الأربعاء 09 تموز , 2025 03:52

قراءة في مقابلة الشيخ نعيم قاسم: حزب الله أشدّ عوداً

الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم

جاءت مقابلة الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، عبر قناة "الميادين"، لتؤكد على ثبات المقاومة في لبنان، وارتكازها على معادلة ردع متقدمة، رغم كثافة الاستهداف الإعلامي والسياسي والعسكري في المرحلة الماضية. كلام الشيخ شكّل قراءة استراتيجية لما بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في أيلول/سبتمبر 2024، وانطوت على رسائل سياسية وأمنية تجاه الداخل والخارج، أهمها: نحن اليوم أقوى... والعدو يعرف ذلك.

ما بعد الحرب – الاستعادة والتحول

أشار الشيخ قاسم إلى أن "حزب الله استعاد كامل جهوزيته"، في دلالة واضحة إلى أن الحرب، رغم ضراوتها، لم تنل من قدرة المقاومة، بل زادتها عزيمة. كما تحدث عن تطور قدرات الحزب، ليس فقط في المواجهة العسكرية، بل في الحرب النفسية والإعلامية، والمرونة الميدانية. ومن المهم أن هذا الكلام يأتي في سياق تطورات إقليمية حساسة، ما يؤكد أن الحزب تجاوز محاولة استنزافه، وبات على استعداد للجولة القادمة.

رسائل للداخل اللبناني والخارج

من خلال المقابلة، وجه الشيخ قاسم رسائل واضحة:

للمجتمع اللبناني: المقاومة باقية، وتخوض المعركة دفاعاً عن سيادة لبنان وليس خدمة لأي مشروع خارجي. وكذلك وجودها لا يضر أبداً بكيان لبنان بل يحميه ويمنحه موقع قوة.

للاحتلال الإسرائيلي: لا تراهنوا على إنهاك المقاومة أو بيئتها أو على الجو الذي يشي بأن حزب الله فقد شعبيته لأن حزب الله يتمتع بأكبر شعبية في لبنان وهو أكبر حزب كذلك فيه. ونلفت هنا إلى أنه وبعد زيارة المبعوث الأمريكي توم باراك إلى لبنان لفت إلى أن حزب الله يتمتع بحضور سياسي وشعبي ولهذا لا يمكن التعامل معه بسياسة الفرض وهو حزب له حيثيته ومكانته في لبنان.

للغرب والوسطاء: زمن الضغوط انتهى وحزب الله يملك أوراقاً لم تُستخدم بعد.

نزع السلاح مرفوض

وجّه الشيخ قاسم رسائل واضحة إلى الداخل اللبناني، في وجه كل من يدعو إلى نزع سلاح المقاومة أو محاولة جرّ لبنان نحو اتفاقات مشابهة للتطبيع. ورفض بشكل قاطع فكرة "سحب سلاح الحزب"، مشيراً إلى أن من يروّج لهذه الطروحات يخدم الأعداء من حيث يدري أو لا يدري.

هل الشيعة في خطر؟

في معرض تفسيره لتعبير "الشيعة في خطر وجودي"، أوضح الشيخ قاسم أنّ هذا الخطر لا يقتصر على البعد الطائفي، بل هو تهديد وجودي يتجلى بمحاولات إقصاء المكوّن الشيعي عن القرار السياسي والمقاومة. فالحديث عن إدخال "شيعي مستقل" إلى المجلس النيابي لا ينتمي إلى حزب الله أو حركة أمل، ليس إلا غطاءً لضرب هذه الثنائية التي شكّلت عماد الدفاع عن لبنان منذ التحرير وحتى اليوم. كما حذّر الشيخ قاسم من أنّ تغييب المقاومة عن الجنوب أو ضرب تمثيلها السياسي سيمهّد الطريق أمام الاحتلال الإسرائيلي للتمدد مجدداً نحو القرى المحتلة، والشيعة حينها سيكونون أول من يدفع الثمن، لأنهم على تماس مباشر مع الخطر. ومن هنا، شدّد على أن أي محاولة لفصل حزب الله عن حركة أمل، أو التشكيك بدور الرئيس نبيه بري، ليست سوى أدوات في مشروع أكبر يستهدف المقاومة من داخل بيئتها. الشيخ قاسم وجّه رسالة واضحة: الخطر لا يهدد الحزب وحده، بل يهدد وحدة الموقف الشيعي، ويطال الأمن الوطني اللبناني في عمقه.

دور اليونيفيل

تناول الشيخ قاسم ملف قوات اليونيفيل في الجنوب اللبناني، وقال إن الحزب يراقب بدقة أي تجاوز من هذه القوات لتفويضها الأممي. وشدّد على أن مهمة اليونيفيل محصورة بدعم الجيش اللبناني، لا العمل الاستخباري أو التنسيق مع الاحتلال، وأضاف أن أي انحراف في دورها سيُواجَه بموقف حازم من الحزب ومن البيئة الشعبية.

لا أجنحة داخل حزب الله

في ردّ واضح على من يحاول القول بأن حزب الله مقسم إلى تيارات أو أجنحة، نفى الشيخ قاسم بشكل قاطع هذه الفرضية، مؤكداً أن الحزب منظومة فكرية وتنظيمية موحدة، تدار بقيادة واحدة. ورفض أي حديث عن وجود تيارات منفصلة داخل الحزب. مع التأكيد على وجود آراء وهذا طبيعي في أي حزب وبالعكس هذه نقطة مهمة يُبنى عليها.

إيران الداعم الأول

في معرض حديثه عن الدعم الإقليمي والدولي للمقاومة، سلّط الشيخ قاسم الضوء على الدور الحاسم الذي أدّته الجمهورية الإسلامية في إيران في صمود محور المقاومة خلال معركة "طوفان الأقصى". وأوضح أنّ قرار حزب الله بالمساندة الميدانية لم يكن عشوائياً، بل جاء بناءً على تقدير دقيق للظروف والإمكانات، وهو ما شكّل خطوة محسوبة ضمن معادلة إقليمية معقّدة. كما أشار إلى أن الطرف الفلسطيني، وإنْ بدا في البداية غير راضٍ عن حجم المشاركة، عاد لاحقاً ليُدرك جدوى المساهمة اللبنانية ضمن قدراتها. أما بشأن إيران، فكان موقفها مبنياً على إدراك استراتيجي بأنّ دخولها المباشر في المعركة كان سيمنح "إسرائيل" فرصة جرّ الولايات المتحدة إلى مواجهة شاملة، وهو بالضبط ما كان العدو يسعى إليه. هذا التقدير المتوازن للموقف يؤكد مرّة جديدة أن إيران ليست فقط داعماً مالياً وعسكرياً، بل تمتلك كذلك رؤية عقلانية تحافظ على تماسك محور المقاومة وتمنع انزلاقه إلى مواجهات قد تخدم مشروع العدو أكثر مما تضعفه.

نهج الشهيد الأقدس مستمر

أشاد الشيخ قاسم بالقائد الشهيد السيد حسن نصر الله، مؤكداً أن الحزب يدين بوعيه وبقوته لقيادة السيد وحنكته في الميدان والسياسة. وقال إن الحزب يعمل بروح الخط الذي رسمه السيد نصر الله، كما أكد أن أحد أهم أولوياته أن يحافظ على نهجه الذي كان ماضياً فيه. واعتبره من الشخصيات النادرة التي قل نظيرها في هذا الوقت.

حرص الشيخ نعيم قاسم في مقابلته على إيصال رسالة محورية مفادها أن حزب الله، رغم ما لحق به من استهداف مباشر بعد تفجير البيجر واغتيال السيد نصر الله، إضافة إلى الحرب التي اندلعت في أيلول/سبتمبر، استطاع أن يُعيد ترميم نفسه واستعادة قدراته. الحزب اليوم مستعد وجاهز لكل الاحتمالات، واضعاً نصب عينيه هدفاً واحداً: حماية لبنان من مشروع الكيان التوسعي. كما شدّد الشيخ قاسم على أن محور المقاومة ما يزال متماسكاً، متكامل الأدوار، وأن إيران تبقى الداعم الأول لهذا المشروع الاستراتيجي في وجه الهيمنة والعدوان.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور