الجمعة 04 تموز , 2025 03:29

الطرح الأميركي للبنان: قبول "وثيقة الاستسلام" أو نار الحرب؟

الموفد الأميركي توم براك والقصر الحكومي وسلاح حزب الله

السؤالان الأساسيان المطروحان اليوم على الساحة اللبنانية: ما هو الرد اللبناني وحزب الله على "وثيقة الاستسلام" التي ستسلّم إلى الموفد الأميركي توم براك؟ وهل ستلجأ "إسرائيل" إلى تصعيد عسكري ليرافق الضغط السياسي الأميركي؟

ترقب الرد اللبناني على "وثيقة الاستسلام" الأميركية

في الوقت الذي يترقب فيه الجميع رد حزب الله على ورقة براك، أشارت المعطيات إلى أن الرد قد يصدر اليوم الجمعة أو غداً السبت عبر الرئيس نبيه بري. وتابعت المعلومات، أن لجنة ممثلي الرؤساء الثلاثة سلمت الحزب عبر الرئيس بري صيغة أولية للرد، وأن بري استقبل موفداً من الحزب الثلاثاء الماضي، هو المعاون السياسي للأمين العام حسين الخليل، الذي أبلغه جملة ملاحظات. بدوره، نقل المستشار علي حمدان هذه الملاحظات إلى اللجنة الرئاسية التي ناقشتها الثلاثاء، على أن يصدر بعدها الجواب الرسمي. وبناء على ذلك، عادت اللجنة الممثلة للرؤساء عون وبري وسلام للاجتماع مجدداً أمس لدرس الملاحظات الأولية للحزب. وكانت قضية الرد اللبناني على الورقة الأميركية مدار بحث بين الرئيسين عون وبري خلال عشاء عائلي مساء الأربعاء.

أتى براك إلى بيروت حاملاً "وثيقة استسلام"، وتهديدات مباشرة للانصياع للشروط الأميركية، وعادت احتمالات التصعيد العسكري الإسرائيلي إلى الواجهة كوسيلة ضغط إضافية على لبنان، حيث يُخشى من لجوء الاحتلال إلى تصعيد عسكري ليرافق الضغط السياسي، وسط تهديدات وتسريبات بأن إسرائيل مستعدّة لعمل عسكري كبير في لبنان لتدمير منشآت تابعة لحزب الله.

وكشف براك أنه قدّم الشهر الماضي إلى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو اقتراحاً يحدد للحكومة اللبنانية، وفق أهداف وجداول زمنية، كيفية نزع سلاح حزب الله وإصلاح الاقتصاد، على أن يتلقى الرد الرسمي الأسبوع المقبل. وأكد الموفد الأميركي أن تنفيذ هذه الخطة يتطلب مزيجاً من سياسة "العصا والجزرة".

الولايات المتحدة تلوح بالمساعدات مقابل نزع السلاح.. والمقاومة تضع خطوطاً حمراء

قبيل عودته إلى بيروت، انتقد براك اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب بين إسرائيل وحزب الله في تشرين الثاني الماضي، واعتبره "فشلاً ذريعاً"، لكون إسرائيل ما زالت تقصف لبنان، بينما ينتهك حزب الله بنود الاتفاق، وفق تعبيره.

وأوضح في حديث إلى صحيفة "نيويورك تايمز" أن الخطة تتضمن قيام الجيش اللبناني بعمليات تفتيش منزلية بحثاً عن أسلحة. وأشار براك إلى أن الولايات المتحدة تعمل على تأمين دعم مالي من السعودية وقطر يركّز على إعادة إعمار المناطق المتضررة في الجنوب، قائلاً: "إذا حصل المجتمع الشيعي في لبنان على شيء من هذا الدعم، فسيكون متعاوناً".

لكن الأجواء حتى اللحظة، توحي بأن حزب الله لن يدخل في بازار تسليم السلاح، ولابد من "مقدمات طبيعية لأي نقاش حول السلاح، بانسحاب العدو والتزامه الكامل باتفاق وقف إطلاق النار" بحسب كتلة الوفاء للمقاومة.

وأكّد أمين عام حزب الله، الشيخ نعيم قاسم، يوم أول من أمس، قائلاً: "لا نقبل أن نُسلّم سلاحنا للعدو الإسرائيلي، ولا نقبل بأن يهدّدنا أحد بأن نتنازل، لأننا لن نتنازل عن حقّنا الذي كفلته الشرائع السماوية وقوانين العالم بأسرها."

فرضت هذه الموقف نفسها على الدولة اللبنانية التي طالبت بدورها بضمانات أميركية صريحة وملزمة تلزم "إسرائيل" بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار كاملاً من جهتها.

إذاً، اندفعت الولايات المتحدة إلى ممارسة الضغوط على لبنان من خارج اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، بهدف عزل المقاومة، ودفعها للتراجع عن مبادئها والتخلي عن وجودها عبر تركها السلاح الرادع والمؤثر في الحرب، وما يستبطنه ذلك من برنامج شامل للقضاء على الحالة المقاومة في لبنان واجتثاث منابعها وقدراتها المادية.

بالمقابل فإن المقاومة التي استعادت جهوزيتها وعدّلت من انتشارها وخططها وإجراءاتها، باتت مستعدة لمواجهة هذا التهديد وتكبيد العدو خسائر غير مسبوقة في حال قرر خوض المواجهة.

أما عن اللجوء إلى طرح المقايضة بين انسحاب الاحتلال وسلاح المقاومة فيعد من ضمن السياسات الأميركية التقليدية في التعاون مع الكيان الإسرائيلي، التي لا تلغي التهديد الدائم بعمل عسكري إسرائيلي في المستقبل، ولا يشكّل ضمانة حقيقية تحمي لبنان، ومطالبات لبنان بتقديم تنازلات في ظل استمرار العدوان خلال 8 أشهر بشكل يومي، هو سياسة أميركية غير متوازنة تلغي سيادة لبنان وحقوقه، مقابل وعود اقتصادية لا ضمانات فيها.

 بالإضافة إلى أن تخلي حزب الله عن أسلحته الثقيلة والاستراتيجية والمسيرات، التي يطمح إليها الموفد الأميركي، هي مقدمة لتخلي لبنان على المزيد من أوراق قوته، وتجريده من حقه في الدفاع عن أرضه، وسط إقليم مشتعل وتهديدات تحيط بالدولة من كل اتجاه، ووضعه تحت الوصاية الأميركية والإسرائيلية، للوصول إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي. فالأميركي بدأ المطالبة بنزع السلاح جنوب نهر الليطاني والآن يطالب بنزح السلاح بالكامل وغداً سيفتح ملف التطبيع مع "إسرائيل" وكل تراجع سيؤدي إلى مطالب جديدة.

يعد التدخل الأميركي المباشر اليوم عنواناً لفشل الدبلوماسية اللبنانية المتمثّل بفشل الضغط على "الوسيط الأميركي" بإلزام "إسرائيل" بإيقاف التعديات التي تمارسها بشكل يومي على الأراضي اللبنانية، لما يحمله من تعدي صارخ على السيادة اللبنانية وخرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار.

ختاماً، دخل لبنان اليوم في لحظات مفصلية، نتيجة التصعيد السياسي الأميركي الجديد، وسط ضخّ إعلامي داخلي يطالب المقاومة بتسليم سلاحها، بتواطئ صريح مع المبعوث الأميركي، ويقف خطر حرب جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي في مقدمة المشهد، والذي سيؤدي في حال حقق أهدافه إلى تدمير لبنان وتفكيكه كدولة، لكن المؤكّد أن المقاومة لا يمكن أن تتراجع عن الدفاع عن شعب لبنان وأرضه، ولا أن تسلّم رقبتها لطرف خارجي أو متآمر داخلي.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور