الأربعاء 13 آب , 2025 10:39

لاريجاني يهز العصا..لبنان ليس وحيداً ولن يُسمح بالعبث به

علي لاريجاني والرئيس نبيه بري في بيروت

منذ سنوات، تحاول السعودية أن تلعب دور "شرطي المنطقة" لصالح واشنطن وتل أبيب، لكنها لم تجيد سوى إشعال الحروب وتدمير الدول. من اليمن إلى سوريا، ومن البحرين إلى لبنان، تتحرك الرياض بأوامر أميركية لتمزيق محور المقاومة وتصفية حركات التحرر، مستخدمة المال السياسي، والحصار الاقتصادي، والتحريض الطائفي.

اليوم، تعيد المملكة نفس السيناريو في لبنان، متوهمة أنها قادرة على اقتلاع حزب الله من جذوره كما حاولت في اليمن ضد أنصار الله عام 2015 وفشلت، بل تحول اليمن الى قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة، وأصبح معضلة بالنسبة للأمريكيين والإسرائيليين. النتيجة لن تختلف هذه المرة: هزيمة استراتيجية مدوية، وانكسار لمشروعها أمام صلابة محور المقاومة. الأمير محمد بن سلمان قد يشتري السلاح الأميركي ويفتح خزائن النفط لدفع ثمن المؤامرات، لكنه لن يستطيع شراء النصر في مواجهة محور يعرف كيف يرد، وكيف ينقل المعركة إلى ساحات المواجهة مع السعودية من بوابتي اليمن والعراق، وغيرهما إن لزم الأمر.

 لاريجاني في بيروت: لا مساس بالمقاومة ولا بسلاحها

زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الدكتور علي لاريجاني، إلى بيروت لم تكن بروتوكولية، بل خطوة استراتيجية محورية تحمل رسائل حادة إلى الأميركيين والسعوديين مفادها: الساحة اللبنانية ليست ملعباً مفتوحاً، ولن يُسمح بالعبث بها.

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وخلال استقباله لاريجاني قال في موقف لافت:"إن الهجوم  على زيارة لاريجاني الى بيروت بناء على أمر عمليات من الخارج يحرّكه لوبي ينشط في الداخل" ، وأضاف "إيران دولة صديقة، وستبقى"، وأن "من يعترض على تصريحات إيرانية انطلاقاً من أنها تمس بالسيادة اللبنانية فندعو إلى التدقيق جيداً في تصريحات المسؤولين الأميركيين وغيرهم". وأكد بري على انه"المطلوب التمهل والتفرغ لجبه إسرائيل ومخططاتها التي تستهدف كل لبنان".

إذن تأتي هذه الزيارة في وقت تحاول فيه واشنطن، عبر أدواتها في الحكومة اللبنانية وبدعم مباشر من الرياض، تنفيذ مخطط قديم–جديد لنزع سلاح المقاومة، وصولاً إلى القضاء عليها نهائياً. المشروع السعودي بقيادة محمد بن سلمان لا يكتفي بذلك، بل يهدف إلى إنهاء حزب الله كلياً، (الجناح العسكري والسياسي والتربوي والصحي والاجتماعي والاقتصادي ...) وقد نوقش هذا المشروع حتى في القاهرة بين المندوب السعودي ومسؤولين عرب، وعندما حُذّر الجانب السعودي من أن ذلك سيؤدي إلى تفكيك الجيش اللبناني والحرب الأهلية، كان الرد صادماً: "فليكن"، ما يكشف حجم الاستخفاف السعودي بمصير لبنان.

الموعد الحاسم هو 31 آب، عندما يضع الجيش اللبناني خطة لنزع سلاح المقاومة. لكن المؤشرات والمعلومات المسرّبة تؤكد أن هذه الخطوة من الحكومة بنزع السلاح لن تبقى حبراً على ورق، والقرار اتُخذ للتنفيذ لا للضغط والتهديد فحسب، إذ قد تبدأ المداهمات لمخازن الأسلحة من فرع المعلومات، بالتعاون مع قائد الجيش رودولف هيكل، الذي أعلن التزامه بقرار الحكومة، رغم يقينه بأن المهمة الموكلة للجيش مستحيلة، وقد تؤدي الى تفكيك الجيش والإطاحة بالسلم الأهلي والاستقرار، ورغم تصريحه وحسناً قال بأنه "لا تنفيذ لأي خطة بالقوة كما انه لا يمكن الاصطدام بمكون لبناني أساسي"، لكنه قد يفعل كما فعل رئيس الجمهورية جوزاف عون و تحت ضغط أميركي–سعودي كثيف حين قال: "أنه غير قادر على تحمل هذه الضغوط الكبيرة" ضارباً عرض الحائط عقيدته الوطنية ووعوده للبنانيين بحفظ السلم الأهلي، و ناكساً لعهده والتزامه مع الثنائي الوطني الذي أوصله الى سدة الرئاسة.

حزب الله حريص على السلم الأهلي وهو من الخطوط الحمر في عقيدته السياسية، لهذا لن يبدء مواجهة عسكرية مع أحد في لبنان لا سيما مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية، لكنه سيرد بحزم وقوة على أي اعتداء، لن يستعجل الأمور ولن يسبق الأحداث، وفق المعلومات، وأن أي تطور دراماتيكي لا قدّر الله في هذا الإطار سيكون المسؤول عنه مباشرة الحكومة اللبنانية ورئيسها الذي اتخذ قرار تفجير لبنان. 
هذه المعركة ليست مجرد ضغوط سياسية للتفاوض، بل حرب وجودية تهدف إلى إدخال لبنان في الاتفاقيات الإبراهيمية. وزيارة لاريجاني جاءت لتهز العصا للسعوديين والأمريكيين: إيران لن تسمح بتحويل لبنان إلى ساحة مستباحة، وستستخدم أوراق القوة الإقليمية للضغط على الرياض، وواشنطن.
اتفاق أمني سيادي بين بغداد وطهران يزعج واشنطن

قبل بيروت، حط لاريجاني في بغداد، حاملاً رسالة دعم واضحة للمقاومة العراقية في وقت تحاول فيه واشنطن إعادة إخضاع العراق بالكامل. الزيارة تزامنت مع توقيع مذكرة تفاهم أمنية بين العراق وإيران، هدفها حفظ الأمن وضبط الحدود.

الخطوة العراقية لم ترق لواشنطن، التي خرجت بخطاب استعلائي بمنطق الوصي: "ندعم السيادة العراقية الحقيقية، لا التشريعات التي تجعل العراق تابعاً لإيران". هذا الموقف يكشف طبيعة الهيمنة الأميركية، التي تريد عراقاً منزوع الإرادة، مندمجاً في منظومة الأمن الأميركي، ومقطوع الصلة بمحور المقاومة.

الرد العراقي جاء حاسماً عبر سفارته في واشنطن: العراق دولة ذات سيادة كاملة، وله الحق في إبرام الاتفاقيات وفق دستوره وقوانينه، وهو ليس تابعاً لسياسة أي دولة، بل يقيم علاقات تعاون مع العديد من الدول، ومنها إيران.

زيارة لاريجاني إلى بغداد كانت صفعة دبلوماسية واستراتيجية لواشنطن، ورسالة تحدٍ بأن زمن التحكم الأحادي في العراق قد انتهى، وأن محور المقاومة يمتلك القدرة على حماية مصالحه ومكاسب شعوب المنطقة.

إيران.. الصواريخ جاهزة وأوراق الضغط مفتوحة

إيران ليست مراقباً من بعيد، بل طرف أساسي في المعركة الممتدة من لبنان إلى العراق واليمن. موقفها حاسم: لا مساس بسلاح المقاومة، الذي يشكل خط الدفاع الأول عن المكونات المستهدفة في المنطقة، وخاصة المكون الشيعي المقاوم، الهدف الأول لأمريكا والسعودية والكيان الصهيوني.

زيارة لاريجاني إلى بغداد وبيروت تأتي تحت إشراف مباشر، بل إيعاز من قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي، الذي يتابع ملفات دعم المقاومة شخصياً، ويعرف تماماً كيفية مواجهة الضغوط الأميركية بصلابة استراتيجية.

لكن الضغوط تتصاعد: بيان الترويكا الأوروبية منح إيران مهلة حتى نهاية آب للعودة إلى المفاوضات النووية، وتوقيع اتفاق جديد يشمل الكشف عن مصير 408 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، ومناقشة برنامج الصواريخ الباليستية، ودور إيران الإقليمي.

المطلوب غربياً هو تجريد إيران من أوراق قوتها الإقليمية، عبر الضغط على حلفائها ونزع سلاحهم. لكن طهران تملك معادلة ردع قوية: أي محاولة للمساس بسلاح المقاومة في لبنان أو العراق أو اليمن ستقابل برد مباشر من ساحات متعددة، ما يجعل السعودية تحديداً في مرمى الضغط من أكثر من جبهة.

صحيفة فورين بوليسي تحدثت عن احتمال اندلاع جولة مواجهات جديدة بين إيران والكيان الإسرائيلي مع نهاية آب وبداية أيلول، ما يعني أن أول أيلول قد يكون بداية مرحلة ساخنة على مستوى المنطقة بأكملها، تتداخل فيها الساحات من لبنان إلى غزة، ومن صنعاء إلى بغداد وطهران.

معركة كسر العظم لن تمر

إيران تدرك أن المعركة اليوم ليست فقط مع واشنطن وتل أبيب، بل مع شبكة من الحلفاء العرب للولايات المتحدة، وعلى رأسهم السعودية، التي تسعى لإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة عبر الحروب بالوكالة. لكن الفارق أن محور المقاومة يمتلك أوراق قوة قادرة على قلب المعادلة، وتحويل أي مشروع استهداف إلى كلفة استراتيجية على المعتدي.

رسالة زيارة لاريجاني واضحة: محور المقاومة لن يسمح بإعادة صياغة المنطقة على مقاس الأميركيين والسعوديين، ومحاولة نزع السلاح أو ضرب الحلفاء ستفتح أبواب المواجهة على أكثر من ساحة، في توقيت قد يكون الأكثر إيلاماً للخصوم.


الكاتب:

د. محمد شمص

-إعلامي وباحث سياسي.

- استاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية.

-دكتوراه في الفلسفة وعلم الكلام.

- مدير ورئيس تحرير موقع الخنادق الالكتروني. 

mshamass110@yahoo.com




روزنامة المحور