أصبحت الظروف الإقليمية لتركيا صعبة للغاية هذه الأيام، فهي تواجه أزمة اقتصادية من جهة، حيث تراجعت قيمة ليرتها بنسبة تزيد على 140% مما كانت عليه في 2015، ومن جهة أخرى تتعرض لضغوط في السياسة الخارجية خصوصاً بعد انتخاب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، وحالات التوتر مع جيرانها: توتر مع طهران بشأن العراق، والتنافس مع الولايات المتحدة وروسيا في سوريا، وتراجع كبير في بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط وما يعرف بـ "الوطن الأزرق"، وأخيراً مشكلتها مع اليونان وقبرص ومن خلفهما الاتحاد الأوروبي وبخاصة فرنسا.
لكن على الرغم من هذه المشاكل، هناك مؤشرات على نهج تركي جديد في المنطقة، من الانفتاح الجديد على مصر وإعادة العلاقات معها، إلى التنسيق مع السعودية في الحرب على اليمن، والأخطر بعودة الحرارة إلى العلاقات الأمنية والسياسية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي.
مما يثبت أن تركيا لا تتحرك في سياساتها الخارجية من منطلق أيديولوجي ثابت، بل تحركها المصالح الشخصية لرجب طيب أردوغان، وحزبه العدالة والتنمية.
نستعرض في هذا المقال ملامح السياسة الخارجية التركية في العراق، سوريا، اليمن، لبنان، إيران، وكيان الاحتلال الإسرائيلي.
_يطمح أردوغان لإعادة تشكيل الإمبراطورية العثمانية القديمة عبر محاولة ضم محافظات الموصل وكركوك والسليمانية.
_تدعم تركيا تركمان العراق، وتقوم بتكوين بيئة شعبية تابعة لها عبر التدريب العسكري لبعض الجماعات، والمساعدات الإنسانية.
_تعد تركيا من المنافسين الاقتصاديين الرئيسيين لإيران في الأسواق العراقية، حيث يتنافسان من ناحية قيمة الاستثمارات والصادرات، كما في مشاريع الطاقة الكهربائية.
_ أنشأت عدة قواعد عسكرية في إقليم كردستان العراق، تحت ذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى أنها تملك علاقات إيجابية جداً مع الجهات السياسية الحاكمة في الإقليم.
_ تحتل القوات العسكرية التركية عدة أجزاء من شمالي سوريا، وخصوصاً في منطقة إدلب والمناطق الواقعة على حدودها، فقد نفذت ثلاث عمليات عسكرية: درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام.
_كان الطموح التركي منذ اندلاع الحرب على سوريا، إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، لكي تتاح الفرصة للمقربين من السياسة والتوجهات التركية من الوصول إلى الحكم، الأمر الذي دفع بالأتراك لدعم المجموعات الإرهابية المسلحة المختلفة، وفتح الحدود أمام الإمدادات العسكرية للمجموعات من مقاتلين وأسلحة وذخائر.
_بعد استعادة الجيش السوري وحلفائه، السيطرة على الكثير من المناطق، تبدل السلوك التركي، عبر حصر الدعم بالفئات الموالية له، والتمسك بمنطقة نفوذ في إدلب لتكون ورقة تفاوضية، خلال أي مسعى دولي لإنهاء الحرب على سوريا وإعادة الإعمار.
_ تسعى أنقرة من خلال دعمها لحزب الإصلاح اليمني، من العودة إلى الساحة اليمنية كلاعب إقليمي مقرر، بعدما طردت منه سابقاً خلال حقبة السلطنة العثمانية.
_ قامت بتزويد السعودية بالطائرات بدون طيار من نوع "كارايل"، كما أبدت استعدادها لتزويد الجيش السعودي بطائرات "بيرقدار" للتعويض عن وقف الدعم الأمريكي.
_ تشجع المقاتلين التابعين لها في إدلب، للمشاركة العسكرية في الحرب على اليمن وخصوصاً في منطقة مأرب.
لبنان:
_ تعتبر الساحة اللبنانية وخصوصاً منطقة طرابلس والشمال، خلال هذه الأزمات المتنوعة، من أهم الساحات التي تستطيع أنقرة فيها لعب أدوار سياسية، خصوصاً مقابل الدور الفرنسي والسعودي والاماراتي.
_ تكثف من دعمها للشخصيات السياسية والجمعيات الأهلية المختلفة، كما تشجع بعض الجامعات اللبنانية الخاصة على فتح مراكز تعليم اللغة التركية.
_ تشجع العائلات ذوي الأصول التركية، لاستعادة الجنسية التركية.
_ تشجع رؤوس الأموال اللبنانية على الاستثمار في تركيا، في كافة المجالات وخصوصاً العقاري.
- تدعم تركيا بعض الشخصيات السلفية في شمال لبنان، بالتزامن مع استمرار دعمها للجماعة الإسلامية.
كيان الاحتلال الإسرائيلي:
_بينما أدان أردوغان بشدة تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والإمارات والبحرين والسودان، إلا أنه لم يوجه أي إدانة للمغرب، الذي يتولى رئاسة الحكومة فيه حزب الإخوان المسلمين هناك.
_ تُعد تركيا من أهم الشركاء الاقتصاديين لكيان الاحتلال، بقيمة سنوية تتجاوز ال 5.5 مليار دولار.
_ يساعد الكيان قطاع الصناعات العسكرية التركي، من خلال تزويده بالبرمجيات والتطبيقات التكنولوجية المتطورة، خصوصاً في صناعة الطائرات بدون طيار "بيرقدار".
أما مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية:
_تعارض تركيا المصالح الاستراتيجية لإيران ومحور المقاومة خصوصاً في العراق وسوريا واليمن.
_ تحاول تركيا لعب الدور الذي كانت تلعبه أمريكا في المنطقة، مما قد ينبئ بنشوب صراعات سياسية بينها وبين شعوب ودول المنطقة.
_ تعمل تركيا على افشال المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية لإيران ودول المنطقة، عبر زعزعة الاستقرار في سوريا والعراق لوقف مشروع امدادات الطاقة نحو البحر الأبيض المتوسط.
الكاتب: غرفة التحرير