الجمعة 23 أيار , 2025 12:31

اسرائيل اليوم: الجبهة اليمنية هي اخفاق استخباراتي إسرائيلي آخر منذ 7 أكتوبر

عرض عسكري للقوات المسلحة اليمنية وصاروخ طوفان الباليستي

يصف هذا المقال الذي نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم" وترجمه موقع الخنادق الالكتروني، بأن جبهة اليمن يجب أن تكون أحد الاخفاقات الاستخباراتية لمرحلة ما قبل 7 أكتوبر، خصوصاً وأن مسؤولو الكيان كانوا يعتقدون بأن اليمن هي "جبهة ثانوية"، رغم التحذيرات اليمنية لإسرائيل بأنها ستكون التالية، وهو ما تم تجاهله من الأخيرة.

ويؤكّد المقال بأنه لا يوجد أحد في إسرائيل متفائل بإمكانية إنهاء تهديد صواريخ القوات المسلحة اليمنية بالقوة العسكرية وحدها، كما حصل مع أمريكا أيضاً. وبالتالي قد تستمر صفارات الإنذار المتكررة التي تدفع بملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، طالما أن اليمنيين يختارون مواصلة إطلاق الصواريخ دعماً وإسناداً للمقاومة الفلسطينية في غزة.

النص المترجم:

الإخفاقات الاستخباراتية التي سبقت حرب "السيوف الحديدية" يُتوقع أن تشمل قسماً كبيراً عن الحوثيين. فعلى مدى ما يقارب العقد من الزمان، كان تهديد عسكري جديد لإسرائيل يتنامى في اليمن، إلا أنه لم يحظَ باهتمام كبير، حيث انصبت الأولوية على تهديدات اعتُبرت أكثر إلحاحاً، مثل إيران وحزب الله وحماس. وعلى الرغم من أن الحوثيين ذُكروا أحياناً في الإحاطات والتقييمات الدفاعية، إلا أن ذلك كان غالباً على نحو عابر. ورغم إدراك إسرائيل لقدرات الحوثيين بعيدة المدى، إلا أن كثيرين فوجئوا حين أطلق الحوثيون عشرات الصواريخ والطائرات المسيّرة نحو إسرائيل، وواصلوا زيادة وتيرة إطلاقهم مع مرور الوقت.

ووفقاً لبيانات الجيش الإسرائيلي، من بين عشرات الصواريخ التي أُطلقت باتجاه إسرائيل، اخترق نحو 45 منها المجال الجوي الإسرائيلي، وأكثر من 25 منها منذ منتصف آذار / مارس، عندما استأنف الجيش الإسرائيلي عملياته القتالية في قطاع غزة.

وخلال القتال الممتد، حققت الدفاعات الجوية الإسرائيلية معدلات اعتراض مذهلة، تجاوزت 90%. لكن، وكما أثبتت الحرب مراراً، لا يوجد نظام دفاعي كامل. فالقليل مما ينجح في اختراق تلك الدفاعات قادر على إحداث أضرار كبيرة. فقبل أسبوعين، تسبب صاروخ يمني أفلت من نظام "ثاد" الأمريكي ونظام "حيتس" الإسرائيلي في إحداث حفرة هائلة في المطار الدولي الرئيسي في إسرائيل، ما شكّل نصراً نفسياً كبيراً للحوثيين، ودفع العشرات من شركات الطيران الأجنبية إلى تعليق رحلاتها إلى إسرائيل لأجل غير مسمى. وبخلاف ما يدّعيه الحوثيون، فإن الصواريخ التي يطلقونها ليست فرط صوتية، ولا تتمتع بقدرات مناورات خاصة، إلا أن أنظمة الاعتراض قد تفشل لأسباب متعددة.

ساحة اختبار لإيران

لفهم كيفية التصدي المحتمل لتهديد الحوثيين، من المفيد العودة إلى جذور الجماعة وكيف وصلت إلى السلطة. الحوثيون حركة شيعية متطرفة تنحدر من محافظة صعدة شمال اليمن، نشأت جزئياً نتيجة تهميش الحكومة اليمنية، وبفعل تصاعد الحماس الشيعي المتأثر بالثورة الإيرانية. يفتقر اليمن للبنى التحتية المتقدمة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على النمط الغربي، ويعيش الحوثيون بأنماط حياة بسيطة، معتمدين على شبكات قبلية مترامية الأطراف.

تروج الجماعة لأيديولوجيا شديدة العداء للغرب، تحت شعار: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". وكما هو الحال مع حماس وحزب الله، يمتلك الحوثيون جناحاً مدنياً يدّعي تقديم خدمات عامة، إلى جانب جناح مسلح تطوّر ليصبح بمثابة جيش فعلي.

بدأ الحوثيون تمردهم ضد الحكومة المحلية في عام 2004. ومن المفارقات أن القمع العنيف الذي تعرضوا له لم يُضعفهم، بل زادهم قوة. ومنحهم "الربيع العربي" في عام 2011 زخماً إضافياً، وبحلول نهاية عام 2014، كانوا قد استولوا على صنعاء، عاصمة اليمن، وأصبحوا القوة الحاكمة بحكم الأمر الواقع في شمالي البلاد.

من عام 2015 حتى نيسان / أبريل 2022، خاض الحوثيون حرباً ضد تحالف من الدول العربية السنية بقيادة السعودية والإمارات، كان هدفه إعادة الحكومة اليمنية السنية السابقة إلى السلطة. وخلال هذا الصراع، زودت إيران الحوثيين بمساعدات مالية كبيرة وكميات ضخمة من الذخيرة والأسلحة الفردية والصواريخ والطائرات المسيّرة، مما جعل من اليمن ساحة اختبار لتقنيات إيران العسكرية.

وخلال 7 سنوات الحرب تلك، أطلق الحوثيون صواريخ وطائرات مسيّرة على السعودية، استهدفوا بها منشآت مدنية وعسكرية على حد سواء. وقد بلغ مدى بعض هذه الصواريخ نحو 1200 كيلومتر (750 ميلاً).

"تهديدات أكثر إلحاحاً"
في ذلك الوقت، كانت إسرائيل تتابع هذه التطورات من بعيد. لكن بدأت بعض المؤشرات التحذيرية تظهر، خاصة بعد هجمات كبرى على أهداف سعودية وإماراتية، مثل الضربة التي استهدفت منشآت أرامكو النفطية في آذار / مارس 2021. وفي اليوم التالي مباشرة، أطلق الحرس الثوري الإيراني تهديدات مبطنة ربطت هجوم الحوثيين بإمكانية شن ضربة على إيلات. وكانت الرسالة واضحة: الحوثيون قد يكونون وكيلاً إيرانياً ضد إسرائيل.

وبعد انتهاء القتال مع الدول العربية، احتفظ الحوثيون بترسانة ضخمة من الطائرات المسيّرة وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية بعيدة المدى. وقد حذر بعض المسؤولين في إسرائيل من أن الحوثيين، بعد أن أنهوا حربهم مع السعودية، سيوجهون أسلحتهم نحو إسرائيل. ففي حزيران / يونيو 2022، قال وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، بيني غانتس، إن الحوثيين راكموا العشرات من هذه الأسلحة في انتهاك لحظر الأسلحة الدولي. وقبل أقل من شهر من السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023، كشف الحوثيون عن صاروخ بعيد المدى جديد، يُعتقد على نطاق واسع أنه مُعد لاستهداف إسرائيل. ومع ذلك، ظل جمع المعلومات الاستخباراتية حول الحوثيين أولوية متدنية، في ظل التركيز الأكبر على إيران وحزب الله وحماس.

في 27 تشرين الأول / أكتوبر 2023، وصلت طائرات الحوثيين المسيّرة إلى خليج إيلات لأول مرة، وتم اعتراضها. وبعد أربعة أيام، أطلقوا أول صاروخ أرض-أرض باتجاه إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، شهدت وتيرة الهجمات تذبذباً يتماشى مع العمليات الإسرائيلية في غزة: تقلّ عندما توقف إسرائيل حملتها، وتتصاعد مع استئناف القتال.

بالنسبة لكثير من الإسرائيليين، يُعد الحوثيون عدواً محيّراً، يبدون بدائيين ظاهرياً، لكنهم يمتلكون أسلحة متطورة بدعم من دولة راعية. ومع تراجع قوة كل من حماس وحزب الله، تصدّر الحوثيون المشهد ضمن المحور الشيعي بقيادة إيران، ما أدى إلى إطلاق إنذارات جماعية دفعت بملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، وتسببت بأضرار اقتصادية ولوجستية كبيرة. وزاد هذا الظهور البارز في الهجمات ضد إسرائيل من ثقتهم بأنفسهم ودوافعهم.

بعيدون، معزولون، مصممون بشدة
لمدة أربعة أشهر، امتنعت إسرائيل عن تنفيذ ضربات عسكرية ضد الحوثيين، وتركَت المهمة للولايات المتحدة. وقد نفذ الأمريكيون مئات الغارات الجوية، لكنها فشلت في وقف إطلاق الصواريخ. وتشير التقديرات إلى أن الحوثيين يواصلون تصنيع عدد صغير من الصواريخ أسبوعياً، وما زال في ترسانتهم العشرات، إن لم يكن المئات منها، يمكن إطلاقها على إسرائيل.

نفذت إسرائيل عدة ضربات في اليمن، استهدفت بشكل أساسي البنية التحتية الاقتصادية مثل الموانئ والمطارات. فقد شنت القوات الإسرائيلية، يوم الجمعة الماضي فقط، هجمات على موانئ يسيطر عليها الحوثيون. ومع ذلك، يعتقد محللون أنه خلال شهر واحد فقط، سيتمكن الحوثيون من استئناف العمل في المنشآت المتضررة. وفي الواقع، استأنفوا نهاية الأسبوع الماضي استخدام مطار تم قصفه قبل أسبوع فقط. وتشير التجربة السابقة إلى أن الضربات الجوية الإسرائيلية أو الأمريكية وحدها لا تكفي لردع الحوثيين، وأن ظروفهم المعيشية المتدهورة تجعل من الضغوط الاقتصادية أداة ردع غير فعّالة.

تبعد اليمن عن إسرائيل مسافة تجعل الغارات الروتينية أمراً بالغ الصعوبة. ومن المشكوك فيه أن يُهزم الحوثيون عسكرياً، لا سيما في ظل قدرتهم على الصمود، وجغرافيتهم المعزولة، وقابليتهم لتحمل الضغوط الطويلة الأمد.

لقد حوّلت الحرب في إسرائيل الحوثيين من جماعة هامشية غامضة إلى لاعب إقليمي مركزي وتحدٍّ للمنطقة بأسرها. فقد ألحقوا أضراراً جسيمة باقتصاد مصر، وشلّوا ميناء إيلات، ويواصلون توسيع نفوذهم. ولسرورهم، فإن الولايات المتحدة نفسها أوقفت مؤخراً عملياتها العسكرية ضدهم، حيث قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إن الولايات المتحدة قد "استسلمت" للحوثيين.

يعتقد بعض المحللين أن الحوثيين، مثل حماس وحزب الله، لا يمكن هزيمتهم إلا من خلال "قوات برية على الأرض"، وهو خيار من غير المرجح أن تفكر فيه إسرائيل. أما القوى المحلية المناهضة للحوثيين في اليمن، فلا يمكنها النجاح دون دعم خارجي واسع. وهناك مقاربة أخرى قيد الدراسة، وهي توجيه ضربات إلى إيران، التي تموّل وتسلّح الحوثيين. لكن حتى هذا الخيار قد لا يوقف إطلاق الصواريخ، إذ إن الحوثيين لا يخضعون بشكل مباشر للقيادة الإيرانية.

الخلاصة في الوقت الراهن هي أن لا أحد في إسرائيل متفائل بإمكانية إنهاء تهديد صواريخ الحوثيين بالقوة العسكرية وحدها. وقد تستمر صفارات الإنذار المتكررة التي تدفع بملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ، طالما أن الحوثيين يختارون مواصلة إطلاق الصواريخ.


المصدر: إسرائيل هيوم

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور