الأربعاء 16 تموز , 2025 02:48

بين تجاهل العدوان والدعوات لنزع السلاح: جلسة مجلس النواب تكشف النوايا

جلسة مجلس النواب اللبناني تتجاهل الاعتداءات وتركز على السلاح

في الوقت الذي تتعرض فيه الأراضي اللبنانية لاعتداءات يومية من قبل كيان الاحتلال الإسرائيلي، عقد مجلس النواب اللبناني جلسة مساءلة للحكومة، من المفترض أن تكون مناسبة لمحاسبتها على أدائها، خصوصاً في ظل العدوان المتكرر على لبنان لا سيما الجنوب، وتصاعد خروقات "إسرائيل" للسيادة اللبنانية. غير أن اللافت في الجلسة التي استُكملت اليوم، كان غياب هذا الملف عن مداخلات معظم النواب، وكأن المسّ بالسيادة الوطنية أصبح حالة طبيعية.

باستثناء قلة من النواب الذين أثاروا هذا الموضوع بوضوح، انزلق النقاش نحو التركيز على مطلب نزع سلاح حزب الله، بوصفه "مشكلة داخلية" و "عائقاً أمام الدولة"، في مشهد يعكس تماهياً سياسياً مع الخطاب الأميركي الذي ينشط في هذه المرحلة من خلال المبعوثين ومقترحاتهم لفرض تسوية تقوض عمل المقاومة في لبنان. وقد تزامنت الجلسة مع استمرار العدوان على الجنوب، وهو ما كان يفترض أن يحوّل منصة البرلمان إلى ساحة إدانة واضحة للكيان الإسرائيلي، ومحاسبة للحكومة على تقصيرها في الرد الدبلوماسي والسياسي والإعلامي. لكنّ العكس هو الذي حصل: سقف الحديث كان عبارة عن ضغط على المقاومة، وكأنّ هناك اتفاقاً ضمنياً على تجاهل مصدر التهديد الحقيقي.

التوجيه الأميركي حاضر

الخطير في هذا المشهد ليس فقط صمت البعض، بل أيضاً النبرة التصعيدية من نواب معروفين بعلاقتهم الوطيدة بسفارات غربية وخليجية، إذ أعادوا تكرار المطالبات بنزع السلاح دون أي توازن في الطرح أو اعتبار للظرف القائم. هذا يُفهم في سياق التوجيه الأميركي المستمر لإعادة لبنان إلى طاولة التسويات على حساب المقاومة، ولا سيما بعد التحول في الساحة السورية وظهور مساعٍ إماراتية لتطويع الموقف اللبناني نحو التطبيع.

كما أن بعض المداخلات بدت كأنها مُعدّة سلفاً لهدف واحد: ضرب صورة المقاومة عن سابق إصرار في الجلسة المعروضة إعلامياً، وليس تقديم حلول للأزمات المالية أو الأمنية أو السياسية التي تواجهها البلاد.

أصوات نيابية لم تُساوم

رغم حالة التجاهل العامة، برزت خلال الجلسة مواقف لعدد من النواب الذين حرصوا على تذكير المجلس والحكومة بخطورة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة. فقد ندّد النائب حسن فضل الله بما وصفه بـ "التواطؤ السياسي الذي يحاول مساواة الجلاد بالضحية"، مشدداً على أن المقاومة هي من تحمي لبنان اليوم، وليست عبئاً عليه. كما أشار النائب علي فياض إلى أنّ "مطلب نزع سلاح المقاومة في هذا التوقيت هو بمثابة هدية مجانية لإسرائيل، خصوصاً في ظل غياب أي ضمانات دولية لحماية لبنان".

بدوره، أكد النائب قاسم هاشم أن "الحديث عن المقاومة لا يمكن فصله عن واقع القرى الحدودية التي تتعرض يومياً للقصف"، محذراً من أن تقاعس الدولة في إدانة هذا العدوان قد يُفهم كتخلٍّ ضمني عن واجباتها السيادية. كذلك، أشار بعض النواب إلى أن الحكومة مطالبة اليوم بمواقف حازمة لا مجرد بيانات خجولة، خصوصاً أن "الرد الصامت" يُشجّع الاحتلال على التمادي.

تجاهل ممنهج

في المقابل، لفتت الجلسة أنظار المتابعين إلى حجم التماهي لدى عدد من النواب مع الخطاب الأميركي الموجّه ضد المقاومة. فقد غابت الإشارات الواضحة إلى الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، بما فيها الخروقات الجوية، والاعتداءات على القرى الحدودية، واستباحة السيادة اللبنانية بشكل يومي، وتركّزت المداخلات على "ضرورة استعادة الدولة لقرار الحرب والسلم"، وهي العبارة التي كثيراً ما تُستخدم للالتفاف على سلاح حزب الله والمطالبة بتجريده. علماً لو أن الدولة قادرة على تحمل هذه المسؤولية منذ البداية لما اضطر أحد غيرها لحمل السلاح ومواجهة الاحتلال المستمر منذ عام 1948.

نواب كـ ميشال معوض، وأديب عبد المسيح، ووضاح الصادق، ونجاة صليبا، وغيرهم، اختصروا المشهد اللبناني المركّب، بجعل سلاح المقاومة هو المشكلة المركزية، متجاهلين السياق الإقليمي القائم، وحقيقة أنّ الجنوب يتعرّض لعدوان إسرائيلي مستمر منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023. ونشير هنا إلى مداخلة النائب سامي الجميل الذي تجاهل تماماً التطرق إلى أي عدوان إسرائيلي ليذكره بعدها عدد من النواب بالموضوع عله "ينتبه ويتذكر". وقد جاءت هذه المداخلات منسجمة مع التصريحات الأميركية الأخيرة بعد زيارة توم باراك إلى لبنان التي كرّر خلالها مطلب "إبعاد حزب الله عن الحدود"، ما يؤكّد أن بعض الكتل السياسية -كما عادتها- تتصرّف وفق أجندات خارجية لا تنظر إلى مصلحة لبنان السيادية بقدر ما تكرّس الرغبة الغربية في تفكيك المقاومة.

التغيير على الحياد

رغم أن نواب "التغيير" دخلوا المجلس النيابي تحت شعار المواجهة والتجديد السياسي، فإن مداخلاتهم خلال جلسة مساءلة الحكومة اتسمت بالحذر والحياد، خصوصاً فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان وسلاح المقاومة. فبدلاً من اتخاذ موقف حاسم من هذه القضايا السيادية، فضّل معظمهم التطرق إلى ملفات اقتصادية أو خدمية، متجاهلين القصف اليومي على الجنوب والانتهاك المستمر للسيادة الوطنية. هذا الموقف يطرح تساؤلات جدية حول معنى "التغيير" الذي يرفعونه، إذ لا يمكن لأي تغيير حقيقي أن يتحقق دون موقف صريح من الاحتلال والعدوان.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور