مدد رئيس الوزراء الاسرائيلي بتغطية أميركية احتلال جيشه لأجزاء من الجنوب اللبناني حتى 14 شباط/ فبراير، أي حوالي 22 يوماً اضافياً. بعدما كان مقرراً أن ينسحب بموجب اتفاق وقف إطلاق النار صبيحة أمس الأحد 26 كانون الثاني/ يناير. وتذرعاً بحجج واهية، يحاول تضليل المجتمع الدولي وعن سابق تصميم يحشد التأييد لابقاء قواته المحتلة لأطول مدة ممكنة، بعد أن لمس أن التفرّد بقرار احتلال لبنان سيكون قراراً لن يتحمل عواقبه.
فيما يتعلق برسالتان متطابقان مؤرختان في 1 كانون الثاني/يناير 2025 موجهتان إلى الأمين العام ورئيس مجلس الامن من الممثل الدائم لاسرائيل لدى الامم المتحدة: "أمام العنجهية الاسرائيلية والسردية المضلّلة التي يعمل الكيان الصهيوني على نشرها في المجتمع الدولي بادعاءات وحجج ومبررات، لما يقوم به من انتهاكات جسيمة وخروقات واضحة لكل التفاهمات واتفاق وقف اطلاق النار في لبنان، حيث يدّعي: التزامه واحترامه لتنفيذ آليات القرار 1701 (2006). وأنّه اضطرّ للتدخل في لبنان بسبب ما اعتبره "خطراً يهدد أمنه والامن الاقليمي والدولي" بسبب نشاط حزب الله جنوب نهر الليطاني وما بعده. وبسبب الهجمات التي شنّها الحزب على الكيان في 8 تشرين الاول/اكتوبر 2023 ابان انطلاق معركة طوفان الاقصى". وذكر "إنّه مضطرّ للتدخل بسبب ما اسماه "تقاعس من جانب الامم المتحدة من تداعيات خطيرة على اسرائيل". وبرر التدخل الاسرائيلي في لبنان من أجل: كشف المزيد من المخاطر الجسيمة (البنية التحتية العسكرية لحزب الله) وكشف الانفاق والبنية العسكرية تحت الارض التي أقامها حزب الله منذ سنين واتخاذ اجراءات عاجلة وفعالة في الميدان لتفكيك هذه البنية التحتية غير المشروعة من اجل ضمان عدم تعريض الاستقرار الاقليمي وأمن اسرائيل لمزيد من الخطر، الضمانات الامريكية التي وضعت في أعقاب تفاهمات وقف اطلاق النار هي الوحيدة الكفيلة بتعزيز أمن الحدود الشمالية، التشكيك بقدرات الجيش اللبناني، التخوف من استمرارية التعزيزات العسكرية لحزب الله وهو بر\ايه لا يزال يشكّل تهديدا خطيرا على اسرائيل وعلى الاستقرار الاقليمي، واتهام حزب الله بانتهاك التفاهمات واتفاقيات وقف اطلاق النار بمحاولات نقل الاسلحة والاموال الى حزب الله (القرار 1701 /2006 والقرار 1559/2004).
ما يحاول الاسرائيلي القيام به على المستوى الدولي سياسياً ودبلوماسياً هو:
-تضليل الرأي العام الدولي وطرح مبررات وحجج غير موضوعية وغير قانونية لاستمرارية الخروقات والانتهاكات لقرارات الأمم المتحدة الداعية بضرورة الالتزام بالقرار 1701 وبالتالي لانسحاب من الاراضي اللبنانية.
-الحديث والتركيز على خروقات وانتهاكات منسوبة لحزب الله والتعمية على الخروقات والانتهاكات الاسرائيلية التي تخطت منذ اعلان وقف اطلاق النار في لبنان أكثر من 1000 خرق منذ تاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وفق قيادة الطوارئ الدولية "اليونيفيل". في المقابل لم تسجل القوات الدولية أي خروقات واضحة لحزب الله كما يدعي العدو الاسرائيلي.
-تبرير استمرارية البقاء على الاراضي اللبنانية بحجة القضاء على البنية العسكرية التحتية لحزب الله حتى بعد انتهاء مهلة وقف اطلاق النار يعتبر انتهاكا صارخا للسيادة اللبنانية ويعد مخالفا للتفاهمات والقرارات الدولية ويعتبر بذلك بمثابة تثبيت لاحتلال جديد للاراضي اللبنانية.
-الادعاء بأنه قام بحرب استباقية على لبنان لاستشعاره بوجود خطر داهم يهدد أمنه لا يبرر ما قام به من تدمير للمنشآت المدنية و من ارتكابه لجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم ابادة في حق المدنيين وتهجيره لهم من بيوتهم وقراهم في انتهاك صارخ لكل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والانسانية.
-مماطلة العدو الاسرائيلي في الانسحاب من الاراضي اللبنانية وفق اتفاق وقف اطلاق النار وعدم التزامه بالقرار 1701 عكس ما يدعيه، واصراره على البقاء على الاراضي اللبنانية يجعله محتل، ومخالف لمقتضيات القرارات الدولية وبالتالي من حق لبنان التمسك بالثوابت الوطنية المتعلقة بالسيادة على كامل الاراضي اللبنانية والضغط على الولايات المتحدة الامريكية الراعي الاساس لاستمرارية وقف اطلاق النار، والمجتمع الدولي للمطالبة بالانسحاب الاسرائيلي دون شرط او قيد. والمقاومة المشروعة وفقاً للمواثيق والشرعية الدولية الدفاع عن لبنان وعن شعبه واستقلالية اراضيه ومواجهة اي محاولات اسرائيلية لفرض امر واقع جديد (احتلال) على لبنان.
وردّا على ادعاء الكيان بانه ملتزم بالقرار 1701 من الضروري التاكيد على النقاط التالية:
-كيان الاحتلال لم يلتزم بالقرار 1701 منذ اعلانه في 2006، وهو يخرقه اليوم مجدّداً بتبرير استمرارية بقاءه على الاراضي اللبنانية (ولو لمدة محدودة حيث يطالب الاميركي بمنحه 30 يوم اضافية لتحقيق اهدافه المعلنة).
•يقلل الكيان من دور قوات الطوارئ الدولية ويتهمها بالتقاعس وعدم الفعالية ليبرر لجيشه الانتهاكات والخروقات التي يقوم بها بما يخالف القرار 1701.
-ليس من حق كيان الاحتلال تبرير استمرارية بقاءه على الاراضي اللبنانية بحجة فرض التطبيق الكامل لبنود اتفاق الطائف والقرارين 1559 و1680 و1701 بما فيها تجريد كل الجماعات اللبنانية من سلاحها وعدم وجود قوات أجنبية، هذا الامر لا يخص الا الحكومة اللبنانية، وليس من حق الكيان التدخل في شؤون لبنان الداخلية لان ذلك مخالف لميثاق الامم المتحدة.
-ليس من حق الكيان تبرير بقاءه في لبنان بحجة منع بيع وتوفير الأسلحة والمعدات العسكرية لحزب الله، ذلك أنّ مناقشة موضوع نزع سلاح حزب الله والقوات المسلحة الاخرى هو من اولوية الحكومة اللبنانية وفق القرار 1701 وليس اسرائيل.
-مطالبته بتمديد بقاءه في لبنان لحين تدمير ما يدعي انها بنية تحتية عسكرية لحزب الله في جنوب الليطاني تثير الشبهات حول ما يريده العدو وأهدافه غير المعلنة لمرحلة جديدة من العدوان والاختراقات التي قد تتجاوز جنوب الليطاني الى شماله.
-بزعم التصدي لتهديدات من حزب الله، تنفذ إسرائيل عمليات تفجير وإحراق لمنازل ومبان، وتمشيط بأسلحة رشاشة، وتحليق لطيران مسيّر على علو منخفض وهذا اختراق وانتهاك واضح للقرارات والمواثيق الدولية من خارج نطاق القانون الدولي.
-وفق اتفاق وقف اطلاق النار من أبرز بنوده انسحاب إسرائيل تدريجيا إلى جنوب الخط الأزرق (المحدد لخطوط انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000) خلال 60 يومًا، وانتشار قوات الجيش والأمن اللبنانية على طول الحدود ونقاط العبور والمنطقة الجنوبية. واي تبرير اسرائيلي مخالف لذلك، يعدّ انتهاكا للاتفاق ولا يلزم لبنان.
-القول بأن الجيش اللبناني لا يمتلك الامكانيات والآليات التي تسمح له بالقيام بدوره الموكل اليه وفق القرار 1701 يحيلنا على تساؤل حول من يمنع تسليح الجيش اللبناني ومن يعرقل انتشاره على الاراضي اللبنانية؟
هذه الرسائل هي محاولة اسرائيلية لتضليل المجتمع الدولي والراي العام، لتبرير الانتهاكات والاختراقات الاسرائيلية المستمرة، ومحاولة لتبرير استمرارية تواجد العدو الاسرائيلي على الاراضي اللبنانية مما يشكّل انتهاكاً للقرارات الدولية (القرار 1701) والاتفاقيات والمواثيق الدولية. كما انه محاولة للضغط على القوى الدولية بما فيها الادارة الامريكية الجديدة(ترامب الحريص على انهاء ملف الصراع للدخول في متغيرات جديدة تحت عنوان وقف اطلاق النار في لبنان وغزة)، لمنحه مزيد من الوقت للاستمرار في ارتكاب الخروقات والانتهاكات المبررة، وهذا الامر خطير لانه سيؤدي بالتالي إلى سقوط اتفاق وقف اطلاق النار وربما لعودة النزاع المسلح بشكل أكثر شراسة.
حافظت المقاومة اللبنانية على التزامها باتفاق وقف اطلاق النار وهي تراقب وترصد الخروقات والانتهاكات الاسرائيلية، وتدعو في كل وقت الحكومة اللبنانية الجديدة للعمل على انهاء هذا الوضع، والضغط عبر الوسطاء الدوليين (لجنة مراقبة تنفيذ قرار وقف اطلاق النار) لردع اسرائيل وحثها على الانسحاب. لكن بالتاكيد أنّ التزام المقاومة لا يعني استسلام للامر الواقع بل هو محاولة لمنح فرصة للحل السياسي المؤقت.
الكاتب: غرفة التحرير