الأربعاء 21 أيار , 2025 12:59

الاختراق الناعم (3): إيران الجبهة الأصعب

فشل محاولات العدو في اختراق المجتمع الإيراني.

استكمالاً لسلسلة مقالات "الاختراق الناعم"، الذي وصفناه بأنه تغلغل للعدو في مجتمعٍ معيّن بعد رصد نقاط ضعفه بهدف إخضاعه، نعرض في هذا المقال نموذج الاختراق الناعم الذي مارسه العدو على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من خلال أدوات مختلفة. بعد فشل العدو في المواجهة المسلحة المباشرة مع إيران، ونظراً لتأثيرها الإقليمي المتزايد ودعمها لحركات المقاومة، بدأ ينظر إليها كتهديد وجودي حقيقي. من هنا، لجأ إلى اعتماد أساليب ناعمة، تهدف إلى اختراق المجتمع الإيراني داخلياً، والتأثير على ثقافته ومبادئه، من أجل إضعاف الدولة وتقويض دورها الإقليمي. فما هي الأدوات التي استخدمها العدو للتغلغل في الداخل الإيراني؟ وما هي أهدافه الفعلية من الخرق؟

أدوات الخرق الناعم ضد إيران

دأب العدو، في إطار حربه الناعمة، على توظيف الشعارات البراقة في المجتمعات المستهدفة، كمدخل للتأثير على وعي الناس وقيمهم. ومن أبرز هذه الشعارات: "حقوق المرأة"، "الحرية"، و"الانفتاح". في هذا السياق، يعمل على إجراء مقارنات خادعة، يُظهر فيها نمط حياته على أنه مثالي، مليء بالرفاهية والحرية الشخصية والانفتاح الثقافي. إلا أن المفارقة تتجلى في التجربة الميدانية للعديد ممن احتكوا بالمجتمع الغربي عن قرب، سواء من الإيرانيين أو العرب، والذين اكتشفوا أن الصورة المروَّجة لا تعكس الواقع. فالمجتمع الغربي يعاني من أزمات بنيوية حادة: تفكك أسري، ضياع في الهوية، تفشي الإدمان، تجارة المخدرات، ارتفاع معدلات الانتحار والجريمة، وانحلال أخلاقي واسع. وبالتالي، فإن تلك الصورة التي يسوّق لها العدو هي صورة مصطنعة، لا تعكس الحقيقة، بل تمثل نموذجاً مشوهاً يُستخدم كأداة لزرع الإحباط والشك داخل المجتمعات المستهدفة. في مقابل هذه الصورة المصطنعة، نجد النموذج الإيراني يتعامل مع مفاهيم مثل احترام المرأة من منظور واقعي وفعّال؛ حيث تُمنح المرأة دوراً محورياً في المجتمع، وتُصان كرامتها من خلال الجمع بين الاحتشام والمشاركة الفاعلة. وهذا التوازن هو ما يفتقر إليه النموذج الغربي رغم كل دعايته. الأداة الثانية التي يعتمد عليها العدو هي الإعلام الموجَّه، الذي يُستخدم لترويج الشائعات وتشويه صورة الجمهورية الإسلامية. يتم ذلك عبر منصات ناطقة بالفارسية والعربية، تنقل صورة مغلوطة ومجتزأة عن الداخل الإيراني. من بين أبرز الأمثلة على ذلك، قضية شبكة الجواسيس التي ألقت السلطات الإيرانية القبض عليها، وكانت تضم إيرانيين يحملون جنسيات أجنبية، من أبرزهم نازنين زاغري، التي استُخدمت كأداة إعلامية لتقليب الرأي العام وتضليل المتابعين. أما الأداة الثالثة فهي الحصار الاقتصادي، الذي يُستخدم كسلاح خفي لخنق الداخل الإيراني، بهدف دفع الشعب إلى التمرد على النظام، وخلق حالة من السخط الجماعي. يترافق هذا الحصار مع حملات إعلامية مدروسة، تروّج لفكرة أن جذور الأزمة المعيشية في إيران تعود إلى طبيعة النظام الإسلامي، وليس إلى العقوبات الخارجية. ويُطرح الانفتاح على الغرب كخلاص وحيد، في محاولة لجرّ إيران إلى التخلي عن منظوماتها القيمية وهويتها.

الأهداف الحقيقية للاختراق الناعم

من خلال هذا الخرق، يسعى العدو إلى نشر اليأس والإحباط في أوساط المجتمع الإيراني، وخصوصاً فئة الشباب التي تشكّل البنية الحيوية لمستقبل البلاد. ويهدف كذلك إلى خلق فجوة بين الشعب والنظام، عبر التشكيك بشرعية الثورة الإسلامية والدولة التي انبثقت عنها. من أبرز أهداف هذا المسار أيضاً ضرب صورة الولي الفقيه، والسعي إلى فصل الدين عن السياسة، نظراً للخطر الكبير الذي يُشكّله حضور السيد القائد علي الخامنئي، كرمز للثبات والقيادة، في مواجهة المخططات الغربية. يعمل العدو كذلك على تحويل الشارع إلى أداة بيده، يحرّكه وقتما يشاء، سواء عبر الإعلام الموجّه، أو من خلال الضغوط الاقتصادية والعقوبات المتتالية، لزعزعة الاستقرار. وفي نهاية المطاف، يرمي إلى تقويض النموذج الإسلامي من الداخل، وتحويله إلى هيكل فارغ من مضمونه الجوهري، عبر تفريغه من قيمه وثوابته.

مقوّمات الحصانة في النموذج الإيراني:

القيادة الواعية

يمتاز السيد القائد علي الخامنئي بقدرته على مواجهة هذا النوع من الحروب، لا من خلال ردود الفعل، بل عبر التحليل والتوجيه. ويملك وعياً متقدّماً بخطورة الحرب الناعمة وأدواتها الخفية، وقد خصّص في هذا المجال أبحاثاً وقراءات معمّقة، تؤكّد إدراكه لطبيعة هذه المواجهة وضرورة التصدّي لها بوسائل فعّالة وعقلانية.

تثبيت الوعي المجتمعي

تُشكّل التعبئة الثقافية والإعلامية إحدى الركائز الأساسية لمواجهة حملات التشويه. ويجري دعم المؤسسات الدينية والتربوية لإنتاج خطاب صلب ومقنع، بالتوازي مع العمل النشط في مجال إنتاج الأفلام والوثائقيات التي تبرز نقاط القوة والنمط الفعّال للجمهورية الإسلامية، وتُقدّم صورة مغايرة لتلك التي يسعى العدو لتكريسها.

المشاركة الفاعلة للمرأة

على عكس ما يصوّره الإعلام الغربي، فالمرأة الإيرانية ليست منعزلة أو منطوية، بل تبرز كنموذج فعّال في المجتمع. وقد ظهرت نماذج مشرقة لنساء تميّزن في مجالات الطب، والسياسة، والجيش، والبحث العلمي، بما يدحض تماماً صورة القمع التي يُراد تصديرها. وتُقدّم هذه التجربة بديلاً متمايزاً عن التصورات الغربية لدور المرأة ومكانتها.

الاكتفاء الذاتي والاقتدار

اختارت الجمهورية الإسلامية الاعتماد على الاكتفاء الذاتي في مجالات حيوية، كالصناعة، والزراعة، والطاقة، والأدوية، ما مكّنها من الاستغناء عن خدمات الغرب التي غالباً ما تأتي مشروطة وضررها أكبر من نفعها. وقد حوّلت إيران الحصار الاقتصادي إلى فرصة لبناء اقتصاد مستقل ومنيع، متحرّر من التبعية وهيمنة النظام العالمي.

حصانة الجمهورية الإسلامية وقيادتها حالت دون وقوعها في فخاخ العدو كما خُطط لها، وأسهمت في إفشال مساعيه لتحويل الساحة الإيرانية إلى ساحة تخدم مصالحه. ورغم كل ما يحيكه، إلا أن العدو يقيم لإيران وزناً ويحسب لها ألف حساب، مدركاً أنها دولة مقتدرة، ذات سيادة راسخة، وعصية على الإخضاع.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور