الأربعاء 16 نيسان , 2025 11:03

احتمالات الاجتياح البري لليمن: مَن يضبط كرة النار؟

منذ أسابيع، عاد الحديث مجدداً عن احتمال تنفيذ عملية برية ضد اليمن، وهذه المرة في ظل واقع استراتيجي مغاير تماماً لما سبق: الرئيس الأميركي دونالد ترامب عاد إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية، والتصعيد مع صنعاء بلغ ذروته في البحر الأحمر، والإمارات تضغط نحو تدخل بري واسع، بينما تبدي السعودية حذراً بالغاً بما يتعلق بالتدخل العسكري المباشر مجدداً.

التقارير الأخيرة التي نقلتها وول ستريت جورنال تكشف عن مداولات تجري في الولايات المتحدة حول إمكانية دعم حملة برية تقودها الإمارات أو قوات يمنية حليفة لها انطلاقاً من عدن. ومع أن القرار لم يُحسم بعد، فإن المشهد العام يشير إلى تحول لافت في تعاطي واشنطن مع الملف اليمني، في ظل إدارة ترامب التي توعّدت مراراً بـ"إنهاء الحوثيين".

لم تكن تصريحات ترامب تجاه اليمن مجرد خطابات انتخابية عابرة. منذ اليوم الأول لعودته تعامل مع الهجمات في البحر الأحمر كـ"إهانة مباشرة للهيبة الأميركية"، وأعاد تصنيف الحركة كـ"منظمة إرهابية أجنبية"، وفتح المجال أمام عمليات جوية مكثفة ضد مواقعهم في صنعاء والحديدة وصعدة.

غير أن هذه العمليات، رغم كثافتها، لم تنجح في رفع الحصار عن حركة السفن المتجهة نحو كيان الاحتلال. بل على العكس، بدت القوات المسلحة اليمنية قادرة على اعادة تنظيم صفوفها، وتكييف تكتيكاتها مع الضربات الجوية، ما أعاد فكرة "التدخل البري" إلى الطاولة.

بالنسبة لترامب، لا يتعلق الأمر فقط "بحماية التجارة العالمية"، بل بإثبات القدرة الأميركية على فرض الأمن في مناطق النفوذ، خصوصاً في ظل اختبار جدي لهيبة واشنطن في الإقليم. ومن هنا، فإن عملية برية ناجحة -حتى لو محدودة- ستكون بمثابة "نصر" رمزي واستراتيجي في آنٍ معاً.

تبدو الإمارات الطرف الأكثر حماساً لفتح جبهة برية ضد صنعاء. وتستند أبو ظبي في اندفاعها إلى اعتقاد بأن الضربات الجوية وحدها غير كافية، وأن تحريك وحدات يمنية درّبتها على مدى سنوات قد يُحقق اختراقاً على جبهات الحُديدة وتعز ومأرب.

لكن التحديات أمام هذا السيناريو عديدة:

-أولًا، تعاني الإمارات من نقص في الحلفاء الميدانيين ذوي الجاهزية، بعد انسحابها التدريجي منذ 2019 من بعض المواقع.

-ثانياً، أي تدخل بري سيتحوّل تلقائياً إلى هدف ناري لمسيّرات اليمنيين وصواريخهم التي أثبتت قدرتها على إصابة أهداف دقيقة.

-ثالثاً، لا تحظى أي حملة تقودها الإمارات بغطاء يمني شامل أو حتى توافق خليجي، خاصة في ظل تحفظ السعودية. بعبارة أخرى، قد تجد الإمارات نفسها رأس حربة في معركة بلا عمق سياسي أو دعم شعبي كافٍ.

رغم مشاركتها المباشرة في الحرب براً وجواً، تبدي السعودية حذراً كبيراً من أي عمل بري جديد في اليمن، وخصوصاً في شماله، وسط ادراكها أن صنعاء ما زالت تحتفظ بقدرة ردع صاروخية يمكن أن تطال العمق السعودي متى ما شُنت حملة برية ضدهم.

ووفقًا للتقارير، فإن السعودية أبلغت واشنطن وصنعاء بأنها لن تشارك في أي اجتياح بري، خشية من انزلاق الصراع مجدداً إلى أراضيها. وهي تسعى في هذه المرحلة إلى تثبيت تفاهمات الحد الأدنى، خاصة على الحدود، وتفادي التصعيد، في انسجام واضح مع تركيزها على مشاريع رؤية 2030، واستضافة كأس العالم لكرة القدم في العام نفسه. في حين أن الرياض التي بدأت تستفيد من أموال المستثمرين الهاربين إليها من الرسوم الجمركية الأميركية والتي فرضت على عدد كبير من الدول، لن تقدم على خطوة عسكرية هي واقعاً، لا تعتبرها معركتها الخاصة.

حتى لو توفرت النوايا السياسية واللوجستية، فإن الميدان اليمني يظل واحداً من أعقد المسارح العسكرية في المنطقة:

-"أنصار الله" ليسوا مجرد جماعة مسلحة، بل تنظيم عسكري-عقائدي مترسّخ في بيئة جبلية شديدة التعقيد، ويملك خبرة طويلة في حرب العصابات.

-مناطق الشمال، وخاصة صعدة، تعتبر منطقة صلبة يصعب اختراقها دون خسائر فادحة.

-منذ بداية عام 2024، أظهر اليمنيون مرونة عالية في التنقل والتخفي، واستخدموا تكتيكات استنزاف ناجحة ضد قوات يمنية مدعومة من الامارات كقوات المجلس الانتقالي، ما يضعف فرضية "الاجتياح السريع".

إضافة إلى ذلك، فإن البيئة الشعبية في مناطق سيطرة صنعاء، رغم الأزمات الاقتصادية المتتالية، لم تشهد تمرداً داخلياً، ما يعني غياب الحاضنة لأي طرف مهاجم.

يبدو أن خيار اجتياح بري شامل غير مرجّح في المدى القريب. ما يمكن تصوّره واقعيًا هو تنفيذ عمليات خاصة محدودة، تستهدف منشآت أو شخصيات قيادية ودعم وحدات محلية من قوات درّبتها الإمارات للتحرك على محاور ثانوية واستمرار الضغوط الجوية مع تكثيف الحصار البحري، لخلق بيئة من الإنهاك التدريجي، رغم أن البلد الذي عاش لأكثر من 9 سنوات تحت نير القصف والحصار، قد لا يتأثر بشكل كبير بجرعة اضافية من التضييق، لأنه في الأساس لم يحصل بعد على فرصة لاعادة اعمار ما دمرته الحرب، ولم تسنح له الفرصة بعد، لترميم البنى التحتية لأي نهوض اقتصادي.

هذا السيناريو قد يحقق مكاسب سياسية ودعائية لترامب، دون التورط في مستنقع بري جديد، ويُرضي الإمارات دون أن يحرج السعودية. في حين أن أي تحرك عسكري منظم على الجبهات، قد يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل حوالي عامين، وهذا يعني عدم القدرة على ضمان ضبط الاحداث المتسارعة.

الاندفاع نحو حرب برية في اليمن دون استراتيجية متكاملة هو مغامرة محفوفة بالفشل. اليمن ليس في موقع ضعف استراتيجي، وترامب -رغم نزعته الهجومية- يعرف أن الجغرافيا اليمنية لا تُحتل بسهولة. أما الإمارات، فهي تسعى لمعادلة جديدة تعيدها إلى قلب المشهد، لكن دون السعودية، ستبقى اليد الواحدة غير قادرة على التصفيق ولا على خوض حرب منفردة.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور