الجمعة 18 تموز , 2025 03:11

السويداء كذريعة ودمشق كهدف: كيف يستدرج المشروع الأميركي سوريا إلى التقسيم؟

السويداء في سوريا

يشهد الملف السوري تصاعدًا خطيرًا مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، التي طالت مؤخرًا العاصمة دمشق بذريعة أحداث السويداء، رغم ما يبدو من تقارب أميركي مع حكومة الشرع الجديدة في سوريا. وعلى الرغم من اللهجة الأميركية المهادنة ظاهريًا، فإن الوقائع تشير إلى وجود تباين في الخطاب وتناسق في الأداء بين واشنطن وتل أبيب، بما يصبّ في خدمة مشروع تقسيم سوريا وإضعاف الدولة المركزية.

التناقض الأميركي: إدانة سطحية وتحرك مزدوج

في تعليقه على أحداث السويداء، قال المبعوث الأميركي توم برّاك: "ندين العنف ضد المدنيين... يجب على جميع الأطراف التراجع والانخراط في حوار جاد". كما عبّر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن "قلق بالغ" حيال الغارات الإسرائيلية. لكن هذا الموقف لم يتجاوز الإطار الشكلي، إذ سعت واشنطن لتبرير الهجوم على دمشق باعتباره نتيجة لضغط درزي داخلي.

ورغم ما قدّمه الرئيس ترامب من تصور للحالة بوصفها "سوء فهم بين السوريين والإسرائيليين"، فإن الوقائع الميدانية تكشف دعمًا ضمنيًا أميركيًا لتكثيف الضغط العسكري الإسرائيلي على الحكومة السورية، لا سيما بعد تصريحات تشير إلى توجيه أميركي صريح لحكومة الشرع بالانسحاب من الجنوب السوري، ملوّحة بعدم قدرتها على منع اجتياح إسرائيلي شامل للعاصمة.

الإرباك السوري والتقدير الخاطئ

تصريحات المسؤولين السوريين، كمدير العلاقات العامة في وزارة الدفاع، تعكس حالة من المفاجأة حيال الهجوم على دمشق، والذي وصفه بأنه "مغاير للتوقعات". وقد تساءل مراقبون عن سبب الخطأ في تقدير نوايا الكيان الإسرائيلي، خاصة في ضوء الإشارات الأميركية المشجعة للحكومة السورية على استعادة سيطرتها على الأراضي، بما في ذلك الجنوب.

هذا الإرباك دفع البعض، مثل برهان غليون، للقول إن حكومة الشرع وقعت في فخ استدراج أميركي-إسرائيلي، إذ تم إيهامها بأن الوضع في السويداء مهيأ للتسوية، لتتفاجأ لاحقًا بغارات تستهدف قلب العاصمة، وهو ما اعتبره غليون جزءًا من مخطط لتفكيك سوريا.

إسرائيل: بين حماية الدروز واستهداف الدولة

رغم ادعاء الكيان المؤقت بأن هجماته جاءت لحماية الدروز، فإن الوقائع، كما أشار وليد جنبلاط، تشير إلى أن "تدمير وزارة الدفاع لا علاقة له بحماية الدروز". الهجوم استهدف مخازن سلاح ومراكز قيادة، وهو ما يشير إلى هدف استراتيجي يتجاوز السويداء نحو ضرب قلب الدولة السورية.

كما أظهر الإعلام العبري تضاربًا في الرواية، إذ أفادت بعض المصادر بأن الشرع "أخطأ في التقدير وظن أن إسرائيل لن تتدخل". أما الصحافي يوسي ميلمان فقد عبّر عن دهشته من عمق التدخل الإسرائيلي في الشأن السوري.

أميركا والرهان على التوحيد.. ثم الانقلاب عليه

يُفهم من التصريحات الأميركية، لا سيما عبر منصة "أكس"، وجود دعم واضح لحكومة الشرع، حيث أشاد برّاك بـ"التقدّم اللافت" في سوريا، ودعا لبنان للاقتداء بها. كما أعلنت الخارجية الأميركية عن إزالة "تحرير الشام" من قائمة الإرهاب كجزء من رؤية لـ"سوريا مستقرة وموحدة".

لكن هذا الدعم سرعان ما انقلب إلى صمت أو تبرير حيال الغارات الإسرائيلية، بل تحوّل إلى ضغط على الحكومة السورية تحت ذريعة منع التصعيد، ما يكشف عن تناقض بنيوي في الموقف الأميركي.

مشروع التقسيم وعودة "سايكس بيكو"

تشير المؤشرات إلى أن ما يجري ليس مجرد تصعيد عابر، بل جزء من مشروع أوسع. تصريحات برّاك حول احتمال "إلحاق لبنان بسوريا"، حتى لو كانت زلة لسان، تكشف عن تفكير أميركي بخريطة جديدة للمنطقة. وتمكّن الكيان من تثبيت وجوده في ممر داوود الاستراتيجي، الواصل من الجولان إلى شرق سوريا، يمثل خطوة كبيرة في مشروع السيطرة الإقليمية.

هذا الممر يربط السويداء والقنيطرة ودرعا بقاعدة التنف الأميركية، ثم إلى البوكمال، ويؤمّن تواصلًا جغرافيًا من جنوب سوريا إلى حدود العراق، بما يشكل طوقًا لعزل إيران إقليميًا. وتشارك "قسد" اليوم في هذا المشروع، مع دفع أميركي واضح نحو إدماجها في الدولة، لكن من دون ضمانات تمنع تكرار سيناريو السويداء مع الأكراد لاحقًا.

إسرائيل الكبرى وامتدادات المشروع الكردي

أفادت تقارير إعلامية بلقاءات جمعت مسؤولين "إسرائيليين" مع قادة من "قسد"، عرض فيها الجانب "الإسرائيلي" دعمًا لإقامة دولة كردية في شمال شرق سوريا، مع احتمالات لتوسيعها إلى تركيا والعراق وإيران. ويعزز هذا الاتجاه القلق التركي من امتداد النفوذ الإسرائيلي-الكردي إلى حدودها.

وبذلك، يبدو أن مشروع "إسرائيل الكبرى" يتمدد بخطى ثابتة تحت مظلة الدعم الأميركي، فيما تُستنزف الدولة السورية بين الضغوط الإقليمية والمراوغات الدولية، ما يجعل من استقرارها أمرًا بعيد المنال ما لم تتغير المعادلات الكبرى في المنطقة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور