خلال ولاية ترامب الأولى اتسمت تصريحاته اتجاه سوريا بالتركيز على تقليص التدخل العسكري والتركيز على أولوية المصالح الأمريكية المباشرة وتعزيزها، واعتبر أن محاربة داعش هي من الأولويات، ومع إعلان هزيمة التنظيم عام 2018 اتجه إلى أخذ القرار بسحب القوات من سوريا باستثناء عدد محدود لحماية حقول النفط، مما أفسح المجال لتركيا بتنفيذ عمليات ضد الأكراد، ولم يعطِ ترامب القرار الواضح بالمشاركة بعمليات عسكرية مباشرة ضد الدولة السورية باستثناء ضربات محدودة عام 2017 و2018 تحت حجّة استعمال الجيش السوري للأسلحة الكيميائية.
كذلك كانت انتقاداته عالية النبرة تجاه الدعم الروسي والإيراني للدولة السورية، ودائماً ما دعا الدول الإقليمية لتحمل أعباء أكبر، والإشارة هنا الى الدول الإقليمية الفاعلة تحديداً وهي تركيا ذات التأثير الكبير في سوريا نتيجة الجغرافيا ودعمها للفصائل المسلحة والدول الثانية هي دول الخليج تبعاً لدورها في تغذية الفصائل المسلحة.
ومن أبرز النقاط التي كان ترامب يشدد عليها هي التكلفة الاقتصادية للصراع وهذه النقطة ترتبط بدعوته الدول الإقليمية لتحمل الأعباء، وهذا ما يعكس التوجه لتقليص الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، وقد أثار هذا التوجه انتقادات حول هذه السياسة التراجعية والتخلي عن الحلفاء التقليديين.
كانت سياسة ترامب تجاه سوريا تعكس توجهاً عاماً في إدارته لتقليص التدخلات الخارجية، والتركيز على مصالح الولايات المتحدة المباشرة وهو ما أثار خوف حلفاء الولايات المتحدة التقليديين واعتراض في الداخل الأمريكي من قبل مجموعة من الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس، وكذلك في البنتاغون، وضباط ومستشارين سابقين وكذلك داخل وكالات الاستخبارات ومراكز الدراسات، وكذلك مجموعات الضغط الصهيونية مثل أيباك على هذه السياسة التي تؤدي بنظرهم الى تقلص النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.
سياسات الولاية القادمة
يعتمد تحديد سياسات ترامب المتوقعة على تصريحاته الأخيرة وسلوكه السابق خلال فترة رئاسته الأولى، وربما ستكون سياساته متشابهة مع بعض التعديلات بناءً على المتغيرات التي حصلت في سوريا والمنطقة.
في البداية، لم يتغير التوجه القائل بتقليص التكاليف المرتبطة بالتدخل العسكري المباشر بناءً على اعتقاده بـ "تجنب الحروب التي لا تنتهي". بالإضافة إلى استمراره في الحفاظ على حد أدنى من تواجد القوات في سوريا لحماية المصالح الأمريكية والسيطرة على النفط ونهبه. كما وإعطاء دور أكبر للدول الإقليمية المؤثرة الحليفة للولايات المتحدة (تركيا - الكيان الإسرائيلي - الدول الخليجية) لحل الأزمات، وتفادي التورط الأمريكي المباشر بالنزاعات، بناءً على انتقادات ترامب لسياسات الإدارات الأمريكية السابقة التي تورطت في الشرق الأوسط.
التوجه المتوقع:
من المتوقّع إعطاء تركيا دور أساسي في تشكيل الوجه القادم لسوريا ولو كان على حساب الأكراد. وهو احتمال عن تخلي جزئي عن الأكراد نتيجة السياسات الأمريكية المعتمدة من قبل ترامب بتقليل التدخل في سوريا مع إبقاء نوع من الموازنة مع تركيا في التحكم بمنطقة التواجد الكردي وحقول النفط.
بالإضافة إلى الضغط على الدول الخليجية خاصة السعودية والإمارات لتوفير التمويل للدولة السورية وحكومتها القادمة لدعم المسار السياسي، عبر إعطاء الإمارات استثمار الموانئ السورية على الساحل عبر شركة موانئ دبي العالمية واستثمارات للسعودية في الداخل السوري وحقول النفط والغاز مثلاً.
وسيشتد التنسيق مع الكيان بشأن الوضع الأمني في الجنوب السوري. أما عن قسد فمن المتوقّع الاستمرار في تعزيز العلاقات معها إذا كانت تخدم المصالح الأمريكية مع الاستعداد للتخلي عنها إذا انتهى دورها أو بالتفاهم مع تركيا، وبما أن دور قسد يربطه الأمريكي بمحاربة داعش والنظام السوري، فالنظام السوري قد انتهى وهناك إعلان سابق لترامب بأن تنظيم داعش قد هزم لذا فإن دور قسد أصبح بالنسبة للأمريكي محدود وقد يتم التفاهم مع التركي حول هذا الدور.
نتيجة التجربة في ولايته السابقة، والمتغيرات الجارية حالياً على الساحة السورية خصوصاً فمن المرجح أن يتبنى ترامب نهجاً عملياً يتطابق مع الإستراتيجية الأمريكية العامة (ثنائية الحزبين) بما فيها تحميل الأعباء للحلفاء الإقليميين، وتحقيق مكاسب داخلية نتيجة استغلال الصراعات الخارجية وقد يؤدي هذا النهج إلى تخفيف واشنطن من دورها القيادي في مسار تشكيل الحكم السوري القادم، وترك مجال أوسع لتركيا خصوصاً في المجال السياسي، وللدول الخليجية في المجال الاقتصادي وتصدير النفط والغاز عبر سوريا إلى أوروبا، وهذا قد يأتي مع توسعة مبادرة الممر الهندي - الشرق أوسطي الأوروبي ما يضمن دمج هذه الدول بعلاقات اقتصادية متبادلة يستفيد منها الجميع وتدفع نحو تسريع تطبيق المبادرات السياسية الباقية كاتفاقيات أبراهام.
الكاتب: غرفة التحرير