الخميس 22 أيار , 2025 03:49

"توصيات" معهد واشنطن لنزع السلاح؟

مطالبات أمريكية بنزع سلاح حزب الله والفصائل قبل الانتخابات النيابية.

في ظل التصعيد الإقليمي المتزايد، تأتي هذه المرحلة كواحدة من أخطر المراحل التي يمر بها لبنان منذ عقود، نظراً لما يُحاك له من مشاريع تستهدف بنيته الأمنية والسياسية والاجتماعية، تحت عناوين مثل "نزع السلاح" و"تعزيز سيادة الدولة". المقال الذي ننقله أدناه والذي نشره "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، أحد أبرز أذرع الضغط الفكري والسياسي الذي يمارسه العدو. حيث يُشكّل نموذجاً واضحاً لطبيعة التفكير العدواني الذي يوجّه السياسات الغربية تجاه لبنان، ولا سيما ما بعد الحرب الأخيرة. يسعى المقال إلى رسم خارطة طريق تدريجية تبدأ بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات، ولا تنتهي إلا بإخضاع حزب الله وتجريده من قوته العسكرية والسياسية. وهو بذلك يربط بين وجود السلاح الفلسطيني في لبنان واستمرار "هيمنة" حزب الله، معتبراً أن أي تفكيك لمنظومة السلاح يجب أن يشمل الطرفين معاً. كما يعكس المقال ضغوطاً سياسية خارجية واضحة، إذ يشترط تقديم الدعم المالي والإغاثي للبنان بتنفيذ بنود هذا المخطط، ويعتبر أن تأجيل حسم هذا الملف قد يؤدي إلى ضياع فرصة "إعادة بناء الدولة" قبل الانتخابات النيابية المقبلة. في هذا السياق، ومن باب معرفة العدو ورصد مساراته وخططه، نعرض هذا المقال كنص يُعبّر عن ذهنية معادية يجب فهمها بدقة، لتحصين الجبهة الداخلية، وكشف أدوات الحرب التي تستهدف لبنان ومقاومته. الاطلاع على مثل هذه الأوراق السياسية وتحديداً توصياتها والتي سنتطرق إلى ترجمتها ضروري في هذه المرحلة الحساسة، من باب إدراك ما يُراد لهذا البلد من الخارج.

النص المترجم:

نظراً للتنسيق العميق بين هذه الجماعات على المستويين التاريخي والراهن، تحتاج بيروت إلى تغيير عقليتها القائمة على التعامل مع هذه الأطراف بشكل منفصل، والعمل على صياغة استراتيجية موحّدة لنزع سلاحها جميعاً وكلما كان ذلك أسرع، كان أفضل. حذّر المجلس الأعلى للدفاع في بيروت، الأسبوع الماضي، حركة "حماس" وفصائل فلسطينية مسلّحة أخرى من القيام بأي أنشطة في لبنان قد تُعرّض أمن البلاد للخطر. وجاء هذا التحذير عقب اجتماع بين أعضاء المجلس والرئيس جوزيف عون، خُصّص للبحث في مسألة نزع السلاح الكامل داخل المخيمات الفلسطينية. وفي وقت سابق اليوم، وبعد محادثات جرت بين عون ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بيروت، أصدر الزعيمان بياناً مشتركاً أعلنا فيه إنهاء "السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية"، وتعهدا بألا تبقى المخيمات الفلسطينية المحلية "ملاذاً آمناً للجماعات المتطرف". ومع أن تحذيرات بيروت الأخيرة جاءت بنبرة صارمة، فإنها تظل حتى الآن مجرّد تحذيرات، إذ لم يضع المسؤولون بعد خطة واضحة أو جدولاً زمنياً فعلياً لعملية نزع السلاح. يُعدّ نزع سلاح الفصائل المختلفة في المخيمات الفلسطينية الستة عشر المنتشرة في لبنان مهمة معقدة تتجاوز قدرات القوى الأمنية اللبنانية المحدودة. فبموجب "اتفاق القاهرة" الذي وقّعته بيروت مع ياسر عرفات في عام 1969، برعاية مصرية، تمّ نقل الصلاحية الأمنية داخل المخيمات من الأجهزة اللبنانية إلى وحدات "الكفاح المسلح" التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي شكّلت آنذاك نوعاً من الشرطة المحلية. ومنذ ذلك الحين، لم تدخل القوى الأمنية اللبنانية إلى داخل المخيمات.

وبناءً عليه سنتقدم ببعض التوصيات لإنجاز هذه المهمة:

نظراً للعلاقات العميقة بين الفصائل الفلسطينية المحلية وحزب الله، فإن لبنان على الأرجح لن يتمكن من نزع سلاح طرف دون الآخر. ويفضّل الجيش اللبناني تجنّب المواجهات المباشرة خوفاً من إشعال "صراع أهلي" مع المجتمعين الفلسطيني والشيعي في البلاد.

وفي مقابلة تلفزيونية مصرية أُجريت الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس ميشال عون أنه يتبادل رسائل مع حزب الله بشأن هذا الملف، لكنه أشار إلى أنه لا ينبغي تنفيذ هذه الخطوة على نحو متسرّع. كما قال إنّ حل بعض القضايا اللبنانية قد يعتمد على نتائج مفاوضات واشنطن مع إيران. إلا أنّ انتظار انتهاء تلك المحادثات سيكون خطأ. يجب على إدارة ترامب أن توضّح لبيروت أن هذين الملفين غير مرتبطين بغض النظر عن الاتفاق الذي قد تتوصّل إليه واشنطن مع طهران (إن حصل)، سيُتوقّع من لبنان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار مع "إسرائيل" ونزع سلاح جميع "الميليشيات".

ينبغي على المسؤولين اللبنانيين صياغة استراتيجية واحدة لنزع سلاح الفصائل الفلسطينية وحزب الله معاً.

على إدارة ترامب أن تطلب من بيروت متابعة تحذيراتها الأخيرة بوضع جدول زمني لنزع السلاح، وتحديد مهل واضحة للفصائل الفلسطينية وحزب الله لتسليم أسلحتهم. ومن المرجح أن تحتاج السلطات اللبنانية أيضاً إلى تنفيذ مداهمات محدودة في بعض المخيمات الفلسطينية الصغيرة، لتُظهر جديتها في تنفيذ هذه الاستراتيجية، ثم الانتقال إلى المخيمات الأكبر في الجنوب مثل الرشيدية وعين الحلوة. وإذا استمر حزب الله في رفض نزع سلاحه بعد تلقّيه هذه الرسائل الحازمة، فقد يصبح من الضروري خوض مواجهة أوسع

بالطبع كلفة الصدام مع الفصائل الفلسطينية وقوات حزب الله ستكون باهظة من حيث "الضحايا المحليين" والدمار. إلا أن كلفة الفشل في نزع سلاحهم ستكون أعلى أي اندلاع حرب شاملة جديدة مع "إسرائيل"، واستمرار هيمنة حزب الله الكاملة على خزينة الدولة اللبنانية وسياستها الخارجية.

الجيش اللبناني أصبح الآن قادراً على تنفيذ هذه المهمة، لكنه يحتاج فقط إلى تفويض سياسي كافٍ. كما أن المزيد من المعدات والمساعدة اللوجستية سيكون مفيداً؛ وإذا أظهرت بيروت عزيمة أكبر، فعلى واشنطن أن تدرس تقديم المساعدة في الأمرين.

ينبغي على الولايات المتحدة وشركائها أن يجعلوا من نزع السلاح شرطاً مسبقاً لأي نوع آخر من الدعم للبنان، بما في ذلك المساعدات المالية وإعادة الإعمار التي يمكن أن تأتي من دول الخليج.

على بيروت أن تدرك أنها إما أن تنفّذ اتفاق وقف إطلاق النار بالكامل أو تواجه عزلة دبلوماسية ومالية شاملة.

إذا لم يتم نزع سلاح "الميليشيات" قبل موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2026 بوقت كافٍ، فقد يفقد الناخبون الثقة بالدولة الجديدة ويعودون إلى "شياطينهم المألوفين" -أي حزب الله وحلفاؤه-.


المصدر: The Washington institute for near East policy

الكاتب: Hanin Ghadar, Ehud Yaari




روزنامة المحور