ضربت عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر عمق المشروع الأميركي الإسرائيلي في المنطقة والذي كان يرتكز اولاً على تطبيع العلاقات مع بقية الدول العربية وعلى رأسها السعودية. اذ أن الأخيرة التي كانت تستعد لعقد الصفقة أصبحت اليوم في موقف أكثر تعقيداً، وسط استطلاعات للرأي كشفت عن تأييد 96% من السعوديين لقطع العلاقات مع كيان الاحتلال. هذه المعضلة التي تتجاوز الرياض وتل أبيب وتصل إلى البيت الأبيض الذي يخوض معركة رئاسية قريباً، هي من أولى تداعيات الطوفان، والتي ترتفع حدتها كلما طال أمد الحرب.
تكشف نتائج الاستطلاع الذي أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو منظمة بحثية مؤيدة لإسرائيل، عن عقبات أمام جهود إدارة بايدن لتطبيع العلاقات بين الطرفين. حيث أظهر استطلاع جديد للرأي أن 96% من السعوديين يعتقدون أن الدول العربية يجب أن تقطع جميع علاقاتها مع كيان الاحتلال رداً على الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني
ووفقا للاستطلاع، الذي أجري في الفترة من 14 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 6 كانون الأول/ديسمبر، أعرب 40% من السعوديين عن مواقف إيجابية تجاه حماس، مقارنة ب 10% في استطلاع للرأي قبل عدة أشهر من بدء الحرب. وقال 16٪ فقط من السعوديين الذين شملهم الاستطلاع إن على حماس التوقف عن الدعوة إلى تدمير إسرائيل لقبول إنشاء دولتين فلسطينية وإسرائيلية "حل الدولتين" للصراع الذي تدعمه الحكومة السعودية علناً.
وعما أكده بعض المسؤولين السعوديين أنه "عندما بدا أن الجهود التي توسطت فيها الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق تطبيع سعودي إسرائيلي تكتسب زخماً كان المواطنون الأصغر سناً يميلون إلى الاهتمام بالقضية الفلسطينية أقل من الأجيال السابقة، وبالتالي قد يكونون أكثر تقبلاً لفكرة العلاقات مع إسرائيل، تشير صحيفة ذا نيويورك تايمز البريطانية، أنه "من غير الواضح إلى أي مدى كان ذلك صحيحاً، نظراً لعدم وجود استطلاعات رأي منتظمة وموثوقة في المملكة. وبالنظر أيضاً إلى مناخ الخوف الذي خلقه تعميق مستويات القمع السياسي في عهد الأمير محمد. منذ بدء الحرب في غزة، انتشر الدعم الصريح للقضية الفلسطينية والكراهية تجاه إسرائيل بين السعوديين من جميع الأعمار".
ووجد استطلاع معهد واشنطن أن 95٪ من السعوديين لا يعتقدون أن حماس قتلت مدنيين في هجماتها، التي خلفت حوالي 1,200 قتيلاً، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين. فمن الشائع أن يعتقد العرب أن التقارير عن مقتل المدنيين هي دعاية إسرائيلية، وفق الصحيفة.
كما أشار الاستطلاع، إلى أن 87٪ من السعوديين إن الحرب أظهرت "أن إسرائيل ضعيفة جداً ومنقسمة داخلياً بحيث يمكن هزيمتها يوماً ما".
ووافق 5% فقط على أنه يجب على السعوديين "إظهار المزيد من الاحترام ليهود العالم، وتحسين علاقاتنا معهم".
خلال المقابلة التي أجراها مع قناة فوكس نيوز في أيلول/ سبتمبر الماضي، أبدى ولي العهد السعودي محمد تفاؤله في قرب التوصل لاتفاق قائلاً أن المحادثات بين المسؤولين السعوديين والأمريكيين "تقترب كل يوم" من صفقة تعترف فيها السعودية "بدولة" إسرائيل لأول مرة.
كان المسؤولون السعوديون يضغطون من أجل تنازلات كبيرة من الولايات المتحدة – بما في ذلك الوصول إلى التكنولوجيا النووية الأميركية كتلك التي تمتلكها إيران (وقد صرح بعض المسؤولين السعوديين عن ذلك صراحة) إضافة لضمانات أمنية، مقابل تطبيع العلاقات مع الكيان.
تركت عملية طوفان الأقصى أثراً بالغاً على مختلف ملفات المنطقة. بل باتت تعد كنقطة تحول في الصراع العربي الإسرائيلي. في حين ان الرئيس الأميركي جو بايدن الذي كان يبذل جهوداً مضاعفة للتوصل إلى اتفاق التطبيع لاستغلالها انتخابياً، بات اليوم أمام تحدياً أخرى، لا يقل حدة عن ذلك الذي يواجهه ولي العهد السعودي، بإعادة الصفقة إلى مسارها الذي كان قبل العملية. بالمقابل، فإن هناك أجوبة ينبغي الإجابة عنها لدى البلاط، حول قدرة واشنطن على تقديم الدعم والحماية لحلفائها، على ضوء الانتكاسات المتتالية التي منيت بها في اليمن وأوكرانيا وفلسطين.
الكاتب: غرفة التحرير