بعد انتهاء جولة المفاوضات النووية الأخيرة في العاصمة النمساوية فيينا، تنقسم الآراء حول التقدم الذي أحرزته الدول وإذا ما كان هناك أمل حقيقي بالعودة للاتفاق ام لا، وسط مخاوف الرئيس الأميركي جو بايدن من ان ينعكس ذلك على حظوظه في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. في حين ان الانقسام الإسرائيلي حول الاتفاق هو محور الاهتمام أيضاً. فعلى الرغم من اعتبار القيادة السياسية والعسكرية في الكيان ان الحل الوحيد للبرنامج النووي الإيراني هو اللجوء للخيار العسكري، إلا ان أصوات أخرى تسمع من الداخل تطالب بوجوب الذهاب لتوقيع الاتفاق، خاصة وان العدوان الأخير على غزة وما خلفه من دماء ودمار، لن يكون نفس النتائج لو كان موجهاً نحو إيران، وفق ما اعتبرت صحيفة يديعوت أحرنوت، والتي قالت بختام مقالها ان "بايدن يتبنى حل الدولتين الذي تكون فيه غزة جزءاً من الدولة الفلسطينية، ويدرك أن هذا يبدو خيالياً. أما بالنسبة لإيران فهو يقدر بأن بوسعه تحقيق إنجاز، بل اتفاق يمكن العيش معه. على العالم أن يشكره، وإسرائيل أيضاً".
النص المترجم:
لن يكون مبالغاً فيه القول إن العالم يتطلع اليوم إلى طهران: فبعد الجولة العسكرية لإسرائيل في غزة، انتهت أيضاً جولة محادثات القوى العظمى للعودة إلى الاتفاق النووي الذي ألقاه الرئيس الأميركي السابق ترامب وأدى إلى انهيار الاتفاق الذي وقع عليه سلفه أوباما في العام 2015. الساعة تدق، وستكون طهران في الأيام القادمة مطالبة بإعطاء جواب نعم أم لا للمسودة التي تقدمت بها الدول الأوروبية. أعلنت الولايات المتحدة بأنها مستعدة للتوقيع على الاتفاق. والآن حانت ساعة آية الله: فهم يراجعون الاتفاق على تفاصيله، والذي لا يختلف جوهرياً عن اتفاق 2015، غير أنه أضيفت إلى التخوف الإيراني نقطة حرجة: ماذا سيحصل إذا ما جاء رئيس آخر؟ فأي قيمة ستكون للتوقيع الأمريكي؟
حين يحاول بايدن أن ينظف بعد ترامب ويعيد الدولاب إلى الوراء، فيرفع العقوبات المتشددة وينصب الكاميرات مجدداً وكل وسائل الرقابة داخل إيران، قفز وزير الدفاع بيني غانتس وأعلن: نحن قادرون على الضرب بشدة وتأخير البرنامج النووي. عندما يتحدث وزير الدفاع عن الضربة، فلا يقصد صياغة قرار دبلوماسي للبحث في الأمم المتحدة: فهو يخرج القذائف الذكية من المخازن.
ذكّر هذا رجال بايدن بوقفة نتنياهو أمام المجلسين حين جاء من خلف ظهر أوباما لإحباط الاتفاق النووي في 2015. كان بايدن في حينه نائب الرئيس. وحز ذاك الحدث لديه كالصدمة وكنكران إسرائيلي للجميل.
طرح الإيرانيون تخوفهم في محادثات فيينا: ماذا سيحصل إذا ما انتخب رئيس جديد في الولايات المتحدة ومزق الاتفاق الذي سنوقع عليه الآن؟ وعندما يصعد ترامب كالبالون في الاستطلاعات: قبل يوم، اقتحم وكلاء الـ اف.بي.اي عزلته في فلوريدا كي يفحصوا بأنه لم يسرق وثائق سرية من البيت الأبيض الذي تركه بغضب، فيما كان مقتنعاً بأن الانتخابات سرقت منه. هذا الاقتحام دفع ترامب لاستخدام الصيغة القريبة لقلبه ولقلب صديقه السابق نتنياهو: ادعاء الضحية، والتباكي، والصراخ بأنهم يجرون له صيد ساحرات ولنشر أنباء ملفقة. وسارع الحزب الجمهوري للوقوف إلى جانبه. هو لا يزال الملك، ويترقبون عودته.
بايدن مصمم على التوصل إلى اتفاق. ليس لديه خطة أو رغبة في الخروج إلى حرب ضد إيران، فقد تعلم انعدام جدوى الحروب البعيدة. وانسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان بعد عقدين من حرب لم يغير الواقع.
ليس حكم غزة كحكم طهران. لكن هناك خطاً يربط بينهما يسمى التعب الأميركي من حمام الدماء في الشرق الأوسط. المتابعة في واشنطن للجولة الإسرائيلية في غزة لم تبعث انفعالاً من الطريقة الشجاعة والسريعة مثلما استقبلت في إسرائيل. قد يكون هذا ضربة واحدة، لكننا لم ننتهِ. نشرت الشبكات الاجتماعية صور أطفال قتلى وبيوت مدمرة في غزة. والادعاء أن إسرائيل تحتجز السجن المفتوح الأكبر في العالم، وتقرر كمية المعكرونة التي تنقل إلى السكان، وكمية الساعات التي تكون فيها كهرباء أو ماء دافقة وأين يمكن الصيد، يعود إلى المقالات التحليلية فيما أن الفكرة هي أن ليس سوى حل الدولتين هو ما يجدي نفعاً.
يتبنى بايدن حل الدولتين الذي تكون فيه غزة جزءاً من الدولة الفلسطينية، ويدرك أن هذا يبدو خيالياً. أما بالنسبة لإيران فهو يقدر بأن بوسعه تحقيق إنجاز، بل اتفاق يمكن العيش معه. على العالم أن يشكره، وإسرائيل أيضاً.
المصدر: يديعوت احرنوت
الكاتب: أورلي ازولاي