في بداية شهر نيسان/أبريل 2025 أنشأ رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق نفتالي بينيت حزباً جديداً تحت اسم "بينيت 2026". وبيدو أن عودة بينيت إلى حلبة السياسة الإسرائيلية غير مستبعدة. وقد تحدث صراحةً عن ذلك في وقت سابق (أيلول 2024)، حيث أدلى بمقابلة إلى صحيفة "بيلد" الألمانية قال فيها إنه لا يستبعد العودة إلى السياسة الإسرائيلية، أو حتى الانضمام إلى ائتلاف مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، مؤكداً أنه مستعد لأن يكون في أي منصب يستطيع فيه إحداث تغيير. وكشف مصدر مقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الإدارة الأمريكية تفكر في دعوة نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وزعيم حزب بينت 2026، إلى البيت الأبيض.
وفي خصوص حزبه الجديد، أصدر بينيت بياناً حدد أن أهداف الحزب هي "استعادة الأمن إلى إسرائيل، واستعادة ثقة الشعب في قدرة إسرائيل على الدفاع عن حدودها وداخل البلاد - مع تنفيذ مفهوم أمني نشط". ومن البنود الأخرى التي تمت كتابتها: "قيادة إسرائيل بروح مؤسسي الدولة وبناة البلاد بطريقة تضمن وحدتها واستمراريتها وازدهارها كدولة يهودية وديمقراطية نموذجية".
استطلاع إسرائيلي: المعارضة ستحصد الأغلبية ويمكنها تشكيل الحكومة
واللافت أن استطلاع رأي أجراه معهد "ميدغام" كشف بأنه في حال أُجريت الانتخابات اليوم (الانتخابات المقبلة في عام 2026) فستحصد كتلة المعارضة بقيادة نفتالي بينيت، الأغلبية ويمكنها تشكيل الحكومة. موضحاً (الاستطلاع) بأن كتلة المعارضة، بقيادة حزب "بينيت 2026" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت، ستحصد 62 مقعداً من أصل 120 في الكنيست. بينما ستحصل كتلة الائتلاف الحاكم الحالي، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على 48 مقعداً (حالياً لديها 68 مقعداً).
وتعني هذه النتائج أن كتلة المعارضة يمكنها تشكيل الحكومة، إذ تحتاج أي كتلة (مجموعة أحزاب سياسية) لـ61 مقعداً لتشكيلها. وأظهر الاستطلاع أن حزب بينيت، بمفرده سيحصد 22 مقعدا، مقابل 21 لحزب "الليكود" (32 حاليا)، بقيادة نتنياهو. بينما سيفشل حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف (7 مقاعد حالياً)، بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، في تجاوز نسبة الحسم، أي لن يفوز بأي مقعد.
تجدر الإشارة أنه منذ عملية طوفان الأقصى 7 تشرين الأول /أكتوبر، يرفض نتنياهو دعوات المعارضة إلى استقالة حكومته وإجراء انتخابات مبكرة، متهمةً إياه بالفشل في إدارة الحرب على غزة واستعادة الأسرى، والتمسك بالسلطة، وعدم تحمله أخطاء 7 أكتوبر.
كل هذه المعطيات المستجدّة تستلزم إلقاء الضوء على ولاية حكومة بينيت وما مثلته على صعيد السياسة الإسرائيلية عموماً وعلى مستوى الموقف من القضية الفلسطينية خصوصاً، وهي الحكومة التي استمرت ولايتها من 13 حزيران 2021 حتى 29 كانون الأول 2022.
حياة نفتالي بينيت السياسية
نشأ نفتالي بينيت في بيت من التيار الديني الصهيوني، وأدى الخدمة العسكرية الالزامية في العام 1990 ولمدة ثلاث سنوات، وبقي بعد ذلك في الجيش النظامي لثلاث سنوات أخرى، وتخرج من الجيش برتبة رائد في الجيش.
وصل بينيت إلى الكنيست لأول مرّة على رأس قائمة "البيت اليهودي"، في انتخابات العام 2013، بعد أن حصدت القائمة على 12 مقعداً، من خلال استقطاب الجمهور الأكبر من مستوطني الضفة، وأيضا من الجمهور الديني من التيار الديني الصهيوني، اضافة إلى جمهور علماني من اليمين المتطرف.
تولى بينيت حقيبة الاقتصاد الموسعة في حكومة بنيامين نتنياهو، التي تضم عدة وزارات سابقة، من عمل وصناعة وتجارة، وتخطيط اقتصادي، وكان شخصية قوية في الحكومة، وقاد الخط اليميني الأكثر تشدداً.
تجدر الإشارة أن بينيت أقام مع أييليت شكيد، في العام 2010، حركة "يسرائيل شيلي" وهي من الحركات اليمينية المتطرفة، التي تعمل في محيط المؤسسة الحاكمة والكنيست، وتنشط بين الجيش الشاب، خاصة في الجامعات، وتحثه على اللجوء للمواقف اليمينية المتشددة.
يظهر فحص ولاية بينيت في رئاسة مجلس الوزراء أنه في كل الموضوعات الرئيسة ظلت سياسة حكومته بمثابة استمرار لسياسة الحكومات السابقة، في كل ما يتعلق مثلاً بأعمال البناء في المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، وبمواجهة المشروع النووي الإيراني، وبالموقف العام من القضية الفلسطينية وحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، بل في بعض تلك الموضوعات تبنى رئيس الحكومة السابق مواقف أكثر يمينية وتطرفاً حتى من نتنياهو، فهو على سبيل المثال رئيس الحكومة الإسرائيلي الوحيد منذ اتفاقيات أوسلو الذي رفض عقد لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية ولو من أجل البروتوكول، فضلاً على أنه لم يجرِ مفاوضات مع الفلسطينيين مطلقاً.
وفي موضوع الاستيطان على وجه التحديد كانت لحكومة بينيت بصمة يمينية وصهيونية متفوقة على جميع الحكومات اليمينية التي سبقته في الأعوام الأخيرة، ولا ينحصر الأمر في أراضي الضفة الغربية. ففي كانون الأول/يناير 2021 صادقت الحكومة على ما يُعرف بـ "خطة المليار"، والتي وصفت في موقع رئيس الحكومة الإسرائيلية بأنها "خطة غير مسبوقة للاستثمار في الاستيطان في هضبة الجولان ومستوطنة كتسرين"، وتهدف وفقاً لما أكده بينيت نفسه إلى مضاعفة الاستيطان الإسرائيلي في الجولان السوريّ المحتل. وفي آذار 2022 صادقت الحكومة على خطة إقامة مستوطنات يهودية جديدة في منطقة النقب. وإن دلّت هاتان الخطتان على شيء فهما تدلّان على أن هناك اشتغالاً واضحاً على موضوع الاستيطان من طرف الحكومة بشكل مختلف عما سبق، بما يسهم في استكمال تأويليّة معنى وعد بينيت لدى تسلمه مهمات منصبه بأن تكون حكومته "يمينية أكثر من حكومات سلفه بعشر درجات".
يمكن أن نقول إنه في كل ما يتعلّق بسياستها الخارجية، وخصوصاً حيال قضية فلسطين، كانت حكومة نفتالي بينيت يمينية متطرفة. وما يؤكده أنصار بينيت أنه كان ميكيافيلياً في انخراطه ضمن صفوف هذه الحكومة بالذات، وغايته من وراء ذلك تمثلّت في استمرار سياسة إسرائيل اليمينية. وفي التحصيل الأخير، أتت هذه الغاية انسجامهاً مع التطبيق العملي، ولدى وضع السياسة العامة لحكومته على الأصعدة كافة، ابتداءً من سياسة تكثيف الاستيطان في أراضي الضفة الغربية، وشمل هضبة الجولان ضمن هذه السياسة، وانتهاءً بتصعيد العمليات ضد إيران ومشروعها النووي ومحاولاتها الرامية إلى "بسط هيمنتها الإقليمية".
الكاتب: غرفة التحرير