تزامناً مع إعلان رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع الجولاني، تكليف فصائل درزية مسؤولية الأمن في محافظة السويداء، وتنديده بالتدخل الاسرائيلي. قامت قواته العسكرية فجر الخميس 17/07/2025، بسحب قواتها الثقيلة بالكامل من المحافظة السويداء، وفق ما أفادت العديد من الجهات الإعلامية السورية والعربية والدولية. لتطوى بذلك جولة من الصراع، الذي ربما يُستكمل لاحقاً بسبب عدم إنهاء الأسباب الرئيسية لاندلاعه.
وفي أول تصريح نقله التلفزيون للشرع الجولاني، بعد الغارات الجوية الإسرائيلية القوية على دمشق الأربعاء 16/07/2028، تعهد الشرع بحماية المواطنين الدروز واصفاً حقوقهم بأنها من الأولويات، مؤكداً على اتخاذ إجراءات لمحاسبة كل من أساء إليهم، ورافضاً أي مسعى يهدف لجرّهم إلى "طرف خارجي أو إحداث انقسام داخل الصف السوري".
هل تأجل اتفاق الشرع مع إسرائيل؟
بالرغم من كل ما حصل، فإنه من غير المرجّح أن تؤثر التطورات التي حصلت أخيراً، سواء من الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، أو ما بعد عدوان قوات الشرع الجولاني على منطقة السويداء وأهلها، على مسار التقارب ما بين السلطات السورية الانتقالية وإسرائيل، من أجل عقد اتفاق أمني أم حتى الالتحاق بركب الدول العربية والإسلامية المطبّعة والمستسلمة.
وهذا ما تدلّ عليه الكثير من المؤشرات:
_ حسم أحمد الشرع الجولاني منذ تسلّمه للسلطة حتى خطابه الأخير، بأنه لا يريد مواجهة إسرائيل عسكرياً، بل ربما هو مستعد لمساعدته ضد الأعداء المشتركين (أي محور المقاومة وخاصةً في لبنان).
ففي خطابه ما بعد الاعتداءات الإسرائيلية والاعلان عن الوصول الى اتفاق وقف إطلاق للنار وخروج المجموعات المسلحة السورية من السويداء، قال الجولاني: "لسنا ممن يخشى الحرب ونحن الذين قضينا أعمارنا في مواجهة التحديات والدفاع عن شعبنا، لكننا قدمنا مصلحة السوريين على الفوضى والدمار، فكان الخيار الأمثل في هذه المرحلة هو اتخاذ قرار دقيق لحماية وحدة وطننا وسلامة أبنائه بناءً على المصلحة الوطنية العليا، فقررنا تكليف بعض الفصائل المحلية ومشايخ العقل بمسؤولية حفظ الأمن في السويداء، مؤكدين أن هذا القرار نابع من إدراكنا العميق بخطورة الموقف على وحدتنا الوطنية، وتجنب انزلاق البلاد إلى حرب واسعة جديدة قد تجرها بعيداً عن أهدافها الكبرى في التعافي من الحرب المدمرة، وإبعادها عن المصاعب السياسية والاقتصادية التي خلفها النظام البائد".
ورغم وصف وزارة الخارجية التابعة له لإسرائيل في كل بياناتها وفي الشكوى المقدمة الى مجلس الأمن الدولي بمصطلح "كيان الاحتلال الإسرائيلي"، إلا أنه استخدم في خطابه مصطلح "الكيان الإسرائيلي" وخلا كلامه من أي تهديد أو تعهد برد على الاعتداءات الإسرائيلية، وهذا ما يعدّ مؤشراً لافتاً، حيث قال: "الكيان الإسرائيلي الذي عودنا دائماً على استهداف استقرارنا وخلق الفتن بيننا منذ إسقاط النظام البائد، يسعى الآن مجدداً إلى تحويل أرضنا الطاهرة إلى ساحة فوضى غير منتهية، يسعى من خلالها إلى تفكيك وحدة شعبنا وإضعاف قدراتنا على المضي قدماً في مسيرة إعادة البناء والنهوض.. هذا الكيان لا يكفّ عن استخدام كل الأساليب لزرع النزاعات والصراعات، غافلاً عن حقيقة أنّ السوريين بتاريخهم الطويل رفضوا كل انفصال وتقسيم. إن امتلاك القوة العظيمة لا يعني بالضرورة تحقيق النصر، كما أن الانتصار في ساحة معينة لا يضمن النجاح في ساحة أخرى، قد تكون قادراً على بدء الحرب ولكن ليس من السهل أن تتحكم في نتائجها، فنحن أبناء هذه الأرض والأقدر على تجاوز كل محاولات الكيان الإسرائيلي الرامية إلى تمزيقنا، وأصلب من أن تزعزع عزيمتنا بفتن مفتعلة".
_ الإشارة الى أطراف خارجية – لم يسمها - بأن هي التي كانت من مصلحتها إشعال حرب مفتوحة بين سوريا وإسرائيل "لولا التدخل الفعال للوساطة الأمريكية والعربية والتركية التي أنقذت المنطقة من مصير مجهول". فمن هي هذه الأطراف الخارجية التي لم يسمها؟ وإن كانت إسرائيل فلماذا لم يسمّها؟
والأخطر هو قوله بأن البلاد كانت أمام "خيارين؛ الحرب المفتوحة مع الكيان الإسرائيلي، على حساب أهلنا الدروز وأمنهم، وزعزعة استقرار سوريا والمنطقة بأسرها، وبين فسح المجال لوجهاء ومشايخ الدروز للعودة إلى رشدهم، وتغليب المصلحة الوطنية على من يريد تشويه سمعة أهل الجبل الكرام"، وبهذا تعمّد نفي نية الاعتداء المقصودة عن سابق تصور وتصميم للجماعات المسلحة الطائفية ضد السويداء وأهلها، محمّلهم مسؤولية ما حصل.
وعليه قد تكون كل هذه التطورات عامل مسرّع، لوتيرة ما قد يحصل من اتفاق بين نظام الشرع وكيان الاحتلال الإسرائيلي، وليس العكس. خاصةً مع رغبة العديد من الأطراف تحقيق إنجازات لغايات داخلية: الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب، وبنيامين نتنياهو الذي يعاني من مشاكل داخل ائتلافه في الحكومة والكنيست، والجولاني الذي يأمل باستقرار حكمه.
الكاتب: غرفة التحرير