الخميس 31 تموز , 2025 04:13

هل استغنت إيران عن نظام GPS؟

التشويش على إشارات GPS

في الأعوام الأخيرة، ركّزت الجمهورية الإسلامية بشكل متزايد على موضوع تحقيق السيادة التقنية وتعزيزها، من خلال تقليل الاعتماد على التقنيات الغربية، لا سيما في القطاعين العسكري والدفاعي. ومن أبرز هذه التحولات التكنولوجية اعتماد طهران التدريجي على نظامي الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية بايدو الصيني وغلوناس الروسي، وبدء تطوير نظام "هدى" الإيراني، لتوفير مجموعة من البدائل عن نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) الأمريكي. ويمثل هذا القرار الاستراتيجي تطوراً هاماً في نهج إيران نحو الاستقلالية في الحرب، والسيادة الرقمية، والاستقلال التكنولوجي، في ظل التوترات المستمرة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.

فخلال العدوان الإسرائيلي الأمريكي الأخير عليها، شهدت إيران والسفن في مياه الخليج الفارسي، انقطاعات متكررة في إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، ربما بفعل أمريكي وغربي لمساعدة الكيان المؤقت، في إطار الحرب الالكترونية للتشويش على الصواريخ والمسيرات الإيرانية.

وفي هذا السياق، صرّح نائب وزير الاتصالات الإيراني إحسان جيت‌ ساز مؤخراً، لوسائل إعلام محلية: "في بعض الأحيان، تحدث اضطرابات في هذا النظام (GPS) بفعل أنظمة داخلية، وهذا الأمر تحديدًا دفعنا نحو خيارات بديلة مثل نظام "بايدو" (BeiDou). وأضاف جيت ساز بأن حكومته تعمل على تطوير خطة لتحويل قطاعات النقل والزراعة والإنترنت من الاعتماد على GPS إلى استخدام نظام "بايدو" الصيني.

هذه الخطوة ليست تقنية فحسب، بل هي ذات بُعد جيوسياسي عميق. فهي ترمز إلى توجه إيران الأوسع نحو الشرق، ومقاومتها للهيمنة التكنولوجية الأمريكية، وطموحها لبناء مجمع عسكري صناعي مرن في تحدٍّ للعقوبات والعزلة.

ما هو نظام بايدو؟

يُعد نظام بايدو للملاحة عبر الأقمار الصناعية (BDS) النظام الصيني المُناظر لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS). أُطلق على مراحل بدءًا من عام 2000، وأصبح جاهزًا للتشغيل عالميًا في يونيو 2020 بمجموعة تضم أكثر من 30 قمرًا صناعيًا. يوفر بايدو دقةً تُضاهي دقة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، حيث يُقال إنه في حدود 10 أمتار للاستخدام المدني، وأفضل بكثير للتطبيقات العسكرية.

وعلى عكس نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، الذي تُسيطر عليه جهة عسكرية (القوات الجوية الأمريكية)، يُعد بايدو نظامًا مزدوج الاستخدام مدنيًا وعسكريًا، طورته الحكومة الصينية تحت قيادة وطنية صارمة. كما يتميز بايدو بقدرات فريدة مثل خدمات الرسائل القصيرة ومرونة إشارة أقوى في التطبيقات الإقليمية، وخاصة في قارة آسيا.

بعض الفوائد العسكرية لهذا قرار

_تستفيد الأنظمة العسكرية والتجارية الإيرانية - بما في ذلك الطائرات بدون طيار، وأنظمة الرادار، ومكونات الصواريخ - بشكل أساسي من نظام بايدو. وعل سبيل الذكر لا الحصر، قد تتضمن بعض الطائرات الإيرانية بدون طيار أو الصواريخ، مكونات الملاحة ومستقبلات بايدو، مما يسمح لها باستقلالية تامة عن إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) الأمريكي.

_من أهم مزايا نظام بايدو قدرته على مكافحة التشويش والانتحال. وتعتبر إيران، التي واجهت محاولات تشويش متكررة من وحدات سيبرانية أمريكية وإسرائيلية، هذا عاملاً حاسماً. وتبث أقمار بايدو الصناعية عبر نطاقات تردد متعددة، وتقدم خدمات مشفرة للمستخدمين المصرح لهم، مما يصعّب على الخصوم التدخل في أنظمة الملاحة التي توجه الصواريخ أو الطائرات بدون طيار الإيرانية. خاصةً في الأماكن التي تتعرض فيها إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) للتشويش أو التلاعب.

_الاستقلال عن ثغرات التكنولوجيا الغربية: باستخدام هذا النظام ، تُزيل إيران ثغرة أمنية حرجة من بنية القيادة والتحكم الخاصة بها. أثبتت القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) مرارًا وتكرارًا قدرتها على تعطيل أو تزوير الأنظمة المعتمدة على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). على سبيل المثال، خلال العمليات في العراق وسوريا، عطّلت القوات الجوية الغربية نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لتضليل الطائرات المسيرة. تسعى إيران إلى "تحصين" قدراتها على توجيه الضربات الدقيقة من هذه الأساليب.

_إمكانية التكامل مع الشركاء في جبهة المقاومة: هناك إمكانية كبيرة لهذا النظام أن يوفر إطارًا مشتركًا للملاحة والتحكم. فبدلاً من الاعتماد على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) الضعيفة أو غير المتسقة، وعندها يمكن لأطراف المحور الاستفادة من هكذا نظام موثوق، وعندها يمكن أيضاً تعزيز القدرات الهجومية المتزامنة، بحيث تنفذ أطراف المحور هجمات منسقة باستخدام نظام مرجعي مشترك للملاحة، وهذا ما سيزيد من تعقيد الحسابات الاستراتيجية لإسرائيل وأمريكا.

فماذا عن نظام هدى؟

وقد بدأت الجمهورية الإسلامية خطواتها الأولى في هذا المجال عبر تطوير نظام تحديد مواقع محلي أطلقت عليه اسم "هُدَى"، وأعلنت عنه عام 2016. ولكنّ هذا النظام لا يزال محدود التغطية، ويقتصر على نطاقات جغرافية معينة داخل البلاد. أما الوصول إلى نظام فضائي شامل ومحلّي، فيتطلب استثمارات ضخمة وتطورا تقنيا مستمرا، كي يتمكن من تأمين تغطية في كل الأراضي ومن ثم التوسُّع خارجها لاحقا. وهذا ما هو طور التنفيذ، بحسب ما أعلنت عنه وكالة الفضاء الإيرانية في العام 2017، عن نيتها إنشاء مجموعة أقمار اصطناعية وطنية للملاحة.

وبالتالي في ظل هذه الفجوة، من الطبيعي لإيران اعتماد إستراتيجية، تستفيد فيها من أنظمة متعددة دون الاعتماد الحصري على أي منها.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور