يُعرّف الجنرالات العسكريون منطقة الحظر الجوي بأنها إحتلال مجال جوي معين لدولة أو منطقة في حال عدم وجود موافقة من الدولة التي يفرض عليها هذا الحظر لإستبعاد أي حركة طيران فوق تلك المناطق، ولأجل ذلك يجب المحافظة على التفوق الجوي ووجود دائم للطائرات المقاتلة في الأجواء مع إستعداد للقتال.
تاريخياً فُرض الحظر الجوي ثلاث مرات فوق ليبيا والعراق واثناء حروب البلقان وكان ذلك نتيحة قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي.
قام بتنفيذ هذا الحظر مجموعة كبيرة من تحالف دولي وكان تطبيق الحظر سهلا جدا بما ان الدول التي فرض الحظر على اجوائها كانت ذات قدرات دفاعية ضئيلة ومحدودة جدا ومع بداية فرض الحظر عليها دمرت هذه القدرات وشاركت الطائرات في مطاردة أهداف أرضية .
وبسبب السهولة التي جرت هناك أعطت إنطباعا خاطئا عن تكلفة هذه الإجراء والتداعيات السياسية والعسكرية التي تحصل مع تنفيذ مناطق حظر جوي في مناطق مختلفة.
فاعلية الحظر الجوي فوق أوكرانيا:
على أرض الواقع فإن الدول التي فرض عليها حظر جوي لم يكن لديها أي فرص تذكر ضد تحالف دولي كبير، وكان الحظر الجوي يستهدف تلك الدول بحد ذاتها أما اليوم فإن الحديث عن حظر جوي فوق أوكرانيا فإنه يستهدف الطيران الروسي في الأجواء الأوكرانية.
وإذا أردنا أن نوضح الصورة العملية لهذا الحظر بعيداً عن التداعيات المرتبطة بفتح حرب مع روسيا، واحتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة كما يقول الاوربيون أنفسهم، فإن تنفيذ هذا الحظر فوق مساحة تتجاوز 600 ألف كلم مربع يستدعي:
أولا: مئات الطائرات لتنفيذ ساعات طيران طويلة.
ثانيا : إيجاد قواعد جوية قريبة من الحدود الأوكرانية فأقرب قاعدة جوية للناتو في رومانيا تبعد عن العاصمة الأوكرانية حوالي 450 كلم أما الموجودة في بولندا وسلوفاكيا فهي أبعد من ذلك.
ثالثا: لا يمكن إستعمال القواعد الجوية الأوكرانية لأنها ستكون عرضة للضربات الروسية المباشرة.
رابعا: إن حركة الطائرات الكبيرة والكثيرة التي تقوم بتنفيذ عملية الحظر الجوي والطيران فوق أوكرانيا والأجواء المحيطة ستكون في دائرة الخطر.
خامسا: عملية بهذا الحجم تستوجب الكثير من الموارد الهائلة وذات كلفة إقتصادية عالية منها عمليات التزود بالوقود جوا وما يترتب عليها من إستخدام كبير للطائرات وسهولة إستهدافها من قبل الدفاع الجوي الروسي أثناء القيام بعمليات التزويد الوقود.
أما عند النظر إلى وضع القوة الروسية فإن أي عملية من هذا النوع تعني إصطدام مباشر مع روسيا، ويجب على الحلف الأطلسي قبل أن يبدأ بتنفيذها القيام بخطوات أساسية وهي:
1ـ هناك حوالي 300 مقاتلة حربية نشرها الروس بالقرب من الحدود الأوكرانية وللتعامل مع قوة جوية بهذا الحجم يجب على الناتو حشد قوة أكبر بكثير منها.
2ـ الدفاعات الجوية الروسية والتي تعد الأفضل عالميا، وقد نشرها الروس حول الحدود الأوكرانية بدءا من جزيرة القرم جنوبا وصولا إلى بيلاروسيا شمالا، وهي دفاعات تغطي مديات طويلة وارتفاعات مختلفة "عالية ومتوسطة ومنخفضة"، وتنشىء ما يسمى بالعلم العسكري القبب الدفاعية، وبوجود هذه الدفاعات مع العدد الكبير من المقاتلات الحربية الروسية فهي تؤمن لها حائطاً دفاعياً تختبىء خلفه أثناء الإشتباك الجوي ما يعني أن دخول مقاتلات الناتو فوق الأجواء الأوكرانية هو بمثابة الدخول الى كمين جوي.
إذا فالحديث عن فرض الناتو منطقة حظر جوي في المجال الجوي الأوكراني هو أمر غير واقعي، لأنه عدا عن أن الإصطدام المباشر مع روسيا يهدد بحرب عالمية او نووية فإن الأصول العسكرية الروسية وخاصة منظومات الدفاع الجوي، ومنظومات الإنذار المبكر التي تغطي كامل القارة الأوروبية وحركة الطيران فيها لا تمنح الناتو أي فرصة للتعامل معها، وبالتالي فإن هذه الفكرة إن حصرناها فقط ضمن أوكرانيا فهي تمثل عملية إنتحار لأي طائرة تابعة للناتو تدخل الأجواء الأوكرانية، مع الإشارة الى أن الروسي على أرض الواقع هو من ينفذ عملية الحظر الجوي فوق أوكرانيا، بنسبة عالية جدا.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: محمد إبراهيم