دخلت سوريا مرحلة جديدة سواء لجهة تأريخ الحكم السياسي فيها وتجديد خارطة الصراع بين الأطراف المتنازعة عليها، وفرض تداعيات استراتيجية على منطقة غرب آسيا كلها. حدث سقوط النظام السوري السابق يشكل بحد ذاته تحوّلاً تاريخيّاً في مسار الصراع الذي تشهده المنطقة منذ عقود.
وتشكل المستجدات الأخيرة في الساحة السورية هاجساً لدى السياسيين والباحثين في محاولة لفهم تأثيراتها في الداخل السوري وارتداداتها على دول الجوار. وفي حين تبرز الأطماع الإسرائيلية إلى الواجهة مع القضاء على القدرات الاستراتيجية للجيش السوري والاحتلال السريع لمرتفعات جبل الشيخ ومناطق الجنوب الرئيسة وما كشفه رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، عن نوايا البقاء هناك بالحد الأدنى حتى نهاية العام 2025، تظهر إشكالية ترتبط بعلاقة الكيان الإسرائيلي بطرفي الصراع التاريخي في سوريا: التركي والكردي. لذا، تحاول الورقة المرفقة أدناه، أن تقارب طبيعة الحركة الإسرائيلية تجاه الطرفين مع الأخذ بعين الاعتبار شبكة العلاقات بين الأطراف الثلاثة وعلاقة كل منها مع الطرف الرئيسي الرابع، أي واشنطن، وبطبيعة الحال "أطلسية" تركيا.
وفي استطلاع للرأي، ضمّ مجموعة من الخبراء والمختصين في الشأن التركي، حول الدور الإسرائيلي في خضم مخاض العلاقة التركية الكردية بعد سقوط النظام السوري، جاءت الأسئلة على الشكل التالي:
ما هي المصلحة الإسرائيلية في قيام الدولة الكردية، وتحديداً اي حاجة للإسرائيلي لدى الجانب الكردي وما هي اوجه العلاقة الاسرائيلية مع قوات سوريا الديمقراطية؟
هل يستغل الاسرائيلي موضوع قيام الدولة الكردية في تحقيق مصالحه ويماطل ويسوف كما فعل الأميركي أم أن الموضوع جدي ويقارب الواقع؟ ولماذا؟
كيف يقرأ كل من الجانب التركي الإسرائيلي تداعيات مشروع "الدولة" الكردية على العلاقة بينهما؟
كيف يمكن ان يدير الكيان المؤقت العلاقة مع الكردي والتركي حال التصادم بينهما؟
ما هي حدود دعم الكيان للحفاظ على "الدولة" الكردية الناشئة حال هذا التصادم التركي الكردي؟
وقد ساهم في الاستطلاع كل من الخبراء: د.هدى رزق؛ د. محمد نور الدين؛ أستاذ ناصر فقيه؛ وأستاذ محمد أبو طالب.
الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة:
- تكمن المصلحة الإسرائيلية في العلاقة مع الأكراد في تقسيم المنطقة وتفكيك الوحدة العربية والأمة العربية وكذلك الإسلامية؛ فالهدف الإسرائيلي هو إضعاف دول الجوار واختراق مجتمعات غرب آسيا وتهديداً لوحدتها واستقرارها بما يصب بالضرورة في خدمة المشاريع الاسرائيلية لتقليص أو منع التهديدات الواقعية أو المحتملة من هذه الدول حاضراً أو مستقبلاً. وإذ يحتمل أن تكون "قوات سوريا الديمقراطية" حليفًا للكيان المؤقت، وبالحد الأدنى لا تشكل أي تهديد للإسرائيلي، فإن الأكراد كذلك الأمر أكثر انفتاحاً على العلاقات مع الكيان المؤقت من ذي قبل، وهناك استعداد أكبر لإعادة النظر في تطوير العلاقات مع إسرائيل والتعاون المحتمل، بحثاً عن الدعم، بينما الهدف الإسرائيلي هو البقاء بين كيانات محيطة متنازعة.
- الدعم الإسرائيلي لـ "الفيدرالية" الكردية سواء في سوريا أو تركيا او إيران هدفه إضعاف الدولة المركزية وقوتها والسماح باختراقها، لكن ليس بالأمر الواقعي قيام دولة كردية في شمال شرق سوريا تهدد تركيا، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار البقاء الإسرائيلي تحت المظلة الأميركية ومداراة عدم الاصطدام مع تركيا الأطلسية. بيد أن الدعم الإسرائيلي لقيام "دولة" كردية تفتح المجال أمام الأقليات والمكونات الأخرى للمطالبة بدولها المستقلة؛ ما يعني تقسيم سوريا وضرب استقرارها واستقرار المنطقة. وتشكل حاجة الأكراد للدعم فرصة يستغلها الإسرائيلي في ابتزاز المكون الكردي خدمة لمصالحه.
- قيام دولة كردية أو مجرد المزايدة بها كفيل أن يوتّر العلاقة بين أنقرة وتل أبيب وينعكس سلباً عليها، لكن تهديد العلاقة التركية الإسرائيلية غير مطلوب من الجهتين، خاصة وأن أطلسية تركيا تحول دون وصول التوتر الى نقطة الانفجار، أقله في المدى القريب، في ظل سياسة ضبط واحتواء أميركية. بيد أن المصلحة الاستراتيجية للكيان مع الأكراد تفرض مشهداً جديداً وحسّاساً في العلاقة التركية الإسرائيلية، لن يكون سهلاً على واشنطن التعامل مع خيوطها كافة.
- عدم وجود مصلحة إسرائيلية في التصادم مع التركي قد يوازنه الأول مع السياسة الأميركية الضابطة لتوسع نفوذ الكردي والتركي، واللعب باتجاه طمأنة كل فريق. لكن كيف تكون ردة الفعل التركية؟ وكيف يستجيب الكردي؟ المسألة خاضعة للتوازنات والسياسات الميدانية.
- في المرحلة الأولى من بسط الحكم في سوريا، ستسعى كل من أنقرة واشنطن إلى ضبط أي صراع محتمل النشوء، لكن هناك مشكلات حقيقية بحاجة إلى حلول، وهي: إغلاق الملف الكردي بالنسبة للتركي؛ التنسيق التركي والحكومة السورية الجديدة في إدارة الملف؛ تحديات الاحتلال الإسرائيلي للأمن التركي؛ الضغط على التركي والناجم عن توليفة الحكم الجديدة التي يفترض أن يكون المكون الكردي جزءً منها؛ الموقف الإسرائيلي حال الصدام الكردي التركي في ظل الفرصة التاريخية للإسرائيلي لدعم الانفصال، وماهية الموقف الأميركي أيضاً حال تفلت الأمور. وتبقى المسألة عالقة ما بين قرارين: تدخل إسرائيلي بالاستفادة من صراع الطرفين أو انضباط وفق الإيقاع الأميركي، والحفاظ على سرية العلاقات والدعم. ويبقى العامل المؤثر الأهم في رسم سياسات المرحلة المقبلة هو مصير الهيمنة الأميركية ونفوذها في المنطقة.
لتحميل الدراسة بشكل كامل من هنا