الأربعاء 14 أيار , 2025 12:18

نيويورك تايمز: لماذا أعلن ترامب فجأة النصر على حركة أنصار الله؟

ترامب وصورة مولّدة بالذكاء الاصطناعي لإحدى طائرات F/18 التي سقطت في البحر

يكشف هذا المقال الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، المداولات التي حصلت داخل الإدارة الأمريكية، والأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعلان "نصره المزعوم على اليمن".

ويتبين من خلال استعراض المقال لهذه المداولات الداخلية الأمريكية، بأن الوقائع والحقائق الميدانية، تُثبت هاشتاغ: "اليمن تهزم أمريكا"، أي عكس مزاعم ترامب. وأكبر دليل على ذلك هو أن الحملة التي أُطلق عليها اسم "عملية الفارس الخشن – Operation Rough Rider"، تقلّصت مدتها من 8 - 10 أشهر، إلى ما لا يتجاوز 30 يوماً.

النص المترجم:

عندما وافق الرئيس ترامب على حملة لإعادة فتح الملاحة في البحر الأحمر من خلال قصف جماعة الحوثي المسلحة لإجبارها على الخضوع، أراد رؤية نتائج خلال 30 يومًا من الضربات الأولى قبل شهرين.

وبحلول اليوم 31، طلب ترامب، الذي كان دائم الحذر من التورط العسكري الطويل في الشرق الأوسط، تقريرًا عن التقدم، وفقًا لمسؤولين في إدارته.

لكن النتائج لم تكن موجودة. فالولايات المتحدة لم تنجح حتى في فرض سيطرة جوية على الحوثيين. وبدلاً من ذلك، بدا أن ما يتشكل بعد 30 يومًا من الحملة المكثفة ضد الجماعة اليمنية هو تورط عسكري أميركي جديد في المنطقة، مكلف وغير حاسم.

أسقط الحوثيون عدة طائرات أميركية من طراز MQ-9 Reaper، وواصلوا إطلاق النار على السفن البحرية في البحر الأحمر، بما في ذلك حاملة طائرات أميركية. كما أن الضربات الأميركية استنزفت الأسلحة والذخائر بمعدل يقارب مليار دولار في الشهر الأول فقط.

ولم يُحسن الأمر أن طائرتين أميركيتين من طراز F/A-18 Super Hornet، تبلغ قيمة كل منهما 67 مليون دولار، سقطتا عرضًا من حاملة الطائرات الرئيسية في البحر أثناء تنفيذ مهام ضد الحوثيين.

وبحلول ذلك الوقت، كان ترامب قد نفد صبره.

وأفاد ستيف ويتكوف، مبعوثه إلى الشرق الأوسط، والذي كان يشارك أصلاً في محادثات نووية مع إيران بوساطة عمانية، بأن مسؤولين عمانيين اقترحوا مخرجًا مثاليًا لترامب في مسألة الحوثيين، بحسب ما نقل مسؤولون أميركيون وعرب. ويتضمن المقترح أن توقف الولايات المتحدة حملة القصف، مقابل أن تتوقف الجماعة عن استهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر، من دون التوصل إلى اتفاق بشأن وقف تعطيل الملاحة التي تعتبرها الجماعة داعمة لإسرائيل.

وتلقى مسؤولو القيادة المركزية الأميركية أمرًا مفاجئًا من البيت الأبيض في الخامس من أيار / مايو بـ"تجميد" العمليات الهجومية.

وعند إعلان وقف العمليات العسكرية، بدا الرئيس وكأنه يُبدي نوعًا من الإعجاب بالجماعة الإسلامية المسلحة، رغم أنه كان قد تعهد في وقت سابق بـ"إبادتها بالكامل".

قال ترامب: "لقد ضربناهم بشدة، وكان لديهم قدرة كبيرة على تحمل العقاب"، وأضاف: "يمكن القول إن هناك الكثير من الشجاعة لديهم". وأردف: "لقد أعطونا كلمتهم أنهم لن يطلقوا النار على السفن بعد الآن، ونحن نحترم ذلك".

ويبقى ما إذا كان ذلك صحيحًا أم لا، أمرًا سيظهر لاحقًا. فقد أطلق الحوثيون يوم الجمعة صاروخًا باليستيًا باتجاه إسرائيل، مما أدى إلى انطلاق صفارات الإنذار ودفع الناس إلى مغادرة الشواطئ في تل أبيب. وقد اعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية الصاروخ.

ويُظهر إعلان النصر المفاجئ على الحوثيين كيف أن بعض أعضاء فريق الأمن القومي للرئيس قد قلّلوا من شأن جماعة معروفة بصمودها. وكان الجنرال مايكل إي. كوريلّا، قائد القيادة المركزية، قد دفع نحو حملة عسكرية قوية، وهو ما أيده في البداية وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي، وفقًا لعدة مسؤولين مطلعين على المناقشات. لكن الحوثيين عززوا العديد من مخابئهم ومستودعات أسلحتهم طوال فترة القصف المكثف.

والأهم من ذلك، أن هؤلاء المسؤولين أساؤوا أيضًا تقدير مدى تحمل ترامب للصراعات العسكرية في المنطقة، والتي يزورها هذا الأسبوع، مع محطات في السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. فترامب لم يؤمن قط بالتورط العسكري الطويل في الشرق الأوسط، وقد قضى فترته الرئاسية الأولى محاولًا إعادة الجنود من سوريا وأفغانستان والعراق.

علاوة على ذلك، كان الجنرال دان كاين، الرئيس الجديد لهيئة الأركان المشتركة الذي عيّنه ترامب، قلقًا من أن تؤدي حملة مطوّلة ضد الحوثيين إلى استنزاف الموارد العسكرية بعيدًا عن منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقد شارك سلفه، الجنرال تشارلز ك. براون الابن، هذا الرأي قبل أن يُقال من منصبه في شباط / فبراير.

وبحلول الخامس من أيار / مايو، كان ترامب مستعدًا للمضي قدمًا، بحسب مقابلات أجريت مع أكثر من 12 مسؤولًا حاليًا وسابقًا على اطلاع على النقاشات الدائرة داخل الدائرة الأمنية للرئيس. وقد تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم لوصف تلك النقاشات الداخلية.

قال ترامب في تصريحات أدلى بها من البيت الأبيض يوم الأربعاء: "نحن نحترم التزامهم وكلمتهم".

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، في بيان لصحيفة نيويورك تايمز، إن "الرئيس ترامب نجح في تحقيق وقف إطلاق نار، وهو إنجاز آخر جيد لأميركا وأمننا". وأضافت أن الجيش الأميركي نفّذ أكثر من 1100 ضربة، قتل خلالها مئات من مقاتلي الحوثي، ودمر أسلحتهم ومعداتهم.

وقال كبير المتحدثين باسم البنتاغون، شون بارنيل، إن العملية كانت منذ بدايتها تهدف إلى أن تكون محدودة. وأضاف في بيان عبر البريد الإلكتروني: "كل جانب من جوانب الحملة تم تنسيقه على أعلى المستويات المدنية والعسكرية من القيادة".

ودافع مسؤول كبير سابق مطلع على محادثات اليمن عن مايكل والتز، مستشار الأمن القومي السابق لترامب، قائلًا إنه اضطلع بدور تنسيقي ولم يكن يدفع باتجاه سياسة معينة سوى تحقيق هدف الرئيس.

وكان الجنرال مايكل كوريلّا يسعى إلى استهداف الحوثيين منذ تشرين الثاني / نوفمبر 2023، عندما بدأت الجماعة بمهاجمة السفن المارة عبر البحر الأحمر كوسيلة للضغط على إسرائيل بسبب غزوها لغزة.

لكن الرئيس جو بايدن كان يعتقد أن الدخول في حملة عسكرية واسعة ضد الحوثيين سيُكسبهم مكانة دولية أكبر، ولذلك وافق فقط على ضربات محدودة ضد الجماعة. إلا أن ذلك لم ينجح في وقفهم.

والآن، أصبح لدى الجنرال كوريلّا قائد أعلى جديد.

فقد اقترح حملة تمتد من 8 إلى 10 أشهر، تنفذ خلالها طائرات سلاح الجو والبحرية الأميركية ضربات تستهدف أنظمة الدفاع الجوي الحوثية. وبعد ذلك، قال، ستنفذ القوات الأميركية عمليات اغتيال دقيقة على غرار ما فعلته إسرائيل مؤخرًا ضد حزب الله، بحسب 3 مسؤولين أميركيين.

وقد دعم المسؤولون السعوديون خطة الجنرال كوريلّا، وقدموا قائمة أهداف تضم 12 من كبار قادة الحوثيين، قائلين إن مقتلهم سيُشل الحركة. أما الإمارات العربية المتحدة، الحليف الأميركي القوي الآخر في المنطقة، فلم تكن متأكدة من جدوى الخطة. فقد صمد الحوثيون أمام سنوات من القصف السعودي والإماراتي.

وبحلول أوائل آذار / مارس، وافق ترامب على جزء من خطة كوريلّا — ضربات جوية ضد أنظمة الدفاع الجوي الحوثية وضربات تستهدف قادة الجماعة. وأطلق وزير الدفاع بيت هيغسث على الحملة اسم "عملية الفارس الخشن" (Operation Rough Rider).

لكن في مرحلة ما، تقلّصت الحملة التي كانت مقررة لثمانية إلى عشرة أشهر، إلى مهلة لا تتجاوز 30 يومًا لإظهار النتائج.

وفي تلك الأيام الثلاثين الأولى، أسقط الحوثيون سبع طائرات أميركية من طراز MQ-9 Reaper (تبلغ قيمة الواحدة نحو 30 مليون دولار)، مما أعاق قدرة القيادة المركزية الأميركية على تتبع الجماعة المسلحة واستهدافها. وكاد الدفاع الجوي الحوثي أن يصيب عدة طائرات أميركية من طراز F-16 وطائرة واحدة من طراز F-35، مما جعل احتمال وقوع إصابات أميركية أمرًا واقعيًا، بحسب ما قاله عدة مسؤولين أميركيين.

وقد تحقق ذلك الاحتمال عندما أصيب طياران وعضو في طاقم سطح الطيران في حادثتين منفصلتين لطائرتي F/A-18 Super Hornet، سقطتا في البحر الأحمر من على متن حاملة الطائرات "هاري إس. ترومان" خلال 10 أيام فقط.

في هذه الأثناء، كان عدد من أعضاء فريق الأمن القومي للرئيس ترامب يواجهون انتقادات وتسريبات حول أن بيت هيغسث، وزير الدفاع، عرّض حياة الطيارين الأميركيين للخطر من خلال نشر خطط عمليات الضربات في مجموعة دردشة على تطبيق "سيغنال". وكان مايكل والتز هو من أنشأ المجموعة، وضمّ عن غير قصد صحفيًا إليها.

وبحسب البنتاغون، فقد استهدفت الضربات الأميركية أكثر من 1000 هدف، بما في ذلك عدة منشآت للقيادة والسيطرة، وأنظمة دفاع جوي، ومرافق متقدمة لتصنيع الأسلحة، ومواقع لتخزين الأسلحة المتقدمة. وأضاف الجيش أن أكثر من عشرة من كبار قادة الحوثيين قد قُتلوا.

لكن تكلفة العملية كانت مذهلة. فقد اعترف مسؤولون، بشكل غير علني، بأن البنتاغون نشر حاملتي طائرات، إضافة إلى قاذفات B-2 وطائرات مقاتلة، إلى جانب أنظمة الدفاع الجوي "باتريوت" و"ثاد" في الشرق الأوسط. وبحلول نهاية الأيام الثلاثين الأولى من الحملة، كانت التكلفة قد تجاوزت مليار دولار، بحسب هؤلاء المسؤولين.

وقد استُخدم عدد كبير من الذخائر الموجهة بدقة، وخاصة الصواريخ المتقدمة بعيدة المدى، إلى درجة أن بعض المخططين في البنتاغون بدأوا يشعرون بقلق متزايد إزاء المخزون العام وتبعات ذلك في حال اضطرت الولايات المتحدة لصدّ محاولة غزو صينية لتايوان.

ورغم كل ذلك، استمر الحوثيون في إطلاق النار على السفن والطائرات المسيّرة، وعملوا على تحصين ملاجئهم ونقل مخزونات أسلحتهم تحت الأرض.

بدأ البيت الأبيض بالضغط على القيادة المركزية للحصول على مؤشرات لنجاح الحملة. فردّت القيادة بتقديم بيانات تُظهر عدد الذخائر التي أُسقطت. أما مجتمع الاستخبارات، فقد أشار إلى وجود "تدهور جزئي" في قدرات الحوثيين، لكنه حذّر من أن الجماعة قادرة بسهولة على إعادة بناء قدراتها، بحسب ما قاله مسؤولون.

نظر كبار المسؤولين في الأمن القومي في مسارين اثنين: إما تصعيد العمليات لشهر إضافي، ثم تنفيذ مناورات "حرية الملاحة" في البحر الأحمر باستخدام مجموعتي حاملة الطائرات "كارل فنسن" و"ترومان". وإذا لم يفتح الحوثيون النار على السفن، فإن إدارة ترامب ستعلن النصر.

أو، بحسب قول المسؤولين، يمكن تمديد الحملة لمنح قوات الحكومة اليمنية وقتًا لإعادة إطلاق هجوم يهدف إلى طرد الحوثيين من العاصمة والموانئ الرئيسية.

وفي أواخر نيسان / أبريل، نظّم هيغسث مكالمة عبر الفيديو مع مسؤولين سعوديين وإماراتيين، إضافة إلى كبار المسؤولين من وزارة الخارجية والبيت الأبيض، في محاولة للتوصل إلى مسار قابل للاستمرار وحالة نهائية واقعية يمكن تقديمها للرئيس.

لكن المجموعة لم تتمكن من التوصل إلى توافق، بحسب مسؤولين أميركيين.

وانضم لاحقًا إلى هذه النقاشات الجنرال دان كاين، رئيس هيئة الأركان الجديد الذي عيّنه ترامب، وكان متشككًا بشأن حملة طويلة الأمد. وقال مساعدوه إنه كان قلقًا بشأن توفير الأصول العسكرية التي يعتقد أنها ضرورية لمنطقة المحيط الهادئ.

ومن بين المشككين الآخرين في الحملة المطوّلة: نائب الرئيس جيه دي فانس، ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ورئيسة موظفي البيت الأبيض سوزي وايلز. أما هيغسث، فقال أشخاص مطّلعون على النقاشات إنه كان يتأرجح بين الرأيين، يدافع عن كلا الطرفين.

لكن ترامب أصبح هو المشكك الأهم.

ففي 28 نيسان / أبريل، اضطرت حاملة الطائرات "ترومان" إلى تغيير مسارها بشكل حاد في عرض البحر لتجنّب نيران حوثية قادمة، بحسب عدة مسؤولين أميركيين. وقد ساهمت هذه المناورة في فقدان إحدى طائرات "سوبر هورنت"، التي كانت تُسحب في ذلك الوقت وسقطت في البحر.

وفي اليوم نفسه، قُتل العشرات في ضربة أميركية استهدفت منشأة للاجئين تديرها جماعة الحوثي، بحسب ما أفادت به الجماعة ومسؤولون إغاثيون.

ثم في 4 مايو، تمكّن صاروخ باليستي حوثي من التملّص من الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وسقط بالقرب من مطار بن غوريون الدولي خارج تل أبيب.

وفي يوم الثلاثاء التالي، اضطر طياران على متن طائرة أخرى من طراز "سوبر هورنت"، مجددًا من على حاملة "ترومان"، إلى القفز من الطائرة بعد أن فشلت في التعلق بالكابل الفولاذي على سطح الحاملة، فسقطت الطائرة في البحر الأحمر.

وبحلول ذلك الوقت، كان ترامب قد قرر إعلان نجاح العملية.

وأعلن مسؤولو الحوثيين وأنصارهم بدورهم "النصر"، وسرعان ما انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وسم (هاشتاغ) يقول: "اليمن تهزم أمريكا".


المصدر: نيويورك تايمز - Newyork Times

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور