الخميس 23 كانون الثاني , 2025 04:26

ضرب الميثاقية: الخطر الأكبر على الجيش اللبناني

مقاوم بالقرب من علمي لبنان وحزب الله

لم يعد خافياً على أحد، بأن الفريق التابع لأمريكا في لبنان، يسعى يشكل دؤوب لضرب الميثاقية في البلاد، من خلال محاولة إقصاء المقاومة الممثلة بالثنائي الوطني عن دورها السياسي الطبيعي، تارةً خلال استحقاق رئاسة الجمهورية وطوراً من خلال تسمية الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، وربما نشهد في القترة المقبلة، أوجه أخرى للإقصاء من خلال التشكيلة الحكومية أو التعيينات وهلمّ جرّا.

فما صّرح به رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع وكرّره بصيغ متعددة، من إمكانية تجاوز غياب الفريق الممثّل السياسي للمكون الشيعي في لبنان، في الاستحقاقات السياسية المختلفة، هو استهداف مباشر للميثاقية الوطنية التي قام عليها لبنان السيّد والمستقلّ، وإمعاناً في تنفيذ تعليمة السفيرة الأمريكية في لبنان ليزا جونسون التي دعت فريقها خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، بأن يستعدوا لمرحلة ما بعد حزب الله.

لذلك كان تصريح رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد، مؤشراً واضحاً على سعي البعض لاستهداف هذه الميثاقية، حينما عبّر عن أسفه بعد اللقاء مع الرئيس جوزاف عون "لمن يريد أن يخدش إطلالة العهد التوافقية"، وبأن البعض يعمل على "التفكيك والتقسيم والشرذمة والإلغاء والإقصاء تعنتاً وكيديةً وتربصاً". مشيراً بأن الكتلة "خطت خطوة إيجابية عند انتخاب رئيس الجمهورية"، ولكن "كنا نأمل أن نلاقي اليد التي لطالما تغنت بأنها ممدودة وإذ بها قطعت". متابعاً بأنه "من حقنا أن نطالب بحكومة ميثاقية، وأي حكومة تناقض العيش المشترك لا شرعية لها على الإطلاق".

الخطر الأكبر هو على الجيش اللبناني

والميثاقية في لبنان، وإن كانت عرفاً وليس دستوراً، فإنها لا تقل أهميةً عنها بل ربما أهم، لأنها تضمن بذلك السلم الأهلي والمجتمعي والوطني، وهذا ما سيكون انعكاسه حتماً في ضمان وحدة مؤسسته العسكرية الحامية للوحدة الوطنية والجامعة لكل أطيافه، أي مؤسسة الجيش اللبناني.

وهذا ما عبّر عنه النائب واللواء الركن جميل السيد في تغريدة له على منصة إكس، كانت لافتة في المُرسل إليه (أي الإدارة الأمريكية) وبالموضوع أي الجيش اللبناني، حيث أشار اللواء جميل السيد الى الخطورة الكبيرة التي ستحلّ بالجيش، عند حصول أي مشروع فتنوي داخلي يهدف الى ضرب ميثاق العيش المشترك، من خلال استهداف طائفة ما. وقد جاء في تغريدة السيد:

"لفْت نظَر إلى "اصدقائنا" الاميركيين

بعد التطورّات الأخيرة في لبنان والمنطقة،

أنتم تعتبرون أن الظروف بات لصالحكم اكثر ممّا مضى، وهذا صحيح

ولكن، لبنان بتركيبته المتناقضة، حالة خاصة،

شعبه قمّة الحضارة وقمّة الهمجيّة، منقسم ومتلاحم في الوقت نفسه،

جيشه بضباطه وعسكره من هذا الشعب وليس من المرّيخ،

وبالتالي،

هو ليس ذلك الجيش العقائدي،

هو جيش يعيش صغيره وكبيره سياسة وتقلبات البلد وصراعات سياسييه وطوائفه

هو جيشٌ منضبط مرّ عليه قادة كثيرون وكان يطيعهم لكنه لا ينتمي إليهم كأشخاص، وكانت ولا تزال تكفي شطبة قلم من مجلس الوزراء ليعود قائده إلى بيته رئيساً على سائقه فقط حتى ولو توهّم لفترة أنه عنترة بن شدّاد

بل وأكثر،

فإنّ وحدة الجيش وإنضباطه وقُدرته وإداءه ومعنوياته، كل هذا كان يضعف او يقوى وفقاً للمناخ الوطني والسياسي والطائفي السائد في البلد،

ولذلك كان ينقسم بسهولة عندما ينكسر جسر الوحدة الوطنية في الدولة والشعب، او عندما كان يتمادى الغبن او التهميش على هذه الطائفة او تلك

إلى "أصدقائنا" الأميركيين،

ولأنّ هذا هو لبنان ، ولأن الجيش اللبناني ليس في جيب فريق او أحد، ولا حتى في جيب قائده ولو أطاعه كقائد شرعي،

فلا تنجرّوا إلى تحريض بعض سياسيينا المستعجلين للسلطة حولكم،

ولا تنخدعوا بالمظاهر ولا بالظروف المؤاتية لكم مؤخراً في الجنوب وعلى الحدود الشرقية،

ولا تحمّلوا الجيش مراهنات على الارض تتناقض مع بيئته ولا تدفعوه إلى إستفزازات فوق طاقته،

ولا تستخدموه ذليلاً بين أرجل إسرائيل في الجنوب،

ولا تكبّروا الرؤوس الحامية فيه من أعلاها إلى ادناها، ولا تقحموهم في طموحات السياسة الشخصية،

ذلك أنّ الخطر على الجيش اللبناني حينذاك ليس من خارجه، ولا من مواجهات إسرائيلية او لبنانية معه في الجنوب وغير الجنوب،

بل الخطر عليه أوّلاً وآخراً يصبح من داخله، ومن إنكسار جسر الوحدة الوطنية فيه

 

ومَن لم يأخذ العبرة من إنقسامات الجيش في الماضي القريب والبعيد، لن يكون قادراً على إدارة الحاضر وبناء المستقبل

أنا اليوم خائفٌ على الجيش وليس منه،

والله يشهد انني قد بلّغت…".

وعليه فإن لدى النائب السيّد، الذي شغل لعقود من الزمن مناصب أمنية وعسكرية رفيعة في الدولة اللبنانية، معلومات أو مؤشرات أو تحليل مبني على معطيات، بأن هناك جهات لبنانية وربما خارجية، تسعى لعزل المقاومة وممثليها السياسيين أي "الثنائي الوطني"، باستخدام أساليب سياسية ظاهرها دستوري وقانوني، وهذا ما سيؤدي حتماً الى صراع سياسي داخلي قد يتطوّر الى أبعاد أخرى خطيرة جداً.

وفي هذا السياق، كانت لافتة إحدى فقرات مقال الصحفي الأمريكي "توماس فريدمان" الأخير، الذي توجّه فيها الى رئيسه دونالد ترامب، بأن الأخير بإمكانه تغيير الشرق الأوسط إذا كان يجرؤ على ذلك. فقد قال فريدمان في إحدى الفقرات، بأن نتنياهو على استعداد "لاستكمال الانسحاب الإسرائيلي واستكمال ترسيم الحدود ـ شريطة أن تنتج الحكومة اللبنانية القوة العسكرية اللازمة لضمان عدم تمكن حزب الله من ترسيخ وجوده في جنوب لبنان مرة أخرى". وهذا الربط يجعل من الدولة اللبنانية – والجيش اللبناني ضمنياً – هدفاً أمريكياً وإسرائيلياً لكي تتحول الى طرف يواجه حزب الله عسكرياً بدلاً عن جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبذلك تكون الدولة بمواجهة مباشرة مع المقاومة والمكوّن الشيعي كلّه.

وللعلم فإن هذا الأمر، هو في صلب التوجهات الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية منذ عقود، وبذلك تربط مساعداتها للجيش اللبناني، حيث دائماً ما تقول في تقاريرها بأن القوات المسلحة اللبنانية تشكّل "ثقل موازن مؤسسي لحزب الله - they serve as an institutional counterweight to Hezbollah" (ولمن يحب التعمّق في البحث عن هذا الموضوع سيجد الكثير من المعلومات في محضر جلسة استماع مجلس الشيوخ الأمريكي هذا).


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور