الأربعاء 16 تموز , 2025 04:23

إسبانيا تحاكم الكيان المؤقت: خطوة قضائية نحو كسر الحصانة وتوقيف تصدير السلاح

قضاء إسبانيا وعلم إسرائيل

في ظل التصعيد الدولي المتزايد ضد الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، برزت إسبانيا كلاعب قانوني وسياسي بارز من خلال خطوة قضائية هامة تمثلت في فتح تحقيق رسمي ضد قادة إسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب. يأتي هذا التطور في سياق أوسع من التحولات الجارية في الموقف الأوروبي حيال الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث تتعزز آليات المحاسبة القانونية وتتصاعد الضغوط لوقف الدعم العسكري للكيان المؤقت.

في 8 يوليو 2025، أصدر القاضي الإسباني أنطونيو بينا قرارًا أوليًا بخصوص شكوى جنائية قُدمت ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية والحرب إسرائيل كاتس، وعدد من ضباط وحدة "شيتت 13" البحرية، على خلفية الهجوم على السفينة "مدلين" ضمن "أسطول الحرية" في المياه الدولية بتاريخ 1 يونيو 2025. تتهم الشكوى هؤلاء القادة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتوقيف غير قانوني، في سياق عملية عسكرية ضد مدنيين ونشطاء حقوقيين.

الأساس القانوني لهذه الخطوة يعود إلى مبدأ "الاختصاص القضائي العالمي"، المنصوص عليه في المادة 23.4 من القانون القضائي الإسباني، والذي يتيح للمحاكم الوطنية التحقيق في جرائم خطيرة كجرائم الحرب والإبادة والإرهاب، حتى لو وقعت خارج الأراضي الإسبانية، بشرط وجود صلة مباشرة بإسبانيا، مثل وجود ضحية إسبانية، كما في حالة الناشط سيرجيو توربيو. هذا المبدأ جعل من الممكن الشروع في تحقيق قانوني يتضمن طلب وثائق رسمية من إسرائيل، استدعاء شهود دوليين، والتنسيق المحتمل مع المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

وتأتي الخطوة الإسبانية في سياق دعم شعبي وسياسي ملحوظ، حيث طالبت منظمات حقوق الإنسان وجماعات المجتمع المدني بمحاسبة "إسرائيل" على جرائمها، فيما تدرس الحكومة الإسبانية وقف صادرات السلاح للكيان المؤقت، في ظل تصاعد الجدل داخل البرلمان حول مسؤولية إسبانيا الأخلاقية والقانونية عن استمرار التورط في تسليح طرف منتهك لحقوق الإنسان.

التحقيق الإسباني لا يتحرك بمعزل عن السياق الدولي، بل يتقاطع مع مسار المحكمة الجنائية الدولية، التي كانت قد أصدرت في نوفمبر 2024 مذكرات توقيف ضد نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق باستخدام الجوع كسلاح، القتل العمد، والاضطهاد خلال الحرب على غزة. هذا الترابط القانوني يعزز من مصداقية المسار القضائي الإسباني وفعاليته.

القرار القضائي شمل فتح تحقيقات في جرائم محتملة، من بينها استهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية، وانتهاك اتفاقية جنيف الرابعة، إلى جانب احتمال إصدار مذكرات توقيف دولية بحق الضباط الإسرائيليين. كما ناقش البرلمان الإسباني وقف تصدير السلاح إلى "إسرائيل"، لا سيما الأسلحة التي يُحتمل استخدامها في عمليات عدوانية ضد الفلسطينيين، ما يعكس تغيرًا جديًا في الخطاب الرسمي الإسباني تجاه النزاع.

من الناحية الدولية، تمثل هذه الخطوة الإسبانية نموذجًا لتفعيل مبدأ العدالة الدولية، وتشكل ضغطًا أخلاقيًا وسياسيًا على الدول الأوروبية الأخرى لاتخاذ إجراءات مماثلة. أما على الصعيد الإسرائيلي، فإنها تساهم في تعميق العزلة الدولية وتعريض القادة العسكريين لخطر الملاحقة القضائية خارج حدود الكيان.

العلاقات الثنائية بين مدريد وتل أبيب قد تتأثر سلبًا، لا سيما في حال تطورت التحقيقات إلى إصدار مذكرات توقيف فعلية. كما أن شركات صناعة السلاح الإسبانية والأوروبية قد تتعرض لضغوط جديدة لإعادة النظر في علاقاتها التجارية مع إسرائيل، ما قد يخلق تأثيرًا اقتصاديًا ملحوظًا.

رغم قوة هذه الخطوة، إلا أنها تواجه تحديات قانونية ودبلوماسية، أبرزها مبدأ حصانة رؤساء الدول، مما يصعّب تنفيذ أي مذكرة توقيف بحق نتنياهو. إلى جانب ذلك، هناك احتمالات لعرقلة التحقيقات من قبل اللوبيات المؤيدة لإسرائيل أو نتيجة ضغوط دبلوماسية دولية.

من جهة أخرى، فإن التعديلات القانونية التي أُجريت عام 2009 حدّت من صلاحيات القضاء الإسباني في تطبيق "الاختصاص العالمي"، ما يعني أن القضية يجب أن تُثبت وجود صلة كافية بإسبانيا لتستمر. ومع أن القاضي أنطونيو بينا، طلب التحقق من هذه النقطة، إلا أن وجود ضحية إسبانية يعزز موقف التحقيق.

في الختام، تمثل الخطوة الإسبانية تقدمًا نوعيًا في مسار محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وتؤكد أن القضاء الوطني يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في دعم القانون الدولي. رغم التحديات، فإن استمرار التحقيقات يعزز الأمل في إنهاء الإفلات من العقاب، ويؤسس لسابقة قانونية قد تمتد إلى دول أوروبية أخرى، ما يشكل ضربة للمنظومة الداعمة للانتهاكات في فلسطين، ويدفع باتجاه عدالة طال انتظارها.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور