الثلاثاء 15 تموز , 2025 12:28

صنعاء على رادار التهديد الإسرائيلي: سيناريوهات محتملة على الطاولة

في ميزان الأمن الاسرائيلي، تحوّل اليمن من ساحة هامشية إلى جبهة تحظى بمتابعة استخباراتية دقيقة من كيان الاحتلال، بوصفه مصدر تهديد عابر للمجال الجغرافي، يمتلك قدرات تصعيدية مرنة ويُحسن توظيفها سياسياً وعسكرياً. ومنذ تصاعد الهجمات بعد 7 أكتوبر 2023، باتت إسرائيل تعتبر هذه الجبهة واحدة من أكثر الجبهات حساسية وتعقيداً، سواء على المستوى التكتيكي أو الاستراتيجي.

تعامل كيان الاحتلال مع صنعاء محكوم بعاملين متداخلين: التوقيت، الذي غالباً ما يُرتبط بالهروب من أزمات داخلية أو محاولة ترميم صورة الردع المتآكلة. والكيفية، التي تأخذ في الاعتبار فشل المقاربات السابقة، خاصة أن الجبهة اليمنية بعيدة جغرافياً وتتمتع بخصوصية ميدانية واستخباراتية مختلفة عن بقية الساحات في لبنان وإيران مثلاً.

ومع انسحاب الولايات المتحدة من خطوط الاشتباك المباشر، أصبحت إسرائيل تواجه منفردة مفاعيل التصعيد اليمني، في لحظة داخلية حرجة تتراجع فيها تماسك الحكومة، وتتزايد الضغوط الشعبية والدولية على المستويين السياسية والعسكرية.

السيناريو الأول: عمليات محدودة تحت سقف السيطرة، وهو الاحتمال الأقرب خلال هذه الفترة هو أن تُبقي تل أبيب ردّها ضمن هامش "الضربات المحسوبة"، سواء عبر الطائرات أو عمليات أمنية سرّية، تستهدف مواقع محددة داخل اليمن. الهدف في هذا السياق لا يتجاوز محاولة إعادة ضبط معادلة الردع، وإرسال إشارات بأن اليد الإسرائيلية ما زالت قادرة على الوصول، رغم كل القيود السياسية والعملياتية.

هذا النوع من الردود يخدم أمرين متلازمين: امتصاص الضغوط الداخلية وتجنّب الانزلاق نحو تصعيد واسع قد تستفيد منه صنعاء سياسياً وميدانياً.

السيناريو الثاني: تعزيز الجبهة الداخلية دون توسيع المواجهة. في ظل غياب المظلّة الأميركية، يُتوقع أن تركّز إسرائيل على تحصين جبهتها الداخلية، خاصة في القطاعات الجنوبية والمرافق الحيوية. يشمل ذلك تعزيز منظومات الدفاع الجوي، وتكثيف المراقبة البحرية، وزيادة التنسيق الاستخباراتي مع بعض الدول القريبة جغرافياً من اليمن.

هذا السيناريو يعكس مقاربة دفاعية لا تسعى إلى الحسم، بل إلى إدارة التهديد من خلال محاولة تقليل فاعلية الضربات اليمنية، والتعامل معها كأمر واقع يجب التكيّف معه، لا اجتثاثه، على الاقل خلال الفترة الحالية.

السيناريو الثالث: استخدام أدوات داخلية عبر ميلشيات مسلحة مدعومة من دول خارجية.  مع إدراك إسرائيل لصعوبة الانخراط المباشر في مواجهة برية في اليمن، قد تلجأ إلى تفعيل أدوات داخلية مناوئة لصنعاء، عبر دعم مجموعات محلية ترتبط بولاءات خارجية، خاصة الاماراتية منها كالمجلس الانتقالي الجنوبي.

يتأسس هذا السيناريو على الجمع بين تحريك قوى ميدانية، بالتزامن مع تكثيف الغارات الجوية أو العمليات الاستخباراتية، بهدف تفكيك البيئة الداخلية لصنعاء. غير أن فعالية هذا الخيار تبقى محدودة، نظراً لتراجع نفوذ تلك الأدوات على الأرض، وتعقيدات الجغرافيا اليمنية، وفاعلية الردع التي طورتها صنعاء على مدى السنوات الماضية.

السيناريو الرابع: التهدئة المشروطة بعد وقف النار في غزة. في ظل توقعات ترمي إلى قرب التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في قطاع غزة. في هذا الإطار، تراهن تل أبيب على أن انتفاء السبب المباشر للتصعيد قد يؤدي إلى تهدئة غير معلنة في الجبهة اليمنية.

لكن هذا لا يعني نهاية المواجهة، إذ يُتوقع أن تواصل إسرائيل مراقبتها الاستخباراتية الدقيقة، مع استعداد للرد إذا ما قررت صنعاء إعادة تفعيل الضربات، خاصة في حال حصول تحولات ميدانية جديدة في فلسطين أو المنطقة.

السيناريو الخامس: التصعيد الشامل. في حال فشلت كافة محاولات الاحتواء، أو شهدت إسرائيل هجمات نوعية غير مسبوقة، فقد تلجأ إلى خيار التصعيد العسكري الشامل. يشمل ذلك شن حملة جوية واسعة ضد مواقع في اليمن، وربما دعم عمليات برية غير مباشرة من خلال أطراف داخلية.

لكن هذا السيناريو يصطدم بجملة من العقبات: بُعد المسافة، وغياب الغطاء الأميركي، ومحدودية القدرة على المناورة في بيئة يمنية معقدة، فضلاً عن الهشاشة السياسية في الداخل الإسرائيلي.

في المدى المنظور، تبدو إسرائيل أقرب إلى احتواء التهديد اليمني منها إلى مواجهته. التصعيد ضد صنعاء لم يعد خياراً تقرره تل أبيب وحدها، بل بات مرتبطاً بحسابات إقليمية ومحلية متشابكة، وتوازنات دقيقة يصعب تجاوزها.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور