في العام 1999 أنهى أحد المتخصصين في علم النفس وهو أستاذ في جامعة تل أبيب، اسمه شاؤول كيمحي دراسة في التحليل النفسي لرئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو. وأعطى دراسته عنوان "تحليل السلوك" لنتنياهو بعد ولايته الأولى كرئيس للوزراء (1996-1999) متتبّعاً علاقات نتنياهو الشاب بوالديه: الأم سيلا، التي كانت ربة منزل و"امرأة باردة القلب"، علّمت أبناءها أن يكونوا أقوياء وأن يخفوا مشاعرهم، فيما كان الأب رجلًا من الصهاينة اليمينين الأوائل، يعمل كأستاذ جامعي للتاريخ اليهودي، رفضت الجامعة العبرية في القدس قبوله، فانتقل إلى الولايات المتحدة وبقي طوال حياته، يحمل كراهية شديدة لحزب العمل والنخب الفكرية في إسرائيل، فسار أبناؤه على إثره.(عاش الأب 102 من السنوات من 1910 حتى 2012).
نشرت دراسة كمحي في يناير/كانون الثاني 2001، حيث وجد الباحث في نتائج التحليل السلوكي للزعيم نمطًا مثيرًا للقلق. كان نتنياهو نرجسيًا، ومتكبرًا، ومصابًا بجنون العظمة، يتصرف بشكل سيئ تحت الضغط. وبعد حوالي العقدين من الزمن، في العام 2017، عاد كمحي ليشارك زميله الدكتور ساجيت يهوشوا من الجامعة العبرية في القدس، في كتابة ورقةٍ بحثيةٍ جديدةٍ بعنوان "التحليل السلوكي لنتنياهو 1999-2017 - ما الذي تغير؟". فوجدا أنه لم يتغير الكثير. وقال كمحي إنه مع تقدم الناس في السن، تميل سلوكياتهم إلى أن تصبح أكثر تطرفًا. وبالنسبة لنتنياهو فقد نما جنونه ونرجسيته، وأصبح لا يثق بأحد، باستثناء ربما أسرته المباشرة، ويعطي الأولوية "لمستقبله الشخصي" على كل شيء آخر.
الملاحظ واللافت للنظر، أن مئات الدراسات والتحليلات التي تعمل على تحليل شخصية نتنياهو حاليًا، تعود بشكل تلقائي للاستناد على بحثيْ كمحي، الذي مضت حوالي 10 سنوات عليها وأكثر من ربع قرن على التحليل الأول. وبهذا يكون الاستناد المرجعي غير كافٍ وغير دقيق، بالنظر إلى المستجدات السياسية والشخصية والعالمية التي غيّرت الكثير من الوقائع.
نقدم إليكم دراسة مفصّلة عن التحليل النفسية لشخصية نتنياهو وتحولاتها خلال الحرب (يمكنكم تحميلها أسفل الملخص أدناه).
إن نتنياهو قبل 7 أكتوبر 2023 ليس نتنياهو ما بعد7 أكتوبر 2023، بحيث تضخّمت الأنا لديه عشرات المرات، وبسبب مشاعره بأنه تعرّض مع بيئته ومجتمعه السياسي والأمني للتضليل والخداع من قبل حماس، ازداد شراسة وعنفًا بطريقة مضاعفة، حتى وصل الأمر به إلى ارتكاب الإبادة ومجازر التطهير العرقي ضد الفلسطينيين وتحدّي العالم كله، بحيث لم يستطع أي أحد في العالم الوقوف بوجهه أو ردعه أو ثنيِهِ عن مخططاته الإجرامية والدموية.
لذلك، من الإجحاف العلمي تأطير شخصية نتنياهو بما كانت عليه قبل ربع قرن وبما آلت إليه بعد 23 أكتوبر 2023. نتنياهو اليوم ليس مجرد ناشط سياسي طموح، ولا رئيس وزراء يقود الكيان الصهيوني القائم على الأراضي الفلسطينية فحسب، بل رجل جامح يقود العالم كله ويجعله يمشي ويتحرك وفق قراراته ومواقفه، بما في ذلك السياسات الأميركية والأوروبية التي لا تتجرّأ على مخالفته أو الاعتراض على ما يقوم به. الجهة الوحيدة التي كانت تقف بوجهه وتتحداه وتهدّده، هي ما عُرف بمحور الممانعة، الذي تألّف من دول إيران والعراق واليمن وسوريا وجزء من لبنان وغزة والضفة، وهو المحور الذي قرر نتنياهو أن يغامر بكل تاريخه الشخصي وبتاريخ بلاده، كي ينتهي منه، رافعًا شعار "الحرب الوجودية".
خلال هذه الحرب التي بدأت في 8 أكتوبر 2023 ولغاية ربيع العام 2025 ازداد نتنياهو عتوًا وجبروتًا وسفكًا للدماء وتحدّيا لنصف المجتمع الإسرائيلي على الأقل. أقدم على تصفيات جسدية لزعماء المقاومة وقياداتها ونجح في إضعافها وتقييدها إلى حدٍ ما، والمفارقة المضحكة-المبكية أن المحكمة الجنائية الدولية التي أدانته وطالبت بمحاكمته (بتهمة الإبادة) باتت هي وأعضاؤها متّهمين وملاحقين! حتى أن الرئيس الأميركي ترامب الذي أرسل إشارات سلبية نحو نتنياهو أكثر من مرة في بدايات تسلّمه للحكم، عاد وانصاع لرغباته بشكل تام، وأكثر من ذلك، عاود إغداق التسليح الحربي للكيان الصهيوني بأكثر مما كان عليه قبل استلامه للسلطة. وبناءً عليه فإنّ نتنياهو في العام 2024 وضع أسسًا سلوكية جديدة لما سيكون عليه في العام 2025 وما بعده.
لقد جعل هذا الرجل كلمة "الحرب" مفردة سهلة في التداول اليومي، بل استطاع تطويع مفردة "إبادة" من كلمة مرعبة آيلة إلى الانقراض، إلى كلمة متداولة خالية من الإحساس بمعناها الحقيقي. وهدف نتنياهو بفضل ذكاءٍ لغوي استخدمه منذ 7 أكتوبر 2023 بالتحديد، إلى تكرار جملة "إسرائيل تخوض حربًا على سبع جبهات" ليعزّز الشعور بالخطر لدى أفراد المجتمع الإسرائيلي، الذين سيقودهم اللاوعي نحو تأييده العفوي، واعتباره المخلّص والمنقذ والحامي الذي سيكفيهم شر الجبهات السبع (إيران والعراق واليمن وسوريا قبل الجولاني ولبنان وغزة والضفة).
وفيما يقود نتنياهو بلاده ومؤيّديه خلال الحرب على غزة، منذ أكثر من عام ونصف، فإن سماتهِ الشخصية تقف وراء القرارات الكبرى التي يتخذها وتؤثّر بشكل مباشر على حياة الملايين من الإسرائيليين والفلسطينيين وعلى اتجاه الصراع. فبموازاة ضراوة الأحداث وسخونتها تفاقم الإحساس بعظمة "الأنا" في شخصيته، إلى درجة تكراره الإعلان عن خارطة جديدة للشرق الأوسط كله، سيباشر تنفيذها وتحقيقها، وهذا نموذج بسيط على مدى اتساع ثقته بنفسه وبقراراته، ثقة جعلته يسعى بكل عزم وثبات نحو تزييف الجغرافيا كما زيّف التاريخ.
في يوم 7 أكتوبر 2023 أدرك نتنياهو أن استثمار الأحداث قد يصبّ في مصلحته الشخصية والسياسية، وساعدته الظروف على تحقيق رغباته، فطال أمدُ الحرب أكثر من كل التوقّعات، وبقي في منصبه، بل ازداد تمكينًا، بعدما كان مهدّدا بالإطاحة به وربما بالسجن، فقد استطاع بفضل دهائه السياسي وعناده أن يقلب الأمور رأسًا على عقب، و"عليّ وعلى أعدائي" كما يقول المثل الشعبي، فنجح رهانه المغامر في القضاء على جزء من المقاومة، وعلى قياداتها، على تدمير البنى التحتية، وعلى تهجير شعبٍ بأكمله.
- نتنياهو أكثر رئيس وزراء بقي في المنصب، متجاوزاً دافيد بن غوريون. هذا ما سيزيد من تقديره لنفسه وبالتالي ارتفاع مستوى أنانيته ونرجسيته.
- سيبقى يوظّف إلى أقصى حدٍّ الموضوعات التي تخيف الغرب مثل الإرهاب، ويستثمر الصراع مع المقاومة لمصلحته.
- يتلاعب بالصحافة لصالحِه، ويعرف أن التلاعب بالصحافة تلاعبٌ بالحقائق والصورة والمواقف.
- يعتبر الغدر والخيانة معيارًا متفقًا عليه في السياسة.
- يفصح عن مخططاته وأهدافه من دون خوف.
- السياسة بالنسبة له بقاء القوي وسقوط الضعيف، وبالتالي فإن تحقيق الهدف يبرر أي وسيلة وبأي تكلفة.
- يتصف بالبرود في التعامل مع المشكلات ويضع خيارات بديلة لكل خططه.
- أسلوبه في الإدارة عدواني، وعند الفشل يضع اللوم على الآخرين لأنهم لم ينفذوا توجيهاته بالشكل الصحيح. (تجلّى هذا خلال حرب طوفان الأقصى).
- يسعى لتحقيق مشروعه الخاص بالدولة اليهودية. حمل الخرائط في الأمم المتحدة وعلى كل المنابر وتعب من الشرح القائل بأن حدود فلسطين من البحر للنهر، وفي سوريا لم ينتظر يومًا واحدًا بعد سقوط الأسد، بدأ التوسع والاحتلال مباشرة....
- شخصيته النرجسية تدفعه دائمًا نحو تعظيم الذات والانتهازية لتحقيق أهدافه، ورؤية نفسه أكثر إدراكا وقدرة على الفعل من الآخرين.
- يعتقد أن مهمته البطولية إنقاذ وطنه. (كما فعل في إطلاق مفهوم الحرب الوجودية وتعزيزه، وكما فعل في جر الكيان للاقتناع بموقفه/ خلال الاستيلاء على رفح وخط فيلاديلفيا/ خلال بعض الخطابات قال علنًا ما معناه أن الحق كان معي وما قلته كان الصواب. يرى نفسه مؤهلًا أكثر من غيره، وأنه سياسي عبقري لا مثيل له.
- المبالغة في وصف الذات: كما فعل في معظم خطاباته بعد 7 أكتوبر معظم الخطابات مديح لقراراته ومواقفه.
لتحميل الدراسة من هنا