يكشف هذا المقال الذي نشره موقع " Providence" الأمريكي، والذي ترجمه موقع الخنادق، بأنه لا يزال هناك فريق من الأمريكيين يُراهن على أن يكون الجيش اللبناني أداة للسياسة الخارجية الأميركية في لبنان في مواجهة المقاومة الإسلامية – حزب الله، وهو ما لم يحصل حتى الآن. لذلك يعتبر هذا الفريق بأن الإدارة الأمريكية لم تحصد سوى الفشل التراكمي في لبنان، لأنها بمساعداتها "الأمنية السخية" للجيش اللبناني لم تستطع منع حصول ما وصفه الكاتب بـ"تسهيل الأعمال الإرهابية".
وهذا ما يجب على جميع اللبنانيين الانتباه اليه مجدداً وأخذ الحذر منه - خاصةً الدولة اللبنانية وقيادة الجيش- من أن محاولات قسم كبيرٌ من الأمريكيين (من كلا الجزبين الجمهوري والديمقراطي)، لزرع الشقاق الداخلي ما بين الجيش والمقاومة، لن تتوقف إطلاقاً، لأنها ستظل الطريقة الأفضل بالنسبة لهم والأقل تكلفة عليهم.
النص المترجم:
قال ألبرت أينشتاين: "إن تعريف الجنون هو فعل الشيء نفسه مرارًا وتكرارًا وتوقع نتيجة مختلفة". وفي دولة لبنان الصغيرة، تبدو الولايات المتحدة مصممة على تجسيد رؤية أينشتاين للجنون. فعلى مدى عقود، تبنت واشنطن سياسة هدّامة في لبنان، بعد فترة طويلة من ظهور إخفاقاتها.
عبر إدارات متعددة، عملت الولايات المتحدة تحت وهم أن لبنان دولة ذات سيادة وأن المساعدات الأمريكية تحافظ بطريقة أو بأخرى على النفوذ الأمريكي. لكن على العكس من ذلك، يخضع لبنان لسيطرة حزب الله، الوكيل الأول لإيران. ولم تؤد المساعدة الأمنية الغربية إلا إلى دعم وتمكين جهاز دولة غير قادر في أحسن الأحوال على الوقوف في وجه حزب الله، وفي أسوأ الأحوال يتواطأ بنشاط مع جماعة إرهابية تقتل الأميركيين وتسعى إلى إبادة جماعية أخرى لليهود.
والآن ـ وفي ظل الصراع الخطير الذي يلوح في الأفق في الشرق الأوسط ـ تستعد أميركا لجني حصادها المرير.
في 28 شباط / فبراير 2024، ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن طهران أعطت حزب الله "الضوء الأخضر" لمهاجمة إسرائيل، بمجرد أن تبدأ الدولة اليهودية عملياتها في مدينة رفح جنوب غزة.
نفذ حزب الله هجمات منخفضة المستوى على إسرائيل منذ أشهر، يعود تاريخها إلى عندما غزت حماس ووكلاء إيرانيون آخرون إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 وارتكبوا أكبر مذبحة للمدنيين اليهود منذ المحرقة. ولم تحصد هذه الهجمات أرواحاً فحسب، بل أدت أيضاً إلى تهجير أعداد كبيرة من المدنيين في شمال إسرائيل.
وبحسب ما ورد، عثرت قوات الدفاع الإسرائيلية (IDF) على وثائق في غزة، تشير إلى أن قادة حماس اعتقدوا بأن حزب الله سيشن هجومًا واسع النطاق بالتزامن مع هجومهم.
ومن المرجح أن حزب الله كان يأمل في جر إسرائيل إلى حرب متعددة الجبهات. فلسنوات، كانت إيران تحيط بالدولة اليهودية بوكلائها. وقد جادل مارك دوبويتز وديفيد ماكسويل من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، وهي مؤسسة بحثية مقرها واشنطن العاصمة، بأن هذا جزء من استراتيجية "حلقة النار" التي تتبعها طهران والتي تسعى إيران من خلالها إلى الالتفاف حول إسرائيل، مثل الثعبان، وإرهاقها بحرب استنزاف على جبهات متعددة. وبالفعل، فقد حذرت لجنة الدقة في إعداد التقارير والتحليلات في الشرق الأوسط (CAMERA) من هذا الاحتمال منذ شباط / فبراير 2018.
ومع ذلك، فشل حزب الله في تعبئة قواته بشكل كامل في الوقت المناسب. وتمكنت إسرائيل من تحقيق تقدم عسكري كبير في الجنوب مع تجنب الحرب على حدودها الشمالية. لكن يبدو أن الرمال بدأت تتحرك، ويبدو أن صراعاً واسع النطاق مع لبنان محتملاً على نحو متزايد. سيكون مثل هذا التفشي هو الحرب الأكثر تدميراً في الشرق الأوسط منذ عقود.
أطلق عليه ذات مرة اسم "فريق" الإرهابيين من قبل الولايات المتحدة آنذاك. ويقول نائب وزير الخارجية ريتشارد أرميتاج إن حزب الله يتمتع بقدرات أكبر من العديد من الدول القومية. وتمتلك المجموعة أكثر من 150 ألف صاروخ، العديد منها موجه بدقة، وهي أفضل تسليحا وتدريبا بكثير من حماس، والجهاد الإسلامي الفلسطيني، وغيرهما من وكلاء إيران. لذا ستكون المعركة مع حزب الله ذات مستوى ونطاق مختلفين بالنسبة للجيش الإسرائيلي. كما أنه سيؤدي إلى تدمير المدنيين الذين يستخدمهم التنظيم الإرهابي بشكل صارخ كدروع بشرية.
وقد قام مركز ألما للأبحاث والتعليم، وهو منظمة غير حكومية مقرها إسرائيل، بتوثيق مدى تمركز حزب الله في المراكز السكانية المدنية في لبنان، من البلدات في جنوب البلاد إلى بيروت وخارجها. وتوجد قرى ومجتمعات بأكملها فوق مستودعات الأسلحة ومنصات الإطلاق وقواعد حزب الله. سيكون من المستحيل على الجيش الإسرائيلي أن يشن حرباً دون أن يضطر إلى ضرب هذه الأهداف – وهي حقيقة يعرفها حزب الله جيداً. وسيكون الضرر كارثياً، وليس فقط على لبنان. والحقيقة أن تأثيرات الصراع المشتعل في الشمال أصبحت محسوسة بالفعل.
ووفقا لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، فقد اضطر ما يقدر بنحو 100 ألف إسرائيلي من شمالي إسرائيل إلى الإخلاء من المناطق القريبة من الحدود اللبنانية. هم نازحون، ويعيش العديد منهم في مساكن مؤقتة. ولم تحظ محنتهم إلا بالقليل من الاهتمام الإعلامي. وهو أمر لا يمكن الدفاع عنه على المدى الطويل. هناك شيء لا بد من تقديمه لهم. وقد حذر وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس من أن "الوقت ينفد للتوصل إلى حل دبلوماسي في جنوب لبنان. وستعمل إسرائيل عسكريا لإعادة المواطنين الذين تم إجلاؤهم من منطقة حدودها الشمالية إذا لم يتم التوصل إلى حل دبلوماسي".
من جانبها، سعت الولايات المتحدة – ظاهرياً على الأقل – إلى منع نشوب صراع أكبر في الشمال. وفي أواخر تشرين الأول/أكتوبر، أرسلت الولايات المتحدة مجموعتين من حاملات الطائرات إلى المنطقة وأرسلت واشنطن مبعوثين لمحاولة منع نشوب حرب أوسع بين إسرائيل وحزب الله. لكن السد ينكسر (كناية على أن المحاولة الأمريكية ستفشل من منع نشوب الحرب).
قدمت الولايات المتحدة مساعدات أمنية سخية للجيش اللبناني. وفي سبتمبر/أيلول 2022، وصفت وزارة الخارجية الأمريكية المساعدات بأنها "عنصر أساسي في سياسة الولايات المتحدة تجاه لبنان" والتي "تعزز سيادة لبنان، وتؤمن حدوده، وتواجه التهديدات الداخلية، وتعطل تسهيل الأعمال الإرهابية". وهذا بالطبع سخافة، والعكس تماما هو الصحيح.
وكما لاحظ طوني بدران، وهو كاتب عمود في مجلة "تابلت" ومحلل مخضرم للشؤون اللبنانية، فإن "حزب الله، في الواقع، هو لبنان". ويسيطر التنظيم الإرهابي على حدود الدولة الشامية ومنافذ دخولها. وقد أعلن ميشال عون، آخر رئيس للبنان والقائد الأعلى لقواته المسلحة، أن ترسانة حزب الله المتنامية "لا تتعارض مع الدولة". وكما يقول المثل: من يحمل السلاح يملك السلطة. وفي لبنان، يتمتع حزب الله بالأمرين معًا.
وفي آب/أغسطس 2021، شهد مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة قامت بتمويل وتدريب وتجهيز الجيش اللبناني لضمان "أنه بمثابة ثقل مؤسسي موازن لحزب الله". ولكن كما أشار محلل مكافحة الإرهاب ديفيد كيلكولين في دراسة أجرتها مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية لعام 2022، فإن فحص أداء الجيش اللبناني منذ عام 2006 يجد أن فترة المساعدة الأمنية الأمريكية المعززة تتزامن مع "زيادة كبيرة في نفوذ حزب الله". ويقول كيلكولن إن "التفكير المدفوع بالأزمة" سيطر على استراتيجية الولايات المتحدة تجاه لبنان. ومن العدل أيضًا توجيه تهمة السذاجة. ربما تكون واشنطن قد قامت بتمويل الجيش اللبناني على أمل أن يكون بمثابة ثقل موازن، لكن القوات المسلحة للبلاد تواطأت حتى مع الجماعة الإرهابية.
وكما قال مسؤول إسرائيلي لتايمز أوف إسرائيل في عام 2018: "إننا نراهم يعملون معًا، ويسافرون في نفس سيارات الجيب. في بعض الأحيان نرى جنود حزب الله يرتدون سترات الجيش اللبناني". وهناك العديد من التقارير الأخرى عن قيام القوات المسلحة اللبنانية بمساعدة حزب الله. يبدو أن الجيش اللبناني يخدع أميركا.
وفي الواقع، لقد فشل لبنان فشلاً ذريعاً وكاملاً في تطبيق قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي تظل الأساس للدعم الأميركي والدولي.
وبعد حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 1701 الذي أمر بجعل المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني "خالية من أي أفراد مسلحين وأصول وأسلحة بخلاف تلك التابعة للحكومة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (UNFIL). ولكن من الواضح أن هذا لم يحدث.
بدلا من ذلك، أشار الجنرال الإسرائيلي المتفاعد عساف أوريون في تقرير صدر في كانون الثاني/يناير 2024 لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى أن حزب الله أمضى السنوات الفاصلة في بناء قدراته وانتهاك القرار بشكل صارخ. والحقيقة أن مجرد وجود حزب الله في لبنان يشكل أيضاً انتهاكاً لقرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي يدعو مثل القرار 1701، إلى نزع سلاح حزب الله.
لكن واشنطن فشلت في الاعتراف بهذه الحقائق. وقد طرحت الولايات المتحدة وفرنسا وآخرون مؤخراً خططاً تعتمد على القوات المسلحة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان للقيام بدور أكبر في جنوب لبنان. ومع ذلك، فإن المزيد من نفس الشيء ليس هو الحل. يتعين على الولايات المتحدة أن تعترف بالواقع: إن سياستها تجاه لبنان فاشلة، والعواقب الوخيمة بدأت تظهر للعيان.
وكما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مؤخراً للمبعوث الأميركي عاموس هوشستين: "إننا نقترب من النقطة التي ستنقلب عندها الساعة الرملية".
المصدر: موقع Providence
الكاتب: غرفة التحرير