الثلاثاء 12 آب , 2025 04:03

حين تتحول دماء الجيش اللبناني إلى وقود للفتنة لدى جوقة عوكر

الاستثمار بدم الجيش اللبناني لخلق فتنة داخلية

انفجار بلدة زبقين جنوب لبنان، الذي ارتقى إثره عدد من عناصر الجيش اللبناني، تحول بسرعة إلى أداة استثمار سياسي من قبل حزبي القوات اللبنانية والكتائب وأبواقهم الإعلامية. إذ عبّرت ال "ام تي في" عن شهداء الجيش بأنهم "شهداء كمين الحزب"، فيما سارعت هذه القوى السياسية إلى تحميل حزب الله المسؤولية، في خطاب يتقاطع بوضوح مع أولويات واشنطن وتل أبيب، متجاهلة السياق الأمني الأوسع الذي يشمل الانتهاكات الإسرائيلية اليومية للسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً، وهو ما يعكس لعبة سياسية مكشوفة تحاول الاستثمار بدم الجيش واعتباره ورقة "لكسب" المرحلة الحالية التي يراد من خلالها سحب سلاح المقاومة، السلاح الوحيد الذي يحفظ سيادة لبنان ويصونه.

خطاب "استرداد السيادة" الموجّه

بعد الحادثة وصف الوزير السابق ميشال فرعون عبر منصة "إكس" شهداء الجيش اللبناني بأنهم "شهداء استرداد السيادة" وهذا ما يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية: أي سيادة يقصد؟ وكأنه بهذه التغريدة يقول بأن حزب الله هو من ارتهن سيادة البلد، وقوّض قرار الجيش ولم يسمح لهم بالتسلح مقابل كيان محتل يملك ترسانة نووية. فهل استرداد سيادة لبنان يكون من خلال اتهام المقاومة التي دافعت عن لبنان وجنبته مخاطر الاحتلال والتوغل حتى بيروت وقدمت آلاف الشهداء في سبيل ذلك؟ أم من مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي يواصل عدوانه على الأرض اللبنانية ويستبيحها بحيث لم يترك مجالاً للسيادة؟ هذا النقاش المتعمد الذي يثيره أمثال هذا الوزير يعكس نهجاً قديماً في تغذية الانقسام الداخلي وإبعاد الأنظار عن الخطر الإسرائيلي.

تحريض مباشر وزعزعة الاستقرار

النائب نديم الجميّل أضاف إلى هذا المشهد بعداً أكثر خطورة حين تساءل: "لماذا لم يُبلّغ الحزب الجيش أن المكان مفخخ؟"، علماً بان القوة الفرنسية العاملة في قوات الطوارئ الدولية كانت دخلت المكان وهي من أبلغ الجيش اللبناني فيه، وقد بدأ الجيش عملية تفكيك ونقل السلاح منه قبل ثلاثة أيام على وقوع الانفجار، هذه الحقائق تعامى عنها النائب المذكور، وحاول بتصريحه توجيه إشارة صريحة لتحميل حزب الله مسؤولية ما وقع، وضمن خطاب يهدف بوضوح إلى التحريض على الحزب وزعزعة الاستقرار الداخلي. هذا النوع من التصريحات يعكس توظيف دماء الجيش في معارك سياسية داخلية بدل تكريسها لبناء موقف وطني جامع. وخصوصاً بعد موقف أهالي شهداء الجيش الذين رفع بعضهم في تشييع أبنائهم أعلام المقاومة ورفعوا شعارات داعمة لها، نفياً لهذه التهم الواهية التي ينسجها هؤلاء المحرّضون على السلم الأهلي.

سجل دموي مع الجيش اللبناني

الحرص المفاجئ الذي تبديه بعض القوى السياسية على حياة عناصر الجيش يصطدم بسجلّها التاريخي. القوات اللبنانية وأخواتها، تحت قيادة سمير جعجع حفرت سجلاً دموياً من الجرائم البشعة التي طالت الجيش اللبناني والمواطنين الأبرياء على حد سواء. فقد شنت القوات حرباً ضروساً ضد الجيش في تسعينيات القرن الماضي، عُرفت بحرب الإلغاء، راح ضحيتها المئات من العسكريين والمدنيين، إضافة إلى تنفيذها لسلسلة اغتيالات استهدفت شخصيات وطنية وعسكرية بارزة.
 لم تقتصر الجرائم على القتل فقط، بل شملت عمليات خطف، وحصار، وتنفيذ مجازر مروعة كقتل ما يزيد عن ألف مواطن لبناني عُزل على الهوية، والذين تم إلقاؤهم في البحر أو دفنهم في مقابر جماعية، وحتى الآن لا يعرف أهالي هؤلاء الضحايا مصيرهم. هذه الممارسات الإرهابية والعنيفة تؤكد حجم الانتهاكات التي ارتكبتها القوات اللبنانية ضد الجيش اللبناني والمدنيين، والتي لم تهدف إلا إلى نشر الفوضى وزعزعة الأمن الوطني، مما ترك أثراً قاتماً في تاريخ لبنان الحديث. لذا لا يمكن لهذه القوى أن تحاضر الآن في العفة، وتدّعي حفاظها على أمن البلد وهي كانت ولا زالت من أشد المخربين فيه.

فشل محاولات افتعال مواجهة داخلية

الخطاب الذي يحاول دفع الجيش إلى مواجهة مع المقاومة ليس جديداً -إلا أن هناك أدوات جديدة دخلت على الخط مثل المبعوثة الأمريكية مورغان أورتاغوس التي قالت عن شهداء الجيش اللبناني "أبطال" فقط لتساهم في موجة التحريض وليس لأنها تراهم أبطالاً فهذا آخر ما تنظر إليه السياسة الأميركية-، لكنه فشل في الماضي وسيفشل اليوم، لسبب بسيط: حزب الله يعتبر أي صدام لبناني–لبناني خطاً أحمر، ويفضّل توجيه سلاحه وقدراته لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي يشكل تهديداً وجودياً للبنان. في المقابل، كثير من هذه القوى السياسية لم تتردد في الماضي في نسج تحالفات مع قوى خارجية على حساب وحدة البلاد. لهذا فإن أي تصعيد داخلي ستكون مسؤولة عنها حصراً الحكومة اللبنانية وقرارها الأخير حول حصرية السلاح وقنوات وأحزاب الفتنة الذين يحرضون على الاقتتال بين الجيش والمقاومة.

المفارقة بين الحماية والارتهان

بينما يواصل حزب الله لعب دور أساسي في حماية لبنان وأهله من الاعتداءات الإسرائيلية، تصر قوى مثل القوات اللبنانية والكتائب على تبني خطاب يتماهى مع الرواية الإسرائيلية–الأمريكية، حتى لو جاء ذلك على حساب الجيش اللبناني الذي يزعمون الدفاع عنه. المفارقة أن هذه القوى، بدل المطالبة بتأمين السلاح والمعدات للجيش لردع العدو، تنخرط في حملات سياسية داخلية تُضعف المؤسسة العسكرية وتجر البلاد إلى فتنة. بينما يترقب الاحتلال الفرص لينقض على أهداف في الجنوب أو البقاع ولا تحرك هذه القوى ساكناً.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور