في خطوة جديدة، صادق "الكابينت الإسرائيلي" على إقامة "حاجز أمني" على الحدود الشرقية مع الأردن، إلى جانب مشروع موازٍ لبناء تجمع استيطاني في المنطقة. تأتي هذه الخطوة في توقيت حساس يتزامن مع التصعيد في غزة. وتعمل الخطة على شقين: استراتيجي كخطة "لتعزيز أمن الكيان على المدى البعيد"، وتوسعي يتمثّل كالعادة في توظيف أي مستجد لتعزيز المشروع الاستيطاني. وبحسب رواية العدو، فإن الهدف المعلن من هذا المخطط يتمثل في إحباط أي محاولة قد تقوم بها إيران "لاستغلال الحدود الشرقية" – عبر تهريب أسلحة أو إدخال عناصر – لفتح جبهة جديدة ضد الكيان. ويبدو أن هذا المخطط قد تسارعت عملية المصادقة عليه بفعل المتغيرات الميدانية، خصوصاً بعدما شهدت الحدود الأردنية عمليتين نوعيتين (جسر اللنبي والبحر الميت) نفّذهما أردنيون ضد جنود الاحتلال. فما هي دلالات هذا المخطط؟ وهل هو إجراء احترازي فقط؟
التخوف من جبهة جديدة
يشير المخطط الذي طُرح سابقاً في أكثر من مناسبة، لكن جرى التصديق عليه رسمياً الآن، إلى أن لدى العدو تقديراً بارتفاع احتمالات تشكّل بنية مقاومة داخل الأردن في المدى القريب. ويستند هذا التقدير إلى عدة مؤشرات، منها محاولات التسلّل المتكررة عبر الحدود الشرقية، ومحاولات تهريب السلاح إلى الضفة الغربية انطلاقاً من هذه النقطة. ولهذا، جاءت المصادقة السريعة من "الكابينت" على بناء "الحاجز الأمني"، الذي من المتوقع أن يستغرق بناؤه ثلاث سنوات، بتكلفة تقارب 1.4 مليار دولار. ورغم الاتفاقية المعقودة مع الأردن منذ عام 1994، إلا أن لدى العدو "الإسرائيلي" مبدأ مفاده "أن أصدقاء اليوم قد يتحولون إلى خصوم الغد"، خصوصاً في ظل تحولات إقليمية سريعة. وهذا ما يجعل الجبهة الشرقية مرشحة – في عقل المؤسسة الأمنية للعدو – للتحول إلى ساحة مواجهة محتملة، ما يتطلب تحصينها مادياً وعسكرياً.
هاجس 7 أكتوبر
شكّل هجوم 7 أكتوبر نقطة تحوّل في العقل الأمني "الإسرائيلي"، بعدما كان الكيان يعتبر نفسه ممسكاً بزمام المبادرة في قطاع غزة، عبر نظام مراقبة مشدد يضمن – بحسب تقديره – حماية مستوطنات الغلاف وإحكام السيطرة على تحركات المقاومة. إلا أن المفاجأة المباغتة التي نفذتها فصائل المقاومة، والتي أسقطت تلك المنظومة الأمنية والعسكرية خلال ساعات، خلقت عقدة أمنية دفعت العدو إلى إعادة التفكير في بنية تحصيناته. في هذا السياق، يبدو أن مخطط "الحاجز الأمني" الجديد مع الأردن يأتي كجزء من محاولات استباق أي سيناريو مشابه، خصوصاً أن المخطط الجديد مع الحدود الشرقية يتضمن تجهيزات متطورة مثل أجهزة استشعار عالية الحساسية، مراكز قيادة وتحكم، وانتشار وحدات عسكرية. كل ذلك يشير إلى أن خشية العدو من أي تهديد وجودي يدفعه إلى العودة لمنطق تحصين الحدود كأداة وقائية، حتى وإن كان يدرك ضمناً أن التحصينات لم تمنع مباغتة غزة، وقد لا تمنع تكرارها في جبهة أخرى إن حصلت.
تهديد الشعوب
تكشف خطوة بناء "الحاجز الأمني" أيضاً عن إدراك "إسرائيلي" متزايد بأن الاتفاقيات التي تقيد الدول قد لا تمنع الشعوب التي ما زالت تعتبر فلسطين قضيتها المركزية من المقاومة. ويدرك العدو أن الموقف الشعبي قد يكون مغايراً لموقف الحكومات. هذا الفصل يضع احتمالية تحول الأراضي الأردنية في لحظة ما، إلى ساحة دعم فعلي للمقاومة أمام العدو. لذلك، فإن التحصين الميداني للجبهة الشرقية ليس فقط إجراءً احترازياً، بل هو انعكاس لأزمة أعمق قد تهدد أمن الكيان وهذا ما ليس بوسع العدو تحمله مرةً أخرى.
في المحصلة، المخطط "الإسرائيلي" بإقامة حاجز أمني واستيطاني على الحدود الأردنية مرتبط بعقلية ما بعد 7 أكتوبر، حيث بات العدو يرى التهديد في كل اتجاه، وبينما يحاول العدو تحصين حدوده فإن التجربة أثبتت إمكانية اختراق أكثر المنظومات الأمنية تعقيداً.
الكاتب: غرفة التحرير