوسف، في اليوم الأول من العدوان على الجمهورية الإسلامية، إلى التعبير عن قلقه العميق إزاء "التقارير عن ضربة جوية إسرائيلية على إيران، وتصعيد العداءات في الشرق الأوسط"، داعياً إلى الوقف الفوري للعداءات، وممارسة جميع الأطراف أقصى درجات ضبط النفس، فيما اعتبر أنّ "التطوّرات الحالية تفرض تهديداً خطيراً على السِّلم والأمن الدوليَّين (بما يشمل أفريقيا)".
وعبّرت وزارة العلاقات الدولية والتعاون الجنوب أفريقية عن عميق قلقها من هجمات إسرائيل على أهداف داخل إيران، بما فيها مناطق عسكرية ومرافق نووية وبنية تحتية مدنية.
ومن جهتها، دانت نيجيريا ضربات إسرائيل "الاستباقية" على إيران، ولفت بيان لخارجيّتها إلى أنّ "دائرة الانتقام المستمرّة لن تعرّض فحسب حياة المدنيين للخطر، لكنها تهدّد بجرّ الشرق الأوسط كلّه إلى مزيد من عدم الاستقرار، إضافة إلى عواقب وخيمة على السِّلم والاستقرار الاقتصادي الدوليَّين، الأمر الذي ستكون له عواقب على الأمن الدولي والتنمية الاقتصادية".
في المقابل، صرّح قادة مجموعة السبع بأنهم يأملون أن "يؤدي حل الأزمة الإيرانية إلى تهدئة أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط، بما فيها غزة". إلا أنهم أظهروا انحيازاً واضحاً تجاه "إسرائيل" بتأكيدهم أن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"، وأعلنوا "دعمهم لأمنها"، كما جاء في بيان مشترك صادر عنهم.
تكشف مواقف الدول سواء الإقليمية أو الدولية عن إدراك جماعي دولي لخطر الانزلاق نحو صراع شامل لا يمكن احتواؤه، فرغم تنوع اللهجات وتباين درجات الإدانة إلا أن القاسم المشترك بين معظم البيانات كان التأكيد على أن التصعيد العسكري بين الكيان الإسرائيلي والجمهورية الإسلامية، يُهدد استقرار المنطقة والسلم العالمي، ويقوّض ما تبقى من فرص الحلول السلمية، مع إظهار انحياز واضح إما لإيران أو للكيان الإسرائيلي.
الكاتب: غرفة التحرير