خلال معركة طوفان الأقصى، لا سيما ما بعد العملية النوعية والاستراتيجية للمقاومة الفلسطينية، تكشّف للكيان المؤقت وداعموه، بأنه عاجز عن الحفاظ على وجوده لولا الدعم المفتوح من قبل المعسكر الغربي بقيادة أمريكا والمملكة المتحدة. وفعلاً أعادت العملية وما تبعها من فتح لجبهات الإسناد في محور المقاومة، كيان الاحتلال الإسرائيلي 70 عاماً الى الوراء، وربما تعيده الأشهر المقبلة إلى ما قبل الوجود أيضاً.
فمنذ الساعات الأولى لما بعد عملية طوفان الأقصى، سارعت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ومن خلفهما كل الدول التابعة لهما، الى نجدة إسرائيل عسكريًا ودبلوماسيًا، ولولا هذه النجدة، لكان واقع الصراع مختلف كلياً، لصالح المحور المقاومة، مع العلم بأن هذه النجدة لن تبدّل من مصير الكيان المحتوم وهو الزوال، ولو بعد حين.
الدعم العسكري والاستراتيجي الأمريكي
تحركت الولايات المتحدة الأمريكية بسرعة، منذ الساعات الأولى ما بعد العملية، على إثر الانهيارات العسكرية الإسرائيلية السريعة، لتأكيد التزامها بأمن إسرائيل ووفرت إمدادات عسكرية كبيرة، بما في ذلك الذخائر الموجهة بدقة وقذائف المدفعية والطائرات بدون طيار. وكان الهدف من هذا الدعم تعزيز القدرة العسكرية لإسرائيل، لمنع تحقيق واقع جيبوليتيكي جديد في منطقة غربي آسيا ليس لصالحها إطلاقاً. مع العلم بأن العملية – وفق تصريحات قادة المحور – كانت قد فاجأتهم أيضاً، ولم تكن في سياق عملية واسعة النطاق.
وكان أحد الجوانب البارزة للمساعدات الأميركية هو التسليم السريع لـ 57 ألف قذيفة مدفعية عيار 155 ملم من المخزونات الأميركية في أوروبا، إلى جانب الذخائر المتقدمة مثل صواريخ هيلفاير لطائرات الهليكوبتر الإسرائيلية من طراز أباتشي. بالإضافة إلى ذلك، نقلت الولايات المتحدة بطاريتين للدفاع الصاروخي من نوع القبة الحديدية وآلاف الصواريخ الاعتراضية من طراز تامير لتعزيز دفاع الكيان ضد الهجمات الصاروخية القادمة من غزة.
كما سهلت الإدارة الأمريكية استئجار طائرات بدون طيار من طراز سويتش بليد 600 وصواريخ إم 141 المحمولة على الكتف، وسلمت طائرات النقل الأميركية الكيان المركبات المدرعة والسيارات الجيب والمعدات الهندسية، وكلها تهدف إلى مساعدة إسرائيل في هجومها البري ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
وبعيداً عن المعدات، لعب الأمريكيون دوراً محورياً في تبادل المعلومات الاستخباراتية. وكان المسؤولون الأميركيون منخرطين بعمق في مساعدة إسرائيل على تحسين استراتيجياتها العسكرية، وضمان أن تكون عملياتها أكثر استهدافاً. وقد امتد هذا التعاون إلى جهود إسرائيل لمواجهة أي تدخل من قبل جبهات الإسناد في المحور مثل حزب الله وإيران واليمن والعراق. وعلى سبيل المثال، أرسلت إدارة جو بايدن تحذيرات إلى هذه الجبهات، ونشرت أصولاً عسكرية في المنطقة، بما في ذلك ناقلات طائرات وبوارج حربية وغواصة نووية، لردع المحور عن الإسناد، لكن واشنطن فشلت فشلاً ذريعاً بذلك.
وهذه بعض تفاصيل النجدة الأمريكية لإسرائيل:
1)نشر القوات البحرية: مثل حاملة الطائرات المتطورة جيرالد فورد، إلى جانب مجموعتها الضاربة في شرق البحر الأبيض المتوسط، تلتها حاملة الطائرات دوايت أيزنهاور.
2)نشر أنظمة الاعتراض الصاروخي، بما في ذلك أنظمة باتريوت وثاد، لتأمين قبب حماية إضافية للكيان، وكانت مشاركة هذه المنظومات واضحة وجليّة خلال عملية الوعد الصادق 1 وفي التصدي للهجمات اليمنية، وبدرجة أقل فعالية خلال عملية الوعد الصادق 2. وبلغت تكلفة العملية المشتركة الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية والفرنسية لاعتراض الطائرات بدون طيار والصواريخ التي أطلقتها الجمهورية الإسلامية ضد إسرائيل في عملية الوعد الصادق 1 بنحو 1.1 مليار دولار، فيما قدّرت تكاليف المواجهة مع القوات المسلحة اليمنية بما لا يقل عن 4.86 مليار دولار.
ووصفت الحملة الأمريكية ضد اليمن، بأنها أشد معركة بحرية تواجهها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية. ووصف باحثون ذلك بأن "الولايات المتحدة نشرت حاملات طائرات متعددة ومدمرات وطرادات وصواريخ باهظة الثمن بملايين الدولارات ضد طائرات الحوثيين بدون طيار الإيرانية الرخيصة التي تكلف 2000 دولار".
3)الدعم الجوي: زادت القوات الأمريكية من وجودها الجوي في المنطقة، فأرسلت طائرات مقاتلة إضافية من طراز إف-35 ونشرت أسراباً من طراز إف-16، وأيه-10، وإف-15 إي في القواعد العسكرية في مختلف أنحاء المنطقة. كما أرسلت أكثر من 100 طائرة هجومية، بما في ذلك طائرات إف/إيه-18 على متن حاملات الطائرات. وقد وفرت هذه الطائرات لإسرائيل دعماً جوياً بالغ الأهمية.
4)الأسلحة والذخيرة: بدأت الولايات المتحدة في توريد المعدات العسكرية الحيوية في غضون أيام من اندلاع المعركة. وشمل ذلك صواريخ اعتراضية لمنظومة القبة الحديدية، فضلاً عن الذخيرة وغيرها من الإمدادات العسكرية. وقدرت بعد عام واحد، كمية الأسلحة التي قُدّمت لإسرائيل بأكثر من 500 طائرة و160 سفينة شحن عسكري.
كما سمحت الولايات المتحدة لإسرائيل باستخدام المخزونات الاستراتيجية للأولى من الذخائر المخزنة في فلسطين المحتلة، بما في ذلك القنابل وغيرها من المعدات العسكرية الأساسية.
وقد شملت الذخائر والمعدات العسكرية:
أ)أكثر من 20 ألف قنبلة من طراز Mk82 وMk84.
ب)آلاف القنابل الصغيرة من طراز GBU-39.
ج)حوالي 14 ألف قذيفة للدبابات.
د)ذخائر الهجوم المباشر المشترك من طراز "جيه دي إيه إم إس JDAMS" وهي مجموعة تحوّل الأسلحة غير الموجهة إلى قنابل موجهة بالأقمار الاصطناعية.
ه)1800 قنبلة خارقة للتحصينات.
و)ما لا يقل عن 3500 جهاز رؤية ليلية.
واستخدمت إدارة بايدن سلطات الطوارئ لتسريع تسليم هذه الاسلحة للكيان، دون موافقة الكونغرس.
5)قوات العمليات الخاصة والاستخبارات: أرسل البنتاغون فرق عمليات خاصة لمساعدة إسرائيل، وخاصة في مجالات جمع المعلومات الاستخبارية. وقد عملت هذه الفرق جنبًا إلى جنب مع القوات الإسرائيلية للتخطيط للعمليات.
كما شاركت وكالات الاستخبارات الأمريكية معلومات استخباراتية في الوقت الفعلي مع إسرائيل، باستخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار المتقدمة (لرصد مواقع إطلاق الصواريخ، وشبكات الأنفاق، وما يُصف بالأهداف ذات القيمة العالية). ولم تكن مهام الاستخبارات محصورة في الجبهة الفلسطينية، بل شملت جميع جبهات محور المقاومة في المنطقة الأوسع. فقد استخدم مجتمع الاستخبارات IC أنظمة الرادار التي يملكها، لتتبع مسار الصواريخ والتهديدات المحتملة من حزب الله.
ومن جهة أخرى، نشرت واشنطن المزيد من أفرادها العسكريين في قواعد رئيسية في مختلف أنحاء المنطقة، لضمان التدخل السريع خلال التطورات، فبينما كان عديد القوات الأمريكية قبل عملية 7 أكتوبر يصل الى 34 ألف، ارتفع هذه العديد الى 43 ألفاً في الوقت الحالي.
6)الدعم المالي: في تشرين الأول / أكتوبر 2023، طلبت الإدارة الأمريكية تخصيص مبلغ 14.3 مليار دولار من الكونغرس لدعم الجهود العسكرية الإسرائيلية. وقد تم تخصيص هذه الأموال للذخائر وأنظمة الدفاع الجوي (القبة الحديدية ومقلاع داوود) والأسلحة المتقدمة.
كما سن الكونغرس أكثر من تشريع لمنح 12.6 مليار دولار من الاعتمادات العادية والتكميلية المباشرة من مخصصات وزارة الخارجية والدفاع للكيان للسنة المالية 2024 والسنة المالية 2025. كل ذلك، بالإضافة لـ3.8 مليارات مساعدات سنوية عسكرية اتفق عليها في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وتستمر حتى العام 2028.
فماذا عن الدعم البريطاني العسكري والاستخباري؟
سارعت المملكة المتحدة أيضاً، الى تقديم كافة أشكال الدعم العسكري والاستخباري للكيان، وبخاصةً في مجال توفير المعدات العسكرية، والأمن السيبراني والاستخبارات.
وهذه أبرز أشكال التعاون:
1)التعاون الاستخباراتي: فقد شاركت وكالات الاستخبارات البريطانية، بما في ذلك MI6، معلومات استخباراتية مهمّة مع نظيراتها الإسرائيلية. وساعد هذا التعاون إسرائيل في تعقب أفراد وقادة المقاومة في فلسطين وغيرها من الدول، ومراقبة مجموعات المقاومة في غزة، والتنبؤ بإطلاق الصواريخ. كما ساعدت وكالة الاستخبارات البريطانية، GCHQ، في اعتراض الاتصالات وتوفير رؤى حول استراتيجيات وتحركات قوى محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق وسوريا.
2)قدمت المملكة المتحدة الدعم اللوجستي والفني، على الرغم من أن الكثير من هذه المساعدة لا تزال سرية. وعمل المستشارون العسكريون وضباط الاستخبارات البريطانيون عن كثب مع نظرائهم الإسرائيليين للتخطيط لاستراتيجيات الحرب ضد فصائل المقاومة الفلسطينية.
3)أنظمة الدفاع والإمدادات: ساعدت الدولة البريطانية في تسريع تسليم الإمدادات العسكرية، بما في ذلك معدات المراقبة وأنظمة الاتصالات التي تستخدمها القوات الإسرائيلية أثناء عملياتها البرية.
4)المشاركة في حماية القوافل البحرية الإسرائيلية: شاركت القوات العسكرية البريطانية في التحالف الأمريكي لحماية طرق الشحن الإسرائيلية في البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي من هجمات جبهة المساندة اليمنية، وقد فشلوا فشلاً ذريعاً في ذلك، ولحقتهم خسائر كبيرة، ما دفعهم لمشاركة أمريكا في تنفيذ هجمات انتقامية ضد الأهداف المدنية اليمنية.
5)التعاون العسكري والاستخباراتي انطلاقاً من القواعد العسكرية البريطانية في جزيرة قبرص: فالوجود العسكري البريطاني في قبرص يلعب دوراً استراتيجياً في دعم إسرائيل، من خلال توفير المزايا اللوجستية والاستخباراتية والعملياتية. بحيث تقع قبرص على بعد حوالي 400 كم من فلسطين المحتلة، وهي موطن لقاعدتين عسكريتين بريطانيتين مهمتين: قاعدة أكروتيري الجوية وديكيليا.
وبحسب الكثير من التقارير الإعلامية، فإن هذه القواعد تتضمن منظومات ووسائل مراقبة واستطلاع متقدمة، وهي ضرورية لجمع المعلومات الاستخباراتية عن محور المقاومة، خاصةً في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين المحتلة. وتوفر هذه الوسائل، بما في ذلك طائرات المراقبة المحمولة جواً وأنظمة الرادار، بيانات مهمّة جداً للكيان. كما يمكن لهذه القواعد تقديم الدعم الجوي لسلاح الجو الإسرائيلي، من خلال تزويده بالوقود جواً، وتنفيذ دوريات جوية، وربما تنفيذ الغارات الجوية أو الدعم اللوجستي إذا لزم الأمر.
شركاء في الجرائم
لذلك وبناءً على كل ما تقدّم من معطيات وأرقام دقيقة، فإن أمريكا والمملكة المتحدة هم شركاء إسرائيل في جرائمها، ليس لمصلحة الأخيرة فقطـ بل الأهم لأجل مصالحهما في المنطقة وعلى صعيد العالم كله، لأن مصيرهما كدول استكبار عالمي، متوقفٌ أيضاً على مدى قدرتهما في حسم المواجهة ضد محور المقاومة، وهو ما لم ولن يحصل، لأن الميدان يشهد على ذلك، في قطاع غزة والضفة الغربية وجنوبي لبنان. وربما نشهد في الفترة المقبلة، تطورات حاسمة لصالح محور المقاومة وشعوب المنطقة لا العكس.