يواجه حكام سوريا الجدد، تحدياً كبيراً ومهماً، بالكشف عن رؤيتهم لدور سوريا في الصراع مع الكيان المؤقت، وكيفية دعمهم للشعب الفلسطيني لا بالأقوال فقط بل الأفعال. لا سيما وأن سوريا طوال أكثر من 4 عقود، خلال حكم الرئيسين حافظ وبشار الأسد، كانت من أكثر الدول المواجهة لإسرائيل والداعمة لحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية بمختلف انتماءاتهم الفكرية. وعليه سيكون هناك مقارنة حتمية، لدور سوريا في هذا الإطار، ما قبل وما بعد. مع العلم بأن كل المؤشرات الأولية تؤكد بأن حكام دمشق اليوم، لجأوا الى "الحياد السلبي"، وسيكونون نسخة طبق الأصل عن تركيا الأردوغانية، في دعم فلسطين بالأقوال علناً، ودعم إسرائيل بالأفعال سراً.
ولكيلا يبادر البعض الى الدفاع عن قادة سوريا الجدد، لناحية قصر المدة الزمنية ما بين استلامهم الحكم، وما يمكن لهم القيام به من خطوات داعمة للشعب الفلسطيني ومقاومته. فإن موقف هذه القيادة من تجاهل الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا أصلاً، وعدم إصدار أي موقف تجاه الاحتلال الإسرائيلي لمنطقة كبيرة في جنوبي البلاد، بل التركيز على "الاحتفال بانتصار الثورة"، بالإضافة الى التصريحات المتعددة لقائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني – أحمد الشرع -، كلها تظهر بأن لا يهتم لفلسطين أو لجرائم إسرائيل أصلاً، بل كل همه كسب الرضا الغربي (والأمريكي تحديداً).
فخلال مقابلة مع شبكة "سكاي نيوز"، قال الجولاني بأنه "لا داعي لمخاوف الدول الأجنبية في سوريا" (من تسلّم هيئته الحكم في البلاد)، حاصراً القلق الغربي بأنه كان ينبع من "وجود النظام السابق"، والقوات الإيرانية وحزب الله، فيما "البلد يتجه نحو التنمية والإعمار، ويتجه نحو الاستقرار، ستتم إعادة بناء البلاد". مضيفاً بأن الوضع الحالي لن يسمح بالعودة إلى الذعر، وأن الشعب السوري "منهك" جراء أعوام النزاع، وأن البلاد لن تشهد حربًا أخرى.
هذه التصريحات وصفها خبراء سياسيون ومختصون في العلاقات الدولية، بأنها رسائل تطمين صادرة عن الجولاني إلى الدول الغربية، وتأتي رغبة برفع الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبية، لـ"هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب، وتخفيف العقوبات الدولية على سوريا، لكي تتمكن حكومته الانتقالية برئاسة محمد البشير، من ممارسة عملها ونيل الاعتراف الدولي. وكعادة الغرب في استكباره، أجمع العديد من المسؤولين في الإدارات الأمريكية والأوروبية بأنهم سيتعاملون مع هذه التطمينات بترقب، وعلى ضوء قدرة الجولاني بتحويل "الأقوال إلى أفعال".
فما هي أبرز أفعال الجولاني تجاه فلسطين اليوم
بغض النظر عما يصدر من مواقف للحكام الجدد، ضد الجمهورية الإسلامية في إيران وضد حزب الله، وربما بشكل أقل ضد باقي أركان محور المقاومة في اليمن والعراق، فإن هؤلاء لطالما كانوا ينتقدون سابقاً نظام الرئيس الأسد بانه لا يواجه إسرائيل، وبأنه لا يقوم بأي إجراء عملي لتحرير الجولان وإسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته (خاصةً خلال معركة طوفان الأقصى).
أما بعد وصولهم الى السلطة، فلم بكفهم بأنهم لم يبادروا حتى الى إطلاق موقف من العدوان الإسرائيلي المفتوح ضدّ بلادهم، بل عمدوا الى تبليغ ممثلي فصائل المقاومة الفلسطينية الموجودة في سوريا، بأنه لن يكون هناك بعد الآن أيّ وجود لسلاح أو معسكرات تدريب أو مقارّ عسكرية لهم في سوريا، وأن على هذه الفصائل حلّ تشكيلاتها العسكرية بأسرع وقت، مقابل إمكانية العمل "السياسي والخيري" تحت سقف الدولة السورية الجديدة. والنتيجة العملية لهذه الخطوة هي خروج سوريا من دائرة اسناد المقاومة الفلسطينية (وتشكيل العمق الاستراتيجي لها)، ومنع الفلسطينيين من استخدام البلاد كمقرّ أو ممرّ لأيّ نشاط ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي.
إسرائيل ترد التحية بخطوط حمراء
وفي خطوة تشير الى أن إسرائيل قد تجد فرصة مناسبة للتطبيع مع حكام سوريا الجدد (وهو ما كان مستحيل سابقاً)، قال رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، بأنه "يريد علاقات مع النظام الجديد في سوريا". لكنه حذّر بأنه "إذا سمح هذا النظام لإيران بالعودة إلى ترسيخ وجودها في سوريا، أو سمح بنقل الأسلحة الإيرانية أو أي أسلحة أخرى إلى حزب الله؛ أو سيهاجمنا، فسنرد بقوة". مضيفاً بأن "ما حدث للنظام السابق سيحدث لهذا النظام"، وزاعماً بأنه "ليست لدينا أي نية للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، لكن من الواضح أن لدينا نية للقيام بما هو ضروري لضمان أمننا".
وعليه يؤكّد نتنياهو في هذا التصريح على الدور المقاوم لسوريا خلال عهد الرؤساء الأسد، ويبيّن خطوطه الحمراء للجولاني، والتي تشاء الصدف أن تتقاطع معه أيضاً!!