يسعى النظام السوري الجديد إلى توحيد قواته المسلحة في ظل واقع عسكري مجزأ تهيمن عليه فصائل مسلحة متنوعة من مختلف الخلفيات الأيديولوجية والطائفية والعرقية. يسلط المقال الذي نشرته صحيفة "ذا ناشيونال انترست" وترجمه موقع الخنادق الإلكتروني، الضوء على خطة النظام السوري لدمج آلاف المقاتلين الأجانب، لا سيما الإيغور، في الجيش الوطني الجديد، ما يثير جدلاً واسعاً على المستويين المحلي والدولي بسبب المخاطر الأمنية والسياسية المرتبطة بذلك. كما يناقش المقال انقسامات الفصائل المسلحة، وغياب عقيدة وطنية موحدة للجيش، وتأثير الصراعات الإقليمية، حيث تلعب دول مثل تركيا والسعودية والكيان أدواراً متشابكة في المشهد السوري. كما يشير إلى الجدل القائم حول العلاقات بين هيئة تحرير الشام وتنظيمات أخرى، مع تسليط الضوء على المخاطر التي قد تنجم عن دمج الفصائل المتطرفة ضمن المؤسسة العسكرية الوطنية. في النهاية، يبرز المقال الحاجة إلى سياسة واضحة ومتكاملة لمعالجة قضية المقاتلين الأجانب، لضمان استقرار سوريا ومنع تفاقم التحديات الأمنية التي تهدد البلاد والمنطقة بأسرها.
النص المترجم:
توحيد القوات المسلحة السورية ونزع الطابع المتطرف عنها سيكون التحدي الأكبر للنظام
قامت الولايات المتحدة الآن برفع جميع العقوبات عن سوريا، باستثناء تلك المفروضة على بعض الأفراد والكيانات المرتبطة بالنظام السابق لبشار الأسد. كما ألغت الولايات المتحدة تصنيف "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية أجنبية. يأتي ذلك بعد أن وافقت واشنطن على خطة القيادة السورية لدمج آلاف الجهاديين الأجانب في الجيش السوري الجديد، متخلّية عن مطلبها القديم الذي ينصّ على ترحيل أو احتجاز هؤلاء المقاتلين الأجانب.
ومع ذلك، فإن قضية المقاتلين الأجانب —باستثناء الآلاف من منتسبي تنظيم داعش المحتجزين حالياً في سوريا— أثارت جدلاً واسعاً محلياً ودولياً، وسط تكهنات بعدة احتمالات، من عودة الجهاد العالمي إلى الواجهة، إلى تهديد وحدة سوريا الوطنية بسبب ضعف تمثيل مكوّناتها المتنوعة، إلى تقويض العملية الهشّة لإعادة بناء مؤسسات الدولة السورية.
ما الذي يفسر هذا التحول اللافت في السياسة الأمريكية؟ عند سؤاله عن القرار، أشار المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم باراك، إلى أن "الشفافية" في عملية الدمج كانت شرطاً أساسياً لهذا القرار، مشيراً إلى فهم واشنطن للواقع السوري الجديد. وفي 26 حزيران/يونيو، صرّح باراك أن السياسة الأمريكية في سوريا تركز على محاربة داعش ومواجهة "الميليشيات" المدعومة من إيران.
وفقاً للخطة السورية، سيتم دمج حوالي 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من مسلمي الإيغور من الصين والدول المجاورة، في وحدة جديدة تُدعى "الفرقة 84 في الجيش السوري". وتشهد سوريا حالياً فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، تقودها الحكومة المؤقتة التابعة لهيئة تحرير الشام، بعد انهيار نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024.
ومن اللافت أنه في ديسمبر 2024، أعلنت الحكومة بقيادة هيئة تحرير الشام بموجب مرسوم رسمي ترقية 49 ضابطاً عسكرياً، كان من بينهم ستة مقاتلين أجانب، إلى مناصب عسكرية رفيعة. وقد برر الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع (الذي كان يُعرف سابقاً باسم "أبو محمد الجولاني" نسبةً إلى عضويته السابقة في تنظيم القاعدة)، هذه الترقيات بأنها "تكريم لتضحياتهم في ميادين القتال".
بعد ذلك بحوالي شهرين، عادت قضية المقاتلين الأجانب إلى الواجهة عندما اندلع عنف دموي في عدد من المحافظات الساحلية السورية، ما أدى إلى مقتل أكثر من ألف مدني، بينهم عدد كبير من الطائفة العلوية. وأشارت تقارير عديدة إلى تورط المقاتلين الأجانب في المجازر. وخلص تحقيق أجرته وكالة "رويترز" في يونيو إلى أن قوات الحكومة، إلى جانب مقاتلين أجانب، شاركوا في عمليات القتل.
تشير بعض التقديرات إلى أن المقاتلين الأجانب يشكلون نحو 30% من صفوف هيئة تحرير الشام. وتُقدّر بعض المصادر عدد المقاتلين الإيغور وحدهم بحوالي 7000 مقاتل، وهو رقم يفوق بكثير التقديرات الرسمية السورية. وقد اعتمدت هيئة تحرير الشام تاريخياً على هؤلاء المقاتلين في تنفيذ العمليات العسكرية الرئيسية.
وفي هذا السياق، يؤكد تقرير صادر عن مركز "سوفان" أن الخبرات المتنوعة التي يتمتع بها هؤلاء المقاتلون الأجانب كانت حاسمة في تعزيز القدرات العسكرية لهيئة تحرير الشام وحلفائها. ويشير التقرير إلى أن هذه الخبرات لعبت دوراً مهماً في التسريع بإسقاط نظام الأسد.
وبحسب المركز، فإن هؤلاء المقاتلين مدمجون ضمن صفوف الهيئة من خلال ألوية متعددة، وينسقون عملياتهم عبر "غرفة عمليات الفتح المبين"، وهي هيكل قيادة مشترك يُستخدم لتنفيذ العمليات ضد قوات النظام. ويُبرز التقرير عدداً من الجماعات، من بينها "ملحمة تاكتيكال"، و"يورتوغ تاكتيكال"، و"مهاجر تاكتيكال"، و"ألبانيان تاكتيكال". وتُظهر هذه الجماعات قدرات متقدمة في مجالات اللوجستيات، والتنسيق الميداني، والدعاية، والتأثير العقائدي. وتهدف هذه الكيانات إلى نشر المعرفة العسكرية من منظور جهادي.
تشير أبحاث حديثة إلى أن مجموعتي "ملحمة تاكتيكال" و"ألبانيان تاكتيكال" تقومان حالياً بتدريب الجيش السوري الجديد، مما يبرز استمرار استقلاليتهما ونفوذهما الكبير على الجيش. وقد أنشأت عدة مجموعات من الجهاديين الأجانب شركات عسكرية خاصة بها، ليس فقط لتدريب المقاتلين بل أيضاً للمشاركة الفعلية في العمليات القتالية. وقد أشار وسام نصر إلى أن هيئة تحرير الشام لطالما اعتمدت على المقاتلين الأجانب في العمليات الحساسة والمناطق الاستراتيجية لتحقيق نتائج حاسمة.
وقبل أن توافق إدارة ترامب على دمجهم، جرى تداول عدة سيناريوهات لمعالجة ملف المقاتلين الأجانب في سوريا، منها: دمجهم في المجتمع السوري مع الالتزام الكامل بالقوانين السورية، إعادتهم إلى أوطانهم وإعادة تأهيلهم، منحهم حق اللجوء بشرط الامتناع عن أي نشاط سياسي أو عسكري، أو نقلهم إلى ساحات قتال أخرى.
لكن عند مقارنة السياسات المختلفة، خصوصاً فيما يتعلق بالتحديات الناتجة عن عودة المقاتلين الأجانب، تبيّن أن هناك مجموعة متنوعة من الاستجابات التي تم تطويرها، وتشمل ما يلي: السماح بالعودة، منع العودة، الترحيل، ترحيل الأطفال فقط، المراقبة، التجريم، المحاكمة، سحب الجنسية، المحاكمة وإعادة التأهيل، والسماح بالعودة دون الترحيل الرسمي.
تشعر الصين بقلق خاص من حصول المقاتلين الإيغور على الشرعية والتدريب ضمن بنية عسكرية رسمية، فيما تبقى "إسرائيل" متوجسة من الفصائل الجهادية على حدودها، خصوصاً بعد هجوم 7 أكتوبر. ويذهب بعض المحللين إلى القول إن الولايات المتحدة ترى في وجود الإيغور ورقة استراتيجية في سياق تنافسها مع الصين.
وقد انطلقت عملية إعادة تنظيم القوات المسلحة السورية رسمياً في يناير 2025 عبر حوار وطني تقوده هيئة تحرير الشام، عُرف باسم "مؤتمر النصر". ومنذ ذلك الحين، وبالإضافة إلى الإعلانات المتعددة عن حل مؤسسات النظام السابق والأحزاب المعارضة القديمة، تم اتخاذ ترتيبات هيكلية مهمة، من بينها إعادة هيكلة وزارة الدفاع ووزارة الداخلية في سوريا، المكلّفتين بإدارة العمليات الأمنية ودمج الفصائل المسلحة، إلى جانب تشكيل وحدات عسكرية في مختلف المحافظات، وتعيينات وترقيات في الرتب العسكرية، وفقاً لعدة بيانات رسمية.
ومؤخراً، أعلنت وزارة الدفاع عن عدة تفاصيل محورية في خطتها الاستراتيجية، من أبرزها: إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية، تجنيد الشباب ذوي المهارات التكنولوجية، وزيادة التعاون العسكري الدولي.
ومع ذلك، فإن هذه الجهود لا تزال قاصرة عن بلورة عقيدة عسكرية واضحة. إذ يبدو أن منهج بناء الجيش في الوقت الراهن يتسم بالآلية والافتقار إلى الأسس الأيديولوجية والوطنية الضرورية لتوحيد الفصائل المتعددة في قوة وطنية منسجمة.
تُعد برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، إلى جانب إصلاح قطاع الأمن، عناصر حاسمة في عملية إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية السورية. وقد أشار تقرير سياساتي حديث صادر عن مركز حرمون للدراسات المعاصرة إلى ضرورة تطبيق هذين البرنامجين في سوريا، مسلطاً الضوء على التحديات الناجمة عن تعدد الفصائل المسلحة والانقسامات الأيديولوجية والطائفية والإثنية، إضافة إلى معضلة المقاتلين الأجانب.
وفي سياق مناقشته لآليات التنفيذ، يسرد التقرير عن الفصائل المسلحة والهياكل السلطوية المختلفة في سوريا، إلا أنه يشدد على أن الفصائل الأجنبية غير مؤهلة للمشاركة في هذه البرامج.
كما يبرز التقرير أهمية وضع أطر قانونية واضحة للتعامل مع المقاتلين الأجانب، تكون بمثابة مرجعية لعملية التحقق من خلفياتهم وتنظيم وضعهم القانوني. وينتقد التقرير سياسة تعيين المقاتلين الأجانب في مناصب حساسة استجابةً لضغوط خارجية، محذراً من أن هذه الخطوة تقوّض الثقة الداخلية والدعم الخارجي على حد سواء.
وعلى الرغم من أن هيئة تحرير الشام قد تم حلّها كتنظيم رسمي، فإن كوادرها لا تزال تشكّل عنصراً مركزياً في عملية إعادة هيكلة الجيش. وكانت الهيئة في جوهرها، ائتلافاً من الميليشيات الإسلامية الجهادية. ورغم أن أحمد الشرع قد انتقد في عدة مقابلات وفي فيلم وثائقي نُشر عنه نهج القاعدة وداعش الجهادي، إلا أن القلق لا يزال قائماً حيال الجذور الأيديولوجية للهيئة، لا سيما في ظل تنامي نفوذ الجماعات الأجنبية المسلحة داخلها.
وتجدر الإشارة إلى أن هيئة تحرير الشام كانت تُعرف سابقاً باسم جبهة النصرة، وهي فرع تابع لتنظيم القاعدة. وقد تأسست الهيئة في عام 2017 نتيجة اندماج عدد من الميليشيات الإسلامية بعد أن أعلن الشرع فك ارتباطه بالقاعدة في عام 2016. وعلى الرغم من أنها قد شهدت تغييرات تنظيمية وأيديولوجية منذ ذلك الحين، حيث تبنّت مواقف أكثر انفتاحاً لاحتواء جماعات دينية وسياسية محلية وابتعدت في خطابها العلني عن أيديولوجيا الجهاد العالمي، فإن تركيبتها الأولى وعملياتها السابقة تعكس استمرار وجود تيارات جهادية، خاصةً تلك التي تشكلت من مقاتلين أجانب.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح كيف ستتعامل الحكومة السورية الجديدة مع ما تسميه مشروع إعادة الهيكلة الوطنية للجيش، وما إذا كانت الشفافية في دمج المقاتلين الأجانب وربما المستقبليين أيضاً ستكون خياراً سياسياً قابلاً للتطبيق.
المصدر: The National Interest
الكاتب: Rany Ballout